الوضع المظلم
الخميس ٠٢ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
  • ألمانيا ستتخلى عن النفط الروسي.. فنزويلا خيارٌ محتملٌ للتعويض لكنّه لن يلبي النقص فوراً

ألمانيا ستتخلى عن النفط الروسي.. فنزويلا خيارٌ محتملٌ للتعويض لكنّه لن يلبي النقص فوراً
صورة أرشيفية. الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو خلال اجتماع مع أعضاء حكومته وقادة عسكريين في كاراكاس. قصر ميرافلوريس (EFE / قصر ميرافلوريس)

وائل سليمان

تحليل إخباري

  • إدارة بايدن تتحرك لسد النقص في السوق النفطية
  • ألمانيا: نفط وفحم روسيا خارج حساباتنا مع بداية 2023
  • الغاز الروسي خارج نطاق العقوبات والمسال لا يحل المشكلة لاعتبارات سعرية ولوجستية
  • فنزويلا على سكة التعويض إمكانات وتحديات
  •  مفاوضات وأوراق الضغط
    تواجه إدارة جو بايدن مؤخراً جملةً من الانتقادات بعد تحرّكها الجاد نحو فنزويلا  وحليفتها إيران التي تقترب من توقيع الاتفاق النووي وفكفكة العقوبات عنها لتعويض بعض النقص في السوق النفطية. جاء هذا التحرك باتجاه فنزويلا بعد حظر إدارة بايدن النفط ومصادر الطاقة الأخرى من روسيا عقب غزوها أوكرانيا، بينما ما تزال تتمسك أوبك+ بزعامة السعودية وروسيا بعدم زيادة الإنتاج، ولاسيما مع علاقات فاترة بين واشنطن والعهد الجديد في الرياض على رأسه ولي العهد محمد بن سلمان على خلفية عدة قضايا منها ملف حقوق الإنسان.

على إثر ذلك اشتدت المناوشات على الإمدادات الاحتياطية حتى اضطرت الوكالة الدولية للطاقة للإفراج عن أكبر احتياطي في تاريخها وصل إلى 60 مليون برميل. لكن إدارة بايدن ما فتئت منذ أشهر تحاول تعويض نقص الإمدادات الذي سيحصل في السوق العالمية بعد العقوبات على روسيا، فمجموعة الأوبك بزعامة روسيا والسعودية ذي العلاقة الفاترة بالديمقراطيين الجدد لم تزد الإنتاج.

لقد طالب "العم سام" الحلفاء والخصوم منهم الصين، بفك بعضاً من احتياطاتهم. لقد توجه بايدن إلى قطر من أجل تعويض الغاز، إلا أن الأخيرة قالت أنها لا تستطيع تعويض الإنتاج الروسي وفي أقصى حد 15 بالمئة، بيد أن مشكلات لوجستية حاضرة بقوة تتعلق بالبنية التحتية لاستضافة الغاز المسال في أوروبا ولاسيما ألمانيا.

في ضوء هذه التحديات يبدو أن ألمانيا ماضية قدماً للتخلص من الحمولة السياسية والاقتصادية الضاغطة عليها بسبب اعتمادها على روسيا في مجال الطاقة. فأعلنت على لسان  وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك أمس السبت أنها تعتزم التخلي عن الفحم الروسي بحلول الخريف وعن النفط الروسي بحلول نهاية العام تقريبا. وجاءت تأكيدات من الوزير المؤيد للقضايا البيئية لصحيفة "فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ" (Frankfurter Allgemeine Zeitung):

"كل يوم، وحتى كل ساعة، نودّع أكثر فأكثر الواردات الروسية"

بيد أن مسألة الغاز الطبيعي الروسي تبدو حتى الآن خارج مرمى العقوبات، فالتعاطي مع الغاز المسال يتطلب بنى تحتية متخصصة وكبيرة غير متوفرة بكثرة بما يلبي استيراد الغاز المسال بكميات ضخمة لكن القرار بوقف النفط والفحم أصبح حاسماً مع توفر أبدال تلوح بالأفق من فنزويلا وإيران ما أن يوّقع الاتفاق النووي الذي عطّلته روسيا مؤقتاً بتدخلها الأخير في اشتراط التجارة الحرة مع إيران، لكن الأمر لم يكن أكثر من مناورة لإطالة بقاء إيران خارج نادي المصدرين الكبار لأطول مدّة ممكنة.

تستورد ألمانيا حالياً ثلث نفطها وحوالي 45% من فحمها من روسيا، حَسَبَ إحصاءات الحكومة الألمانية. في المقابل، كانت عمليات استيراد الغاز الطبيعي الروسي عام 2020 تتخطى 50% بقليل. وخلال العقد الماضي، ازداد تعويل ألمانيا في مجال الطاقة على روسيا من 36% من إجمالي عمليات استيراد الغاز عام 2014 إلى 55% حاليًا.

نورد ستريم 1
نورد ستريم 1 و 2 وبروثهود. خطوط الغاز الروسية إلى ألمانيا

حالياً، تستبعد ألمانيا العقوبات عن عمليات استيراد منتجات الطاقة الروسية حيث لو حصلت الآن ستواجه البلاد صعوبات في الإمدادات للشتاء المقبل وأزمة اقتصادية وتضخم وكذلك إلى إلغاء آلاف الوظائف وارتفاع حاد في أسعار الطاقة المرتفعة أصلاً إذ بدأت تعد عبئاً على الأسر ويشتكي منها المواطنون الألمان.

ومع عودة التجارة والسياحة حول العالم وتحرك عجلة الاقتصاد بعد إنهاء الإغلاق في أغلب الدول كانت ماليزيا وأستراليا آخرهم والأشد تشدداً، تبرز الحاجة القصوى لتزويد السوق العالمية بنحو 4.3 مليون برميل نفط يوميا. هذه التقديرات طِبْقاً لـِ "ريستاد أنرجي"، أي أكثر من 4% من إجمالي الإمدادات العالمية. ولأن الصادرات الروسية إلى الغرب كبيرة جدا، فإن التهديد بقطعها أوصل توقعات بورصة وول ستريت وغولدمان ساكس وآخرين تصل إلى سعر الخام 200 دولار للبرميل بنهاية هذا العام.

فنزويلا تتحضر على تكة الاحتياط

لكن جرعة من التفاؤل تسود في أسواق النفط  حالياً من جرّاءِ نجوع متوقع للتحرك الأمريكي، ولاسيما مع إعلان وزارة النفط الفنزويلية يوم الجمعة إن إنتاج فنزويلا من النفط قد يرتفع بما لا يقل عن 400 ألف برميل يوميا إذا سمحت الولايات المتحدة بطلبات شركاء بي.دي.في.اس.ايه التي تديرها الدولة لتجارة الخام الفنزويلي.

من جانب آخر، كانت فنزويلا بزعامة "الرئيس" نيكولاس مادورو منفتحة على الحوار، ولاسيما أن نظام الحكم العسكري وجد نفسه كطرف يُحتاج له في حين يعاني على الصعيد الداخلي، فأعلنت فنزويلا أمسِ السبت رسمياً، عن "استعدادها" لإجراء "حوار" مع أوروبا، وطالبت بـ"رفع" العقوبات المفروضة عليها خلال اجتماع السبت في تركيا بين وزير خارجيتها فيليكس بلاسنثيا ومسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل.

سبق هذا الاجتماع تمهيد بزيارة مفاجئة لوفد أميركي رفيع المستوى إلى كراكاس التقى خلالها الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو بعد إعلان البيت الأبيض فرض حظر على النفط الروسي بسبب غزو أوكرانيا.

في عام 2021، أوقفت فنزويلا التراجع الحر في إنتاجها النفطي وصادراتها لتصل إلى 636 ألف برميل يومياً، بزيادة قدرها 12٪ عن 2020

ما يجعل فنزويلا خياراً محتملاً لأوروبا وألمانيا تحديداً، إيجابية معقولة تعاطى بها الطرف الفنزويلي مع الوفد الأمريكي، في سياق الغاية التي زار الوفد فنزويلا من أجلها، إذ كانت محادثات تتعلق برفع العقوبات على الصناعات النفطية المفروضة على هذا البلد منذ 2019 وليس إطلاق سراح سجناء أمريكيين، وفي مقابل ذلك تتم بعض التنازلات فكان الرد الفنزويلي بالإيجاب.

التعويض بحاجة للوقت

بينما تبحث واشنطن كل السبل للتضييق على روسيا بكل أنواع العقوبات والحصار، إذا ما حصل اتفاق وانضمت فنزويلا مجدداً لنادي المنتجين الكبار لن تقدرعلى تعويض النقص في السوق فورا. إن الزيادة  في الإنتاج وفق رينالدو كوينتيرو رئيس غرفة البترول الفنزويلية ستسمح بإنتاج النفط لعضو أوبك نحو 1.2 مليون برميل يوميا، في حين بلغ في المتوسط ​​755 ألف برميل يوميا في يناير الماضي وفقا للأرقام الرسمية.

لقد أثّرت سنوات من قلة الاستثمار وسوء الإدارة، وفي الآونة الأخيرة بسبب العقوبات الأمريكية على شركة "PDVSA" الفنزويلية الوطنية في إنتاج النفط الفنزويلي، الذي بلغ في أواخر التسعينيات حوالي 3.7 مليون برميل يوميا. "رويترز "

لكن بالرغم من هذه الأرقام، يغدو التحرك إيجابياً ومثمراً بالنسبة لواشنطن وأوروبا على المدى المتوسط والطويل من أجل ضمان الاستقرار، فضلا عن تخفيف الشحنة السياسية السلبية بين أمريكا ونظام كراكاس نحو تحالف مصالح إلى جانب كولومبيا الصديقة لواشنطن والجارة اللدود لفنزويلا.

يلقى بايدن معارضة من ديمقراطيين وجمهوريين، ولاسيما السيناتورالنافذ الديمقراطي بوب مينينديز رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ والجمهوري ماركو روبيو ونائب رئيس لجنة المخابرات بمجلس الشيوخ، وأيضاً المعارضة الفنزويلية في خطوته نحو تحرير اتفاق مع دكتاتور فنزويلا بشأن النفط. طالبوا الإدارة بالتمسك بالقيم وعدم ازدواجية المعايير-في إشارة إلى بوتين بوصفه دكتاتوراً هو الآخر وراعياً لمادورو- وتحرير الإنتاج المحلي للتعويض؛ ما يرفضه آخرون باعتباره خطوة غير مبررة لاستنزاف مخزونات البلاد." وول ستريت جورنال"

هذا هو الوقت المناسب لإدارة بايدن التي تبحث لتوطيد علاقاتها أكثر بأمريكا الجنوبية وتقديم العرض لفنزويلا في محاولة جادة لاستقطابها على ضفة الحياد في الأقل، أو إنجاز اتفاق محدود يتعلق بتصدير النفط ما سيوفر فرصة لشركات النفط الأمريكية لتعود للاستثمار في فنزويلا، وفك التشبيك الروسي الفنزويلي عن هذا القطاع وتعزيز الأمن القومي، والأهم تعويض النقص العالمي ومزيداً من الاستقرار ولاسيما بعد النهوض من جائحة كورونا.

إنه امتحان صعب لنظام مادورو بكل الأحوال بوجود شريك روسي على المستوى الاقتصادي والإيديولوجي، لكنها فرصة تبدو واعدة ولاسيما مع المعارضة الشرسة التي يواجهها مادورو ما سيهدئ الأوضاع الداخلية ويعيد الهواء المنعش للاقتصاد المتضخم والعملة الوطنية.

لقد أعاد التأكيد وزير الخارجية الفنزويلي بلاسنثيا  خلال لقائه بوريل "استعداد فنزويلا لبدء حوار سلمي"، وفق بيان صادر عن الخارجية الفنزويلية "كرّر المطالبة برفع التدابير القسرية الأحادية الجانب" التي فرضها الاتحاد الأوروبي على كراكاس. واستقبل بوريل الأمر ودياً لكنه أشار مذكراً عبر تويتر أن "الاتحاد الأوروبي يدعم الحوار المتوقف في المكسيك" بين نظام مادورو والمعارضة الفنزويلية.

كان الاجتماع بين الاثنين ودياً على هامش منتدى دبلوماسي في مدينة أنطاليا التركية وَفْقاً للبيان ما يجعل تطلعات الغرب واعدة، بعد توتر العلاقات بين أوروبا وكراكاس منذ إعادة انتخاب مادورو الصورية عام 2018 وقمعه للمعارضة.

ورقة المعارضة

على غرار الولايات المتحدة، لم يعترف الاتحاد الأوروبي بإعادة انتخاب مادورو عام 2018 في اقتراع قاطعته المعارضة. في تلك الأثناء، اعترفت عدة دول في الاتحاد الأوروبي عام 2019 بزعيم المعارضة خوان غوايدو رئيساً موقتا.

لقد توقفت المحادثات بين نظام الرئيس نيكولاس مادورو مع المعارضة بعد تعليقها من طرف الرئيس مادورو قبل خمسة أشهر، بعد أن سلمت للولايات المتحدة رجل الأعمال الكولومبي أليكس صعب المقرب من كراكاس الذي يتهمه القضاء الأميركي بغسل الأموال.

زعيم المعارضة الفنزويلية يتحضر للقاء بومبيو
زعيم المعارضة الفنزويلية خوان غويدو المدعوم دولياً

تأكيد آخر لأهمية التحرك الأمريكي في تحديد وإعلان غايته بالدرجة الأولى، ما أكّدته المتحدثة باسم البيت الأبيض جين بساكي، أنه نوقشت مسألة "الأمن على صعيد الطاقة" في الولايات المتحدة خلال استقبال المسؤولين الأميركيين الكبار في القصر الرئاسي في كراكاس نهاية الأسبوع الماضي.

لقد حاولت واشنطن التي كانت المشتري الرئيس للنفط الفنزويلي حتى 2019 إطاحة نيكولاس مادورو عبر فرض حزم عقوبات على فنزويلا، أبرزها حظر على الواردات الأميركية من النفط الفنزويلي ودعم المعارضة سياسيا وإعلاميا.

اقرأ المزيد: في عفرين.. إحياء المناسبات الكردية واستذكارها من المحرمات

وفي زحمة التوصيات والإشارات والتذكيرات من السيد بوريل للطرف الفنزويلي بخصوص مراقبة الانتخابات والإصلاحات الديمقراطية أكّد أن "التأثير الخطر للحرب ضد أوكرانيا" كان في محور النقاشات، دون أن يعطي تفاصيل إضافية، ما رسم مشهداً متفائلاً على عدة جبهات دبلوماسية لإجراءات توافقية محتملة قريباً ترضي الأطراف جميعاً.

يعيد الاتحاد الأوروبي تذكير نظام مادورو بمطالبه حول الإصلاحات الديمقراطية في هذه المفاوضات، وبأن الغرب رفض نتائج الانتخابات الرئاسية معترفاً بخصمه خوان غويدو رئيساً بينما تبدي واشنطن ترحيباً باتفاق نفطي في الأقل، وترسم بنظر البعض فضاء جديداً في الجيوبولتيك مع محاولة إدارة بايدن تحقيق التعاون مع الدول المعاندة في حديقتها الخلفية ولاسميا فنزويلا وكوبا، وإذا ما بدا أن الاتفاق يقترب سيخسر بوتين نقاط مهمة في المفاوضات قد تدفعه للتصعيد أكثر على الأرض في أوكرانيا


وول ستريت جورنال _ رويترز_  _ أ ف ب

 

 

 

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!