الوضع المظلم
الجمعة ٠٨ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
"أرض الفيروز".. سيناء عادت إلى حضن الوطن

باهر القاضي - كاتب مصري


منذ أيام قلائل، احتفل جموع الشعب المصرى بحلول الذكرى الـ46 على العبور العظيم، ملحمة نصر أكتوبر لعام 73، ذلك النصر العظيم الذى سجل بأحرف من نور شهادة ميلاد تحرير سيناء، بدماء شهداء نصر أكتوبر الأبرار سواء من المسلمين أو المسيحيين، واللذان اجتمعت دماؤهم الطاهرة على النصر، لتعود أرض الفيروز إلى حضن الوطن المصرى بعدما احتلتها إسرائيل عقب نكسة 67.


«سيناء» لم ترتبط بها أذهان المصريين فحسب، بل باتت محط أنظار جموع العالم كله، لموقعها الجغرافي المتميز، فتعتبر حلقة الوصل ما بين قارتي آسيا وإفريقيا، فضلاً عن كونها معبراً للتجارة على مر العصور، غير أن تلك البقعة الغالية المروية بدماء الشعب المصرى فى أكثر من حرب، خاضها المصريون ببسالة وشجاعة، ليست مجرد موقع جغرافي لمساحة من الأرض تمثل ستة بالمئة من إجمالي مساحة مصر، يقطنها ما يقارب المليوني مواطن، بل تعد سجلاً تاريخياً حافلاً بالقصص والروايات التاريخية والدينية، فعلى أرضها الطاهرة خاطب رب العباد سيدنا موسى عليه السلام، فى الوادى المقدس، كما كانت نقطة انطلاق رحلة العائلة المقدسة من فلسطين إلى مصر، وكذلك كانت الملاذ الآمن لسيدنا يوسف عليه السلام وإخوته عند نزولهم لمصر، وغيرهما من الأنبياء.


وعقب استرداد الأرض، ونظراً لما تعرضت له سيناء جراء ويلات الحروب، وطبيعتها الصحراوية، وجبالها المرتفعة، ذات الحرارة العالية والبرودة القاسية ليلاً، عانت «أرض الفيروز» من التهميش وغياب التنمية الشاملة على مر العقود الماضية، حتى جاء الرئيس عبد الفتاح السيسى إلى سدة الحكم فى عام 2014، ليعلن الحرب على الإرهاب ويؤكد ضرورة تنمية سيناء، ليس بالتصريحات الرنانة، ولكن بخطوات فعلية على الأرض.


الرئيس عبد الفتاح السيسى أدرك أن الإرهاب يعد المعضلة الرئيسية التى تقف حائلاً بين تنمية سيناء، بعدما باتت سيناء مرتعاً للإرهاب والإرهابيين عبر الحكومات المصرية السابقة، ومن هنا أطلق الرئيس السيسى إشارة البدء فى تنمية سيناء بإعلان الحرب الشاملة على الإرهاب فى سيناء، فقد وجهت ولا تزال القوات المسلحة المصرية بالتنسيق مع وزارة الداخلية المصرية، العديد من الضربات القوية ضد العناصر والتنظيمات الإرهابية فى سيناء، حيث يخوض الجيش المصرى ليل نهار على أرض سيناء معارك دامية مع العناصر الإرهابية، فى حرب شرسة، أبهرت العالم، غير أن تلك المهمة الثقيلة التى تحملها الجيش المصرى ببسالة وشجاعة، جعلت من مصر محاربة للإرهاب نيابة عن العالم، فالإرهاب لا وطن له ولا دين.


جهود الدولة المصرية وفقاً لتعليمات القيادة السياسية المصرية فى تنمية سيناء، لم تنحصر فى القضاء على الإرهاب فى سيناء، وتوفير مناخ آمن لسيناء وسكانها حتى تكون مناخاً خصباً لتشجيع الاستثمار فحسب، بل وضعت الدولة المصرية خطة تنمية شاملة لأرض الفيروز، أو كما أطلق عليها الراحل "جمال حمدان".. قدس أقداس مصر.


فقد كرّست الدولة وفقاً لتعليمات الرئيس السيسى جهودها فى تحقيق التنمية الشاملة لسيناء، فعلى مستوى الطرق والإنشاءات، تم بالفعل وضع خطة لتنفيذ ما يزيد على 25 طريقاً بأطوال مختلفة، نفذت منها ما يزيد على 10 طرق بأطوال 460 كيلومترًا، وجار تنفيذ الباقى بأطوال 1462 كيلومترًا، وتم الانتهاء من طريق الإسماعيلية - العوجة بطول 211 كم بعرض 25 متراً وطريق عرضى 1 بطول 144 كم من بورسعيد إلى النفق، وطريق العريش- رفح بطول 42 كم بعرض 27.2 متر، وطرق أخرى حيوية، وذلك من أجل إعادة وتأهيل البنية التحتية لسيناء المستقبل.


وبسواعد مصرية ومهندسين مصريين، نفذت الدولة المصرية، أضخم 4 أنفاق أسفل قناة السويس، لتسهيل حركة المرور بين سيناء ومحافظتى السويس والإسماعيلية، لربط أرض الفيروز بمحافظات الجمهورية، ولتعزيز حركة النقل والتجارة الداخلية، وأسوة بأهمية الموانى المصرية، عكفت الدولة على العمل على أرض الواقع لتطوير حركة الملاحة فى سيناء، حيث جارٍ العمل على رفع كفاءة ميناء العريش البحرى، بتطويره، وربطه بالعديد من الطرق الرئيسية وخلق العديد من المناطق اللوجيستية داخل الميناء، الأمر الذى يعود بالنفع العام فى تنشيط حركة الاستيراد والتصدير وفتح آفاق جديدة للعمل.


أما على مستوى الزراعة ومجال الإسكان والتعمير، فقد انتهت الدولة من تجهيز مئات الصوب الزراعية وتوزيعها على البدو، فضلاً عن إنشاء العديد من محطات تحلية مياه الآبار، أما فى مجال الإسكان فقد انتهت الدولة من تدشين ما يزيد على ألفي وحدة سكانية، وإنشاء مدينة رفح الجديدة ضمن خطة طموح لتدشين الآلاف من الوحدات السكانية على أرض سيناء.


ولحرص القيادة السياسية المصرية على الاستغلال الأمثل للمعادن فى سيناء، سيتم تدشين منطقة صناعية للصناعات الثقيلة، كما كرّست الدولة جهودها فى تنمية سيناء ليس على مستوى الإنشاءات والزراعة والصناعة والصحة برفع كفاءات المستشفيات هناك وكذلك التعليم فحسب، بل تنمية عقول الأهالي فى رحاب سيناء، شمالها وجنوبها، فقد أنشأت الدولة عشرات مراكز الشباب فى مختلف أرجاء سيناء، فضلاً عن حرص الدولة على إدماج شباب سيناء وذويهم فى الحياة السياسية، بتخصيص مقاعد برلمانية لمحافطتى شمال وجنوب سيناء، لتكون لسيناء كلمة على كل المستويات داخل الدولة المصرية.


ومن باب مواجهة الفكر بالفكر، جنبًا إلى جنب مع جهود القوات المسلحة المصرية ووزارة الداخلية المصرية فى اقتلاع جذور الإرهاب عسكرياً بتوجيه ضربات قوية للتنظيمات الإرهابية أسفرت عن مقتل العشرات من أفراد تلك التنظيمات الإرهابية، فإنه يتعين على المؤسسات الدينية كالأزهر الشريف ووزارة الأوقاف المصرية، أن يكثفا من جهودهما الدعوية فى نشر الفكر الوسطى المستنير فى ربوع سيناء، خاصة وأن الرئيس عبد الفتاح السيسى لم يترك مناسبة دينية إلا ودعا بكل قوة إلى ضرورة تطوير الخطاب الدينى، الأمر الذى يتطلب من تلك المؤسسات الدينية باعتبارها المعنية بالخطاب الدعوى بالبلاد، ضرورة إرسال قوافل دعوية من أئمة متميزة قادرة على الإقناع والتأكيد على أن تلك الأعمال الإرهابية لا تمت إلى صحيح الدين الإسلامى بصلة، غير أن تلك المؤسسات تفعل ذلك، إلا أن المهمة تتطلب مزيداً من القوافل والأنشطة الدعوية فى ربوع سيناء.


وبهذا شكلت رؤية الدولة المصرية لتنمية سيناء، وتنفيذها على أرض الواقع، بخطوات عملية جادة على كل المستويات، سواء العسكرية أو السياسية أو الاجتماعية، نهاية سوداء لكل الأطماع، خاصة التى تراود التنظيمات الإرهابية، بتحويل تلك البقعة إلى معسكرات ومسرح للإرهاب، لتقف الدولة المصرية برئيسها وجيشها وشعبها، بالمرصاد ليس للإرهاب فى سيناء فقط، بل لكل من تسول له نفسه الوقوف فى وجه تنمية أرض الفيروز.

العلامات

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!