الوضع المظلم
الأحد ١٩ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
  • أردوغان يُخطط للعثمانية الجديدة منذ دافوس.. وداود أوغلو يكشف المستور

أردوغان يُخطط للعثمانية الجديدة منذ دافوس.. وداود أوغلو يكشف المستور
أردوغان

مشهد ربما اقشعرّت له أبدان المتعاطفين مع غزة عقب هجوم إسرائيلي طالها في العام 2008، عندما تصدّى رئيس الوزراء التركي حينها، “رجب طيب أردوغان” للرئيس الإسرائيلي “شمعون بيريز”، واللذيّن تواجدا في جلسة واحدة ضمن أعمال مؤتمر دافوس، وهو منتدى اقتصادي عالمي في العام 2009، عقب أن تحدّث “أردوغان” بنبرة عالية، مستنكراً قتل الفلسطينيين خلال ذلك الهجوم، ومن ثم منسحباً من الجلسة التي كان يشارك فيها، أيضاً، الأمين العام للأمم المتحدة، آنذاك، “بان كي مون”، والأمين العام للجامعة العربية، آنذاك، “عمرو موسى”.


 


تصدّ ومواجهة دفعت “عمرو موسى” للوقوف ومُصافحة أردوغان، والتلفت يمنة ويسرة في حيرة من أمره خلال انسحاب أردوغان الذي بدى “بطلاً” حينها، وهو موقفٌ عفوي نبع من “موسى”، وربما من الكثير من العرب والمسلمين، لكنه لا يبدو أنّه كان كذلك بالمُطلق من “أردوغان”، فالرجل كان يدرك ما يقوم به، وهي كما تكشفها الأيام لاحقاً، كانت “مسرحية” ربما مُحضرة السيناريو سابقاً، في إطار بحث أردوغان عن زعامة إسلامية، من خلال الادعاء بـ”تبني قضايا المسلمين حول العالم”، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، سعياً لهدف طويل الأمد وإستراتيجي لدى حزب العدالة والتنمية الإخواني، ينهي السنوات المئة لتركيا العام 2023، بإعادة العثمانية من جديد إلى ما كانت عليه من هيمنة وسيطرة على قرار المسلمين، باسم الإخوة الدينية المزعومة.


أردوغان والخشية من التبعات


وفي الصدد، قال البروفسيور، نوزاد يالجينتاش، أحد مؤسسي حزب العدالة والتنمية، والذي يعتبر من معلّمي أردوغان، إنّ حادثة دافوس، كانت “عبارة عن سيناريو حاكه مستشارو أردوغان”، وهو حديث يؤيده ما أفصح عنه أحمد داود أوغلو، في منتصف أغسطس الجاري، عندما قدّم المعلومة المؤكدة والشهادة التي لا تقبل الطعن حول الحادثة.


حيث أكد داود أوغلو، أنّه بذل جهوداً مضنية لاحتواء الخلاف مع تل أبيب، نتيجة خشية الرئيس رجب طيب أردوغان من تبعات موقفه الاستعراضي بمؤتمر دافوس الاقتصادي عام 2009، وبيّنت تصريحات داود أوغلو، رئيس حزب “المستقبل”، عقب انشقاقه عن حزب “العدالة والتنمية”، ما وراء واقعة “دقيقة واحدة  One Minute” الشهيرة بين أردوغان ورئيس وزراء إسرائيل، آنذاك، شيمون بيريز، حيث غضب أردوغان نتيجة أحداث غزة، واتهم إسرائيل بقتل الفلسطينيين، بيد أنّه تخوّف من تبعات موقفه فيما بعد.


 


وأتى رد داود اوغلو، تعقيباً على حديث أردوغان، الذي كان قد قال عن داود أوغلو: “من كانوا معنا في مؤتمر دافوس، أسسوا الآن حزباً جديداً، وعندما قلنا في ذلك اليوم “One Minute”، كانوا يخافون من عواقب هذا الموقف”، ليدفع ذلك التصريح داود أوغلو، الذي كان يشغل منصب وزير خارجيته، للخروج عن صمته والكشف للمرة الأولى أنّ أردوغان كان متخوّفاً من العواقب التي قد تحدث جرّاء موقفه الاستعراضي تجاه إسرائيل، لافتاً إلى أنّه توسّط لتهدئة الأجواء بين الجانبين.


وعقّب داود أوغلو على أردوغان بالقول: “في تلك الليلة، كنت أقوم بتحركات دبلوماسية بنفسي من وراء الستار من أجل جعل شيمون بيريز يعتذر لتركيا، في الوقت الذي كان البعض في دافوس وتركيا يخافون من تبعات موقف حادثة “one minute”، وهو نفسه (أردوغان) يعرف جيداً أنّ الاعتذار الإسرائيلي لتركيا جاء بعد حديثي الهاتفي شخصياً مع المسؤولين الإسرائيليين”.


احتكار للدين واختباء خلفه


الاتهامات المتبادلة بين أردوغان وداود أوغلو، تؤكد حقيقة أنّ النظام التركي كان يسعى منذ ذلك الحين إلى كسب قلوب المسلمين وتعاطفهم، وقد بيّنت الأزمات التي اندلعت خلال السنوات الأخيرة مع الغرب وإسرائيل كيف وظّف أردوغان الإسلام واستخدمه كـ”درع” لحماية نفسه من المنتقدين، كما جعل الإسلام “أداة” للانتقام من خصومه، مطلقاً على الدول الأوروبية أوصافاً من قبيل النازية والفاشية.


ويؤكد مراقبون، أنّ المشكلة التي باتت تركيا تواجهها حالياً، هي وضع أردوغان نفسه مكانها، فيما يبدو أنّ الخطر الأكبر الذي يواجهه المسلمون عامة هو احتكار أردوغان لـ“الإسلام” في نفسه، ووضعه تركيا والإسلام كحجاب يحميه من أي نوع من الانتقاد، معتبراً ذلك بمثابة محاسبة لتركيا والإسلام، مستخدماً الخطاب الشعبوي لتقديم ذاته على أنّه زعيم إسلامي، في إطار سعيه لأخذ مكانة دول ذات مكانة إسلامية مرموقة كالسعودية، تحديداً، وقد حاول استغلال حادثة دافوس، و“القضية الفلسطينية” من خلفها كأداة لإقحام تركيا في تلك المعركة التي لا هدف لها سوى أحلام لا مكان لها في الواقع.


 


وعلى نفس المنوال، قال الكاتب التركي، علي أونال، حول دافوس: “إنّ الحادثة كانت عبارة عن سيناريو لتلميع صورة أردوغان في تركيا والعالم الإسلامي”، كما أشار أونال في مقال إلى حادثة “مافي مرمرة”، التي وقعت في العام 2010، عندما بادرت منظمات تركية للمجتمع المدني لفك الحصار عن غزة وإرسال أسطول بحري أطلقوا عليه اسم “أسطول الحرية”، وقُتل فيها عشرة مواطنين أتراك، ما أدى لتتضرر العلاقات التركية الإسرائيلية، لدرجة سحب السفراء وقطع العلاقات الدبلوماسية، فاستغلها أردوغان وقال إنّه أعطى الإذن شخصياً للسفينة بالانطلاق.


ولكن بعد أن أصلحت تركيا علاقتها بإسرائيل في 2013، صرّح أردوغان بأنّ الحادثة وقعت لأنّ السفينة لم تحصل على الإذن قبل الانطلاق، متخلياً بذلك عن القضية وعن مطالبه العديدة بفك الحصار وفتح ميناء غزة لدخول المواد الغذائية والطبية، مقابل إصلاح علاقته مع إسرائيل.


وتوّضح حادثتا “دافوس” و”مافي مرمرة”، أنّ الرئيس التركي، ومنذ تقلده لمناصب سيادية عقب وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم في العام 2003، كان يُخطط للعودة من جديد إلى المناطق التي كانت تخضع سابقاً لما تسمى بـ”الخلافة العثمانية”، عبر كسب قلوب المسلمين، حيث لم تتوانَ أنقرة في سبيل ذلك عن استخدام شتّى السبل والطرق لتحقيق تلك الغاية، إن كان عبر القوة الناعمة المتمثّلة بالمواقف الاستعراضية لنظام أردوغان، أو عبر الإعلام الممول تركياً والمسلسلات التاريخية التركية التي تحاول تصوير الأتراك على أنّهم “فاتحون” و”حُماة الدين”، أو عبر القوة الخشنة كما هي الحال في سوريا وليبيا وغيرها.


ليفانت-خاص


إعداد وتحرير: أحمد قطمة

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!