الوضع المظلم
السبت ١٨ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
أوجاع الرصاص الطائش
نرفت عمر

الطبيعة البشرية تحتم على الإنسان العيش كمجموعات ضمن نطاق مجتمع آمن، حيث يمارس حياته ضمن هذا المجتمع المتحضر المدني ويتنعم بالأمن والأمان الذي يوفره المجتمع لجميع أفراده على حد سواء، فغياب أو فقدان هذه السمة يصبح الفرد أكتر عرضة للخطر فيضطر إلى تغير مكانه واللجوء إلى مجتمع آخر باحثاً عن رفاهية الأمان التي فقدها في مجتمعه نتيجة حرب أو كارثة طبيعية. الرصاص 


إلا أنّ هناك بعض الممارسات الفردية التي تؤثر بشكل خطير على المجتمع وباقي الأفراد وتهدد حقهم الأولي والأساسي بالعيش المشترك الأمن والسلمي وتحول دون أمان المجتمع المنشود. أبرز تلك الممارسات الفردية هي عادة احتفالية قديمة ومتجددة تهدد السلام الاجتماعي، وخصوصاً في المجتمعات الشرقية، وهي ممارسة مغلوطة لثقافة الفرح، حيث يتم التعبير والمبالغة عن مشاعر مزيفة مع تخطي حدود الاحترام الاجتماعي، والحريات، مسبباً الذعر والخوف بإطلاق طلقات طائشة للاحتفال بزواج أو بمجد ونجاح مزعوم، غير آبهين لمسارات طلقاتهم وارتداداتها المميتة أحياناً، منتهكين حرمة الغير والمجاورين لهم بالتعدي على ممتلكاتهم برصاصهم الطائش، والأسوأ التسبب بمقتل أشخاص أبرياء.


هل هي الأقدار التي قادت الضحية وقذفته بمرمى طلقة طائشة مع إيماننا الكبير والتسليم لمشيئة الله أم ذنب ارتكبه لإحساسه بالأمان والعيش دون خوذة يرتديها دوماً، ولباس واقٍ لرصاص ممارسي ثقافة الفرح؟ هل هناك حكمة من الموت برصاصة شيطان؟ إن ارتعب الأطفال وارتجفت شفاهم وقلوبهم الصغيرة من الخوف وحدث قلق لكبار السن والمرضى بسبب أصوات الرصاص.. لا يهم، أو تمزقت جروح لم تندمل بعد وانهالت ذكريات الألم والفقدان من ظن أنه قد هرب من أزيز الرصاص في حرب أنهكت روحه وخراب دمر وطنه.. لا يهم. فهناك بالجوار شيطان يحتفل ناسياً آو متناسياً أنه يعيش في مجتمع يسعد لأفراحه ولكن ليس لوحشيته وليس لهم ذنب إلا أنهم يعيشون معه بنفس المكان أو ربما مارون مرور الكرام، لا يهم  مادام يشعر بأنه فرح وأنه قوي ويعبر عن مشاعره بكل حرية، وإن انتهك حرية غيره فهو سعيد، ولا يجد ما يعبر به عن فرحه سوى هذه الطريقة، وإن قتل من خلالها أشخاصاً آخرين أو أصابهم فلا يهم، همجيته بالتعبير عن فرحه تجعله يرمي بعرض الحائط كل الأسس والآداب الاجتماعية والدينية. الرصاص 


وحتى قوانين حظر إطلاق العيارات النارية لمجرد أنه سعيد. فهو بذلك يعوض شعوره بالنقص ويغذي حبه للتباهي وإظهار الذات مبيناً مدى قوته باستخدام سلاح وإطلاق العيارات النارية معلناً أداءه بالواجب كاملاً في الأعراس أو الاحتفالات. إذا أردت الاحتفال والتعبير عن فرحك فهو حق من حقوقك، ارقص، غني، اضحك، اصرخ، حتى كما تشاء، ولكن لا تطلق الرصاص فالفرح لا يقاس بأصوات الرصاص المدوي فلم ولن يكون هناك رابط بين الرصاصة والفرح ولا تجعل غيرك يدفع فاتورة فرحك، مع العلم أنه ليس من الضرورة أن يدفعها شخص غريب عنك، قد يكون فرد من أفراد أسرتك أو شخص عزيز عليك اختاره القدر ليرى مدى تهورك واستهتارك لخطورة ما تقوم به وتحولك إلى مجرم بلحظة طيش عابرة. تعقبها حسرة وندم مردداً لعبارة: (مو بقصدي والله) تختزل الحادثة وتضيع المسؤولية بين تأنيب الضمير وحجة أنه قضاء وقدر، وإن الأحداث تتالت ليصطدم مع هذا المستهتر والفارح في موقف خارج عن إرادته ويحدث ما حدث. الرصاص 


إنّ من شعب الإيمان (إماطة الأذى عن الطريق) أي أن تفكر بمن حولك من أفراد يشاركون معك المكان والمجتمع، وتبعد كل ما يمكن عمن يتسبب بالأذى لهم أو لممتلكاتهم، فما بال من يستهؤون، فيتسببون بضياع أرواح وممتلكات الناس، ألن يكون محاسباً أمام الله قبل المجتمع؟ ويبقى ذلك الذنب يلاحقه بسبب همجية متبعه دون وعي. تفقد عائلة فرداً من أفرادها أو تسبب له أذية مغيراً بذلك من ملامح هذه العائلة تاركاً فراغاً حزيناً مكانه فقط، هذا الشخص الذي اختارته طلقة الفرح كما تسمى، مسببة موته أو عاهة كلفته مستقبله، ربما كان له حياة ودور بتلك العائلة ومسؤولية، ربما كان أباً أو أماً خلف وراءه أولاداً يحتاجون الرعاية والحب، ليصبحوا بين ليلة وضحاها محرومين ويتامى تتقاذفهم مرارة الأيام وقسوة الحياة دون أب راعٍ أو أم حنونة، أوقد يكون ابناً أو ابنة سهرت أعين الوالدين وهي تربيهم وتفرح بهم تحلم وتتأمل لتستند عليهم بعد عناء الحياة والسنوات الطويلة فلا تجدهم، لن يكون هذا حدث طارئ تعرضت العائلة لها. سيبقى نزيف جرح العائلة المنكوبة مستمر بسبب طيش شخص أخرق.


أخيراً.. كل الديانات السماوية والأخلاق الإنسانية والقيم الحضارية تستوجب عدم إخافة الغير وترويعه، فكيف التسبب بمقتله لعدم الإدراك والوعي لخطورة استخدامه لسلاح الذي من المفروض أنه تم اختراعه ليستعمل في ساحات المعركة. الرصاص 


نرفت عمر
ليفانت - نرفت عمر ليفانت 

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!