-
أنقرة ومساعي المحاصصة مع دمشق.. زمن المقايضات التي ولّت
مع توجه كل من أنقرة ودمشق، لمحاولة النيل من المناطق التي تسيطر عليها "قوات سوريا الديمقراطية" في شمال وشرق سوريا، على شاكلة ما حصل في عفرين أولاً، ورأس العين وتل أبيض تالياً، برزت مبادرات تركية صريحة لمحاولة استقطاب النظام السوري، علهما يصلان إلى توافقات على تقاسم المنطقة.
لكن هذه المرة، لم يتطابق حساب البيدر مع حساب الحقل، فالمنطقة التي يجري الحديث عنها، غنية بالموارد الطبيعة، وبالتالي فإن أي طرف يكسبها لصفه سلماً أو حرباً سيكسب اقتصادياً، كما يمكن أن يكسب عسكرياً إن جرى التوافق على صيغة ما لإدارة المنطقة مع "قسد"، وهو ما تبدو دمشق أقرب إليه من أنقرة، التي لا تملك أدنى استعداد لمناقشة تلك الفرضية.
تزلف تركي وتعالي من دمشق
إحدى المبادرات التي كانت تصب في هذا السياق، أطلقها في السابع من سبتمبر الماضي، وزير الخارجية التركي مولود تاشووش أوغلو، عندما ادعى إن بلاده تنظم مباحثات مع النظام السوري، حول قضايا ترتبط بالأمن ومكافحة الإرهاب، مشيراً ضمن لقاء مع قناة "NTV" التركية، إلى إنه "لا مفاوضات سياسية مباشرة مع دمشق، وإنما مفاوضات تتعلق بالأمن ومكافحة الإرهاب"، متابعاً بأن "المفاوضات مع سوريا تجري على مستوى الأجهزة الخاصة والاستخبارات.. هذا أمر طبيعي"، على حد قوله.
اقرأ أيضاً: الليرة التركية.. عندما يدفع الشعب ثمن عدوانية السلطة
تصريحٌ بدى أنه محاولة جس نبض، وهو ما أمكن استشفاءه من رد النظام السوري عليها، عندما علق مصدر رسمي في وزارة الخارجية والمغتربين السورية، بالقول إن "الجمهورية العربية السورية تنفي بشكل قاطع وجود أي نوع من التواصل والمفاوضات مع النظام التركي، وخاصة في مجال مكافحة الإرهاب"، مبيناً: "لقد بات معروفاً للقاصي والداني بأن النظام الحاكم في أنقرة هو الداعم الرئيسي للإرهاب، وجعل من تركيا خزاناً للتطرف والإرهاب الذي يشكل تهديداً للسلم والاستقرار في المنطقة والعالم، ويخالف بشكل فاضح قرارات الشرعية الدولية حول مكافحة الإرهاب".
دمشق وموسكو ترفعان نبرة خطابهما
ومع إخفاق المحاولة التركية السابقة لحلحلة العقد مع النظام السوري، الذي لا يبدو أنه مستعد لرؤية الجيش التركي وهو يحتل أجزاء جديدة من سوريا، ما دامت تلك الأجزاء قد تشكل فائدة اقتصادية مستقبلية له، توجه النظام السوري لتصعيد خطابه تجاه أنقرة، فدعا وزير خارجية النظام السوري “فيصل المقداد”، في العاشر من أكتوبر الماضي، القوات التركية للانسحاب من سوريا، بشكل فوري وعاجل.
وقال وزير خارجية النظام: “آن الأوان لتركيا بأن تنسحب من الشمال الغربي لسوريا، وتتيح المجال لحل يضمن علاقات طبيعية مع سوريا بعد زوال هذا الاحتلال”، وأشار المقداد، إلى أنّ الشعب التركي يعي جيداً أن مصالحه التاريخية مع سوريا، هي أغلى وأرفع من تحالفات يقوم أردوغان بعقدها مع تنظيمات إرهابية مسلحة لغايات أيديولوجية عفى الزمن عليها، ويجب أن تنتهي.
اقرأ أيضاً: تجنيد القصّر بمناطق “الإدارة الذاتية”.. المُعضلة المُنفّرة والمُبررات المُفرّغَة
أما على الصعيد الروسي، فقد ذكر ألكسندر لافرنتييف مبعوث الرئيس الروسي إلى سوريا، في منتصف نوفمبر الماضي، إنه "لا بد من استمرار محاربة التنظيمات الإرهابية، وخاصة الموجودة في إدلب، وتنفيذ الاتفاقيات التي وقعتها تركيا، التي تتحمل مسؤولية الهجمات الإرهابية هناك، وذلك عقب مباحثات بين وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، ونظيره التركي، خلوصي أكار، حيث ذكرت وزارة الدفاع التركية، في بيان مقتضب، أن الوزيرين أجريا محادثة هاتفية حيث "تبادلا الآراء بشأن القضايا الثنائية والإقليمية المتعلقة بمجالي الدفاع والأمن، خاصة تطورات الأوضاع الأخيرة في سوريا"، دون تعقيب من الجانب الروسي.
والمطالبات تلك من دمشق وموسكو لأنقرة، أتت عقب مزاعم أطلقها أردوغان بداية نوفمبر الماضي، ادعى فيها أن بلاده جاهزة لشن عملية عسكرية جديدة في سوريا ضد "وحدات حماية الشعب" الكردية، لافتاً إلى أن ذلك القرار سيتخذ في حال اقتضت الضرورة ولن يتم التراجع عنه، فيما ذكر مصدر في المعارضة السورية لوكالة "نوفوستي" الروسية، أن الجيش التركي أبلغ المليشيات المسلحة السورية التابعة لأنقرة بالاستعداد لشن عملية عسكرية ضد "قوات سوريا الديمقراطية".
الاسكندرون يعود إلى الواجهة
وفي الوقت الذي كان النظام التركي ينتظر فيها ضوءاً أخضراً من دمشق وموسكو لتقاسم شرق الفرات، فقد سلك النظام السوري درباً مغايرة واختار أن يرفع لغة التحدي، وأن لا يكتفي بالحديث عن إدلب أو غيرها من المناطق، بل توجه إلى تحريك جرح غائر في الزمن، وهو لواء الاسكندرون، حيث شدد مجلس الشعب التابع للنظام السوري، في بيان نهاية نوفمبر الماضي، على أن لواء إسكندرون جزء لا يتجزأ من التراب الوطني، وأن السوريين سيبذلون الغالي والنفيس حتى يعود الحق السليب إلى أصحابه، وذلك بالذكرى الثانية والثمانين لـ"احتلال تركيا للواء إسكندرون"، مردفاً: ”القوات التركية دخلت لواء اسكندرون، وبدأت حملات تتريك لتشويه معالمه التاريخية وتغيير تركيبته السكانية والبشرية، من خلال تدمير المنازل وتهجير السكان وتغيير الهوية السورية للسكان العرب الأصليين”، رغم تشكيك الكثير من المراقبين بجدية النظام في مطالبته تلك، حيث رأى هؤلاء أن النظام لو كان جاداً فيما يدعيه حول لواء الاسكندرون، لبادر إلى إلغاء اتفاقية أضنة التي تعتبر انتهاكاً للسيادة السورية.
اقرأ أيضاً: واشنطن والضاحية الجنوبية.. مواجهة متعددة الأوجه مع المدّ الإيراني
وبالعموم، فقد ردّ وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، في الثالث من ديسمبر على تلك المطالبات، قائلاً: “نسمع بعض التصريحات الطائشة التي لا معنى لها حول مقاطعتنا هاتاي، وهناك بعض التصريحات التي أدلى بها جهلة، مثل هذه التصريحات لا تختلف عن صراخ شخص في غيبوبة، وهذا ليس له قيمة”، فيما أعربت وزارة الخارجية التركية عن رفضها التام للبيان الصادر عن “مجلس الشعب السوري”، الذي تناول قضية لواء اسكندرون، والمطالبة بضمّه إلى الأراضي السورية، ووصفته الخارجية التركية بأنه “وقح وغير قانوني”، وفق قولها.
ويتضح من خلال المعلومات المستعرضة أعلاه، أن موقف النظام التركي أضحى محرجاً جداً في سوريا، وأن تمكن النظام السوري من استعادة قوته، سيزيد من ذلك الاحراج، وأن زمن الصفقات التي كان يجري فيها مقايضة منطقة سورية بمنطقة سورية أخرى، بين موسكو وأنقرة، قد ولى عهده، وأن الأيام القادمة لا بد وأن تحمل للسوريين استعادة كل أراضيهم من الجيش التركي وميليشياته المسلحة، وهو أمرٌ سيكون مفروغاً منه لو استطاع السوريون أن يتوافقوا حقاً على حل يجمعهم، ويطرد الغرباء من أرضهم.
ليفانت-خاص
إعداد وتحرير: أحمد قطمة
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!