الوضع المظلم
الأحد ١٩ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
أزمة الغذاء السوري.. وسياسات التعافي
بسام سفر

تعيش العديد من البلدان التي دخلت في مسارات الحرب الأهلية والطائفية والاجتماعية أوضاعاً غير مستقرة، ولا تحقق شروط الإنسانية الحد الأدنى للحياة التي حددها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهدين الخاصين بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية, ومن بين هذه البلدان سوريا إذ دخلت في أطار البلدان التي تعيش أزمة غذائية حسب التقرير العالمي للأزمات الغذائية التي أطلقه الاتحاد الأوربي, ومنظمة الغذائية والزراعة FAO, وبرنامج الغذاء العالمي"WFP".


وأكد التقرير أن "حوالي 113مليون إنسان في 53دولة حول العالم عانوا من انعدام الأمن الغذائي الحاد خلال العام2018".

وأضاف التقرير أن ما يقارب ثلثي الأشخاص الذين يعانون من الجوع الحاد في ثماني بلدان هي:"أفغانستان, جمهورية الكونغو الديمقراطية, أثيوبيا. نيجيريا, دولة جنوب السودان, السودان, سوريا, اليمن".


وصرّح ديفيد بيزلي, المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي" أنه للقضاء على الجوع, يجب علينا أن نتصدى للأسباب الجذرية للجوع وهي: النزاعات, وعدم الاستقرار, وتأثير الصدمات الناتجة عن المناخ, فهناك حاجة إلى أن يحصل الأطفال الصغار على تغذية وتعليم جيدين, ويجب العمل على تمكين النساء بشكل حقيقي, فضلاً عن تعزيز البنية التحتية الريفية لتحقيق الهدف المتمثل في القضاء على الجوع".


وأشار بيزلي إلى أن "هناك شيء واحد نريد في قادة العالم أن يقوموا به (تحركوا وساعدوا في حل هذه النزاعات الآن)".

أن الوضع السوري منذ2012, دخل في متاهة الحرب التي شنها النظام السوري ضد الشعب السوري, ما فرض مواجهة مع النظام في غالبية المناطق التي انتفضت ضده وخرجت عن سيطرته, وطبق النظام عليها سياسة الحصار وصولاً إلى الجوع, لكن ذلك لم يعني أن المناطق التي دمرت ونزح أهلها إلى مناطق سيطرة النظام لم تعاني من الجوع, فالكثير من المناطق السورية تعاني من الجوع ودخلت في مرحلة أزمة الغذاء, رغم كل المساعدات والإعانات التي قدمت من المنظمات الدولية الغذائية والمدنية.


ويعود السبب الرئيسي بوجود هذه الأزمة المستمرة منذ أكثر من ثماني سنوات هي الحرب المتنقلة التي يخوضها النظام ضد شعبة تحت عنوان الحرب على الإرهاب لإعادة المناطق التي خرجت عن سيطرته إلى حاضنة, لكن مع هذه الحروب, والإحتلالات التي يعاني منها الشعب السوري بوجود أكثر من أربعة جيوش على أرضها وهي" الإيراني( بفصائل متعددة), التركي, الروسي, والأميركي, بالإضافة إلى حزب الله, وزينبيون.


أن الحرب المتنقلة والنزاعات المستمرة في الأرض السورية, وعلى الأرض السورية تمنع العمل على مفهوم التعافي في مراحل ما بعد الأزمات أو الكوارث أو الصراعات العنيفة، حيث ترتبط ظاهرة التعافي في المجال السياسي للدول التي وقعت في شرك النزاعات المسلحة وتسعى إلى استرداد حالة السلم عبر تعزيز حالة الاستشفاء الداخلي, إذ تقف حائلاً دون عودة الصراع المسلح, وتؤسس في الوقت ذاته لإليات وأنظمة جديدة داخل المجتمعات والدول تستوعب سليماً تأثيرات أي أزمة طارئة أو اعتيادية.


ويعد هذا الاستشفاء ليس فعلاً تلقائياً, وإنما يرتبط باستدعاء وبناء قدرات التكيّف والمرونة والصمود لدى المجتمعات والدول للعودة إلى المسار الطبيعي قبل الأزمة. ولا يعني استرداد المسار الطبيعي أن مفهوم التعافي في الدول والمجتمعات الخارجية من النزاعات يمثل حالة ماضوية, بهدف العودة لنماذج الماضي, سواء في"السياسية أو الاقتصاد, أو الاجتماع", من فقر وتهميش واستبداد وإقصاء للأخر, وإنما ترتبط عملية التعافي بصياغة عقد اجتماعي جديد يستند إلى قيم وأنظمة وممارسات تتوخى العدالة, والديمقراطية, والأمن, بغية معالجة الأسباب البنيوية للصراع.


التعافي الداخلي:

تقوم سياسات التعافي للدول الخارجية من الصراعات المسلحة على مفاهيم منها" إعادة الأعمار والتنمية, والمصالحات الوطنية, بما تتضمنه من برنامج وقوانين ومؤسسات, وبرامج جبر الضرر, وتدعيم التعايش السلمي.


ويقصد من ذلك تلبية احتياجات السكان المتضررين, والحيلولة دون تصاعد النزعات وتفادي الانتكاس إلى العنف, ومعالجة الأسباب الجذرية للصراع وتدعيم السلم المستدام. بما فيها مقاربة العديد من العناصر التي يجب أن تتم في ظل نظم حكم سياسية سلمية, وهو ما يتطلب تحولات وعمليات اجتماعية واقتصادية لإعادة الأعمار, والتنمية, وحقوق الإنسان, وتنمية أسس العدالة والمصالحة, وترسيخ ممارسات المساواة بين مكونات المجتمع الإثنية والنوعية, والعمل على تمكين قطاعات نوعية وعمرية بعينها داخل المجتمع. والنقطة الأساسية والأهم في الدول التي دخلت في النزاعات المسلحة أن هذه المجتمعات تحتاج إلى تغيير العقلية الحاكمة, والسياسات المطبقة, حتى لا تكون نتائج سياسات ومقاربات التعافي سبباً في عودة الصراع المسلح, كما يجب أن تكون أطراف النزاع على استعداد سياسياً لتسوية الخلافات, من خلال أدوات سلمية توقف أعمال القتال, وتتبنى أطراف التسوية الوضع الذي يسود فيه القانون. ويصبح المجتمع جاهزاً للتطبيق أطر التعافي والوسائل السلمية لتحقيق الأمن الإنساني, إذ يشمل حق المواطن في المشاركة الفعّالة بالحكم والعملية السياسية, وفي التنمية المتكافئة, وحمايته من الفقر أو التهميش, من خلال المنظومة السياسية والقانونية للدول عبر سياسية التعافي بالشمول والمساواة وعدم التمييز, والاهتمام بالجماعات المهمشة والمستضعفة.


وأن يسعى النظام لبناء القدرة على الاستدامة في التنمية, في ظل تعاون وتلاحم بين كل مكونات المجتمع من خلال تغرير الشفافية, والمساءلة المتبادلة, والمشاركة الفعّالة من جميع القطاعات في تحقيق الأهداف التي تسعى إليها جميع القوى الفاعلة داخل الدولة.


واقع سوري:

تتعايش الفئات الاجتماعية السورية مع ارتفاع تكاليف مكونات الغذاء الضرورية المقاسة على أساس حاجة الفرد إلى استهلاك(2400) حريرة بالحد الأدنى, مضافاً إليها الزيوت ومشروبات أساسية.

ارتفعت تكاليف معيشة أسرة مكونه من خمسة أفراد ما يقارب 36 ألف ليرة, خلال الشهرين الأخيرين لتصل إلى 394 ألف ليرة شهرياً، لسلة غذائية مكونة من تسع عناصر هي" الغذاء والأثاث والسكن والألبسة والتعليم والنقل والاتصالات والصحة والمتفرقات".


وجاء ذلك بارتفاع المواد الغذاء 25بالمئة، ما يقارب 29ألف ليرة بسب زيادة أسعار اللحوم, والفروج تحديداً, بالإضافة إلى ارتفاع في أسعار الخضار الأساسية مثل" البندورة, والبطاطا"، والتفاح, والموز, والأرز, والسكر بنسب متفاوتة, فإن مستوى الارتفاع في العديد من السلة وصل (137) ألف ليرة, فأدوات التنظيف ومواد أساسية ارتفعت(5 بالمئة), ومع بداية الشتاء والاستعصاء في مواد التدفئة" مازوت, غاز, كهرباء) زادت شهرياً أكثر من خمسة آلاف ليرة. أما التعليم الذي ارتفع في أيلول الماضي إلى أكثر(20000)ل شهرياً. وتكاليف الصحة ارتفعت إلى أكثر(15)ألف ليرة.

وارتفعت تكاليف المعيشة خلال العام الجاري, وفي الشهر الجاري بمقدار ما حصل في العام كله بسبب زيادة الرواتب والأجور وصلت اسمياً إلى(20)ألف ليرة سورية.


أخيراً.. هناك علاقة وثيقة بين التعافي الاقتصادي وبناء السلام بعد انتهاء الصراعات المسلحة, تستند إلى فرضية تنشيط القطاعات الاقتصادية للدولة وانخراط أطراف النزاع السابقين فيها, لكن في الحالة السورية حتى الآن لم يقتنع النظام وبعض الأطراف في وقف الحرب, لذلك عملية التعافي على كافة المستويات مرهونة بوقف الحرب, واستقرار السكان في مناطقهم الأصلية وليست المناطق التي هجروا إليها, فالمطلوب من النظام, وكافة الأطراف التي تحمل السلاح بما فيها الدول المحتلة لسوريا وقف الحرب, وعدم تهجير السكان إلى مناطق جديدة لتخفيف من الخسائر وبدء مرحلة التعافي خصيصاً الآن في شمال شرق سوريا, وادلب حيث مازالت تدور رحى المعارك. فالمدخل إلى كل مراحل التعافي يكتسب فيها" إصلاح الأمن" أولوية تعافي الدول؟!.

كاتب وصحفي سوري

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!