الوضع المظلم
الأحد ١٩ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
أصفهان.. عندما تكمم طهران الحناجر العطشى
أصفهان - إيران ليفانت نيوز

مع تعنت النظام الإيراني، ومراوحة المفاوضات النووية في فيينا مكانها منذ تنصيب الرئيس الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي، في يونيو الماضي، عبر مسرحية الانتخابات، يعاني الإيرانيون بشكل من متزايد من عواقب العقوبات الأمريكية على طهران، في ظل انهيار العملة الوطنية، وعجز الدولة عن سداد مستحقات فئات من العاملين والموظفين لديها، بجانب رفع الضرائب وزيادة التضخم.


عوامل تؤدي كلها في المحصلة إلى زيادة التململ الاجتماعي، والذي ينعكس على شكل مظاهرات متفرقة هنا وهناك، رغم ما يجابهها من قوة، إلا أن الأمران باتا سيان لدى شريحة واسعة من الإيرانيين، فالموت الممكن في التظاهر، سيقع ربما جوعاً أو عطشاً، وإن بعد حين، إن استمرت الحال على ما هي عليه.


إبراهيم رئيسي

معدلات تضخم قياسية


فكيف لا يتظاهر الإيرانيون، والبلاد تعيش زيادةً قياسية في معدلات التضخم لم تشهده منذ العام 1979، على وقع انهيار تاريخي للريال والذي يضغط على مؤشرات الاقتصاد، وهو ما أقرت به أنباء "فارس نيوز" التابعة للحرس الثوري الإيراني، في السادس من أكتوبر الماضي عندما قالت، إن "التضخم" (مؤشر الغلاء لأسعار السلع والخدمات) سجل معدل قياسي مرتفع وصل إلى 58% خلال أغسطس/آب الماضي، مقارنة بنفس الشهر من العام السابق، وهو أعلى معدل منذ عام 1979.


اقرأ أيضاً: بايدن وبوتين.. والتطبيع المعتمد على تطابق المصالح القصوى

فيما أفصح تقرير سابق لمركز الإحصاء الإيراني، عن أن متوسط معدل التضخم السنوي في إيران خلال أغسطس/آب الماضي، وصل إلى 45.2% بواقع 44.5% للأسر الحضرية و48.7% للأسر الريفية، بينما أوردت وكالة أنباء العمال الإيرانية، "إيلنا" عن رئيس جمعية تجار الأغذية بالجملة في إيران، إن الأسعار ازدادت بنسب تتراوح بين 30% و90% في الأشهر الخمسة من مارس/آذار حتى أغسطس/آب الماضي، نتيجة الضغوط التضخمية على الإنتاج الزراعي.


وقد نبّه مسؤول إيراني في السادس من نوفمبر، من تفاقم معدلات التضخم في بلاده، لافتاً إلى أن الأوضاع في البلاد من الناحية الاقتصادية ليست طبيعية، فصرح مجيد رضا حريري، رئيس غرفة التجارة الإيرانية الصينية المشتركة، إن "الاقتصاد الإيراني في أخطر نقطة تاريخية في التضخم في العقود الأربعة الماضية، وهناك احتمال لحصول تضخم مفرط وارتفاع أسعار بضائع"، وأردف حريري، خلال حديث لوكالة أنباء "إيلنا" العمالية: "إذا مررنا بمراحل تضخم 50 أو 60%، فإن التضخم سيصبح أكثر صعوبة للسيطرة عليه"، و"كل قرار يتخذ في إيران يجب علينا تقييم عواقب زيادة أو انخفاض التضخم".


مزارعو أصفهان يتظاهرون


وبجانب التضخم وانهيار العملة الوطنية، جاء الجفاف وشح المياه ليزيد من معاناة المزارعين، الذي احتجوا في منتصف نوفمبر، على انقطاع المياه وجفاف نهر زاينده رود في أصفهان وسط البلاد، بعد تحويل مجراه، حيث تجمع عدد كبير من الإيرانيين إلى جانب المزارعين الأصفهانيين مرددين هتافات مثل: "أين نهر زاينده رود"، و"أعيدوا زاينده رود".


فيما أشادت السيدة مريم رجوي، الرئيسة المنتخبة للمقاومة الإيرانية، بأهالي أصفهان والمزارعين المحرومين المنتفضين، وقالت: "الهبة الوحيدة لحكم الملالي الفاسدين والمجرمين هو القمع والقتل والفساد والدمار والفقر والبطالة وتدمير البنية التحتية للبلاد".


اقرأ أيضاً: المناخ يُخيّر البشرية.. الاستجابة الحقيقية أو الفناء الجماعي

وتابعت: "تحية للمزارعين الكادحين وللمواطنين الغيارى في أصفهان، المنتفضين حالياً بشعار "أين نهرنا زاينده رود" في ديمومة اعتصاماتهم واحتجاجاتهم المستمرة للحصول على حصصهم للمياه وحقهم للحياة، داعيةً جميع العمال والمزارعين والكادحين وعموم الشباب في جميع أنحاء إيران، إلى الانتفاض لدعم أهالي ومزارعي أصفهان، وأضافت: "يمكن أخذ الحق بالقوة، ويجب تحقيق ذلك من خلال الثبات والمثابرة والتضامن".


تفريق المعتصمين


ووصلت المظاهرات إلى محافظتي شهار محل وبختياري جنوب غرب إيران، في نهاية نوفمبر، للمطالبة بحل لأزمة شح مياه الشرب، فيما كان قد وعد الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في 11 نوفمبر، بحل مشكلة المياه في محافظات وسط إيران، وهي أصفهان ويزد وسمنان.. لكن مع استمرار المشكلة المياه، تواصلت المظاهرات في أصفهان، واشتبك مئات المحتجين في المدينة الواقعة وسط إيران، نهاية نوفمبر، مع الشرطة التي أطلقت الغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين.


وقد فرّق رجال "مجهولو الهوية" المزارعين المشاركين في اعتصام سلمي استمر لأسبوعين، بعد أن أشعلوا النار في خيامهم، إلا أن منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، أفادت بأن قوات الأمن هي التي فرقتهم، بينما زعمت وسائل الإعلام الرسمية بإن "بلطجية" فعلوا ذلك.


اقرأ أيضاً: لأن العسكرة وحدها لا تشيد أمةً قوية.. الانكسارات التركية تتوالى

تعامل، دفع الولايات المتحدة لإبداء "قلقها العميق" في السابع والعشرين من نوفمبر، حيث ذكر المتحدث باسم الخارجية الأمريكية نيد برايس على تويتر: "هناك قلق عميق حيال الحملة الأمنية العنيفة ضد المتظاهرين السلميين، يحق للشعب الإيراني التعبير عن شعوره بالإحباط ومحاسبة حكومته"، فيما تحدثت منظمات حقوقية إيرانية، عن مقتل ثلاثة متظاهرين على الأقل، خلال الاحتجاجات التي شهدتها محافظة أصفهان وسط البلاد.


نظرية المؤامرة حاضرة


وكما هو متوقع، لم يُخب النظام الإيراني توقعات المتابعين في إرجاع عجزه عن حل مشكلات المواطنين الإيرانيين، إلى مؤامرة خارجية تحاك ضده، فقال عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بمجلس الشورى الإسلامي الايراني، حجة الاسلام مجتبى ذوالنوري، في الثلاثين من نوفمبر، إن هنالك كثيراً من المؤشرات التي تدل على ضلوع الأجانب في أحداث الشغب بأصفهان.


وزعم حجة الإسلام ذوالنوري في تصريح لوكالة "فارس" "البلاد كلها تعاني اليوم من مشكلة شح المياه، والتي تعود أسبابها إلى التغييرات المناخية، وكذلك إلى اتخاذ قرارات خاطئة في مجال مصادر المياه، ولكن يمكن إدارة المشكلة من خلال اتخاذ سياسات صائبة وتوظيف الاستثمارات"، وتابع "حينما يطرح الأفراد الحريصون على مصلحة البلاد مطالب محقة لمعالجة النقائص ولا يريدون المواجهة مع الدولة، يسعى الأعداء على الدوام لإخراج الاحتجاجات السلمية عن سكتها لتحقيق أغراضهم من ورائها"، وفق زعمه، وادعى أن "العدو يستغل كل فرصة في التجمعات الشعبية لخلق الفوضى وافتعال احداث الشغب".


اقرأ أيضاً: رغم السنين الثمان.. السوريون يواصلون استذكار رزان واتهام “جيش الإسلام”

ورغم أن مشكلة شح المياه قد تبدو مرتبطةً فعلاً بشكل أكبر بالمناخ والتغيرات المناخية، إلا أنها في الحالة الإيرانية تتجاوز ذلك، فليست هذه المرة الأولى التي تخرج فيها احتجاجات على نقص المياه، وهو ما حصل فعلاً في إقليم الأهواز (ذو الغالبية العربية) في يوليو من العام الجاري، والتي أفصحت عن سياسات خاصة تمارسها السلطة الإيرانية، بغية النيل من المنطقة، لأسباب عرقية أو طائفية، أو لمجرد التشكيك بولائها، لينتهي الحال بتلك الاحتجاجات بتكميمها، وبقاء المعضلة التي خرج الناس من أجل حلّها.


ليفانت-خاص

إعداد وتحرير: أحمد قطمة

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!