-
أفغانستان: الميّزة ولعنة المكان
بعد شهر من الآن، تحلّ ذكرى الخيانة الأمريكية للعالم والشعب الأفغاني، ليمُر عام من الألم على التغيير الحادث في دولة طالبان واعتراف الدول بحكوماتها بعد صورة قاتمة للشعب الأفغاني وحياته، بل ونسائه خاصة.
لوحة يخشاها الجميع للآن بتسلم حركة طالبان الأفغانية زمام الأمور بالبلاد، جماعة كانت تحكم الجبال لدولة تحكُم عالم الطبيعة وخيراتها، التي يحوطُها قلق من انتعاش سوق الجماعات المُتطرفة عليها، لتكون وجهة لهجرة جماعية لمُتطرفي دول الشرق الأوسط وأوروبا، كما كانت العراق وسوريا للآن وحوثيّ اليمن وليبيا وغيرهم كملاذ آمن.
ورغم انهيار تنظيم داعش في العراق وسوريا، فما يزال صامداً في أفغانستان تحت مُسمى ولاية خراسان، لكن مُنذ مجيء طالبان للحكم، بات هذا التنظيم مُهدداً كونهُ التهديد الأبرز في وجه الحركة الحاكمة.. رغم توافقهما في المُعتقد والمنشأ، لكن هناك خلافات جوهرية بينهما في الغايات لكل منهما من حيث الانتشار والتوسع، فضلاً عن خلافهما حول العدو المُستهدف.. فهل الحركة والتنظيم مُرتبطان أم مُتناحران متحاربان؟
إن الموقع الجيو- سياسي لأفغانستان جعل منها (الميزة واللعنة) في آن واحد. الأولى: فرصة للنهوض اقتصادياً وسياسياً عبر الترابط الاقتصادي الإقليمي، بموقع استراتيجي لا تستطيع أي دولة أخرى أن تمتلكه، فلا يمكن للطاقة أن تصل من تركمانستان وأوزبكستان إلى باكستان والهند إلا من خلال الأراضي الأفغانية؛ وكذلك طريق الحرير الصيني الخليجي وسكك الحديد بين المتوسط وآسيا والربط الكهربائي بين المراكز الغنية في الشمال والفقيرة في الجنوب، وغيرهم كثير.
وقد لاحظنا الزيادة الكبيرة في تجارة الترانزيت بعد استقرار الأوضاع الأمنية، وانخفاض مستوى الفساد والرشوة، وأصبح الانتقال من الشمال إلى الجنوب أسهل.
أما لعنتها فتُكمن في طريقة الحُكم الطالباني وتفكيره، وأيضاً عدم امتلاكها أية منافذ بحرية لتصريف مُنتجاتها، وبغض النظر عمّن يحكمها، فموقعها لا يمكن تجاهله، لذا غزتها أمريكا وتكالبت عليها الأمم السابقة، حتى التنظيمات الإرهابية وداعش، وجماعة "الأفغان العرب"، وتنظيم القاعدة الذي ينتشر مُنذ ثمانينيات القرن الماضي في 13 ولاية، وعلى حدود طاجيكستان، وإقليم بكتيكا شرقاً، حيث تتواجد شبكة حقاني بنفس الفترة الزمنية والتابعة لطالبان بباكستان والأكثر قرباً وأيديولوجياً من القاعدة، كونها حلقة وصل بين القاعدة وطالبان. لتكتمل الصورة بتنظيم "داعش - ولاية خراسان" نهاية 2014، ليصل العداء جلياً بإعدم سُجناء داعش، ومن بينهم الأمير السابق للتنظيم في جنوب آسيا "أبو عمر الخراساني" الذي تم اعتقاله في عملية نفذتها القوات الأفغانية بدعم من الجيش الأميركي، في مايو 2020، ناهيك عن انتقال عناصر مُتطرفة من الجهاديين في سوريا إلى أفغانستان.
وعلى الرغم من الخروج المُهيّن للقوات الأمريكية إلا أنّها ما زالت تحت الأنظار وإلا لمنعت عنها الماء والهواء، لكن رغم الأموال المجمّدة البالغة 7 مليارات دولار، فالمساعدات التنموية لم تنقطع وقيمتها 7 مليارات دولار سنوياً، بإجمالي سنوي 8.4 مليار دولار للاحتياجات الإنسانية والتنموية.. واستمرت المساعدات حتى بعد الغزو الروسي الأوكراني.
إذاً "أفغانستان" لها المكانة الاستراتيجية للدوران حول مركزها الإقليمي، فيا ترى هل تركها الأمريكان لمستقبل غامض يرون فيه شيئاً، وإلى أي مدى ستكون الحرب بين طالبان وتنظيم داعش دامية؟
ليفانت - إبراهيم جلال فضلون
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!