الوضع المظلم
الإثنين ٢٠ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
أدونيس حاصل قسمة السوريين
أسامة هنيدي




لم يكن ينقص السوريين سوى الاختلاف على أحقيّة أدونيس من عدمها بالفوز بجائزة نوبل على مسيرته الفكرية والأدبية والشعرية، ذلك أنّ البلاد المشتعلة مسبقاًً بحرائق الاستبداد وحرب العشر سنوات، والتي بات أكثر من نصف سكانها في الشتات، لا همّ لها إلا نوبل وموقف أدونيس مما جرى ويجري. أدونيس 


وبسيناريو افتراضي سأخلقه الآن، ربما يمدّنا بدلالات عديدة كي نكون واعين لما جرى، فاهمين للأرض التي نقف عليها الآن وربما واعين لخطورة ما سيأتي من كوارث إضافية، ما يؤسس لها في تحول البلاد إلى بقعة مستباحة لكل القوات المحتلة الموجودة في جغرافيتها المشتتة بلعبة الأمم.


اتفق كل من أدونيس وصادق جلال العظم وحيدر حيدر وحنا مينة وطيب تيزيني ولفيف من المثقفين السوريين على قيادة مظاهرة من جامعة دمشق عام 2011، وكانت النتيجة أنّ المظاهرة فضّت بالعنف من قبل كثير من الطلاب وقوى الأمن التي علمت قبل أيام بالتخطيط لها.


قال العظم في محضر تحقيق اعتقاله، إنّه سيدافع عن الحرية حتى لو خرجت من الجامع، حين قال أدونيس إنّه لن يناصر أي ثورة لا تخرج من الجامعة، ولم يعرف ما قاله حنا مينة وحيدر حتى الآن، بينما أعاد تيزيني الكرّة في سوق الحميدية ليجد الدماء تسيل من أنفه، ليردّد دائماً: “لا بد للسوريين من مؤتمر يخرس صوت الرصاص”، لكن صوت الرصاص كان أعلى من صوت الفيلسوف الذي رحل باكياً على مصير بلاده، كما رحل العظم دون التخلص من ذهنية التحريم الجاثمة على صدور كثيرين ممن ناصر ثورتهم بخيبة أمل كبيرة.


والسؤال الذي يبرز في هذه الحالة، لو اتفق كل أولئك المثقفين وغيرهم على رأي واحد، هل كان المشهد سيتغير تغيراً دراماتيكياً يجعل سوريا بلداً مدنياً علمانياً ديمقراطياً وسيمنع حدوث ما حدث  والتي طالت بتبعاتها كل السوريين؟.


دون شك لقد دفع العديد من المثقفين السوريين أثماناً باهضة لمواقفهم من الحالة السورية، في حين تنعم البعض في فيء الاستبداد، فكانوا صوته في عديد المناسبات، لكن ذلك لم يكن سوى عامل انقسام إضافي يعكس حال الشارع السوري منذ آذار 2011، وكان تأثير معظمهم ومن الطرفين صفرياً أو قريباً من الحاصل الصفري، بل لقد انعكست صورة هذا المثقف أو ذاك على هيئة وجه طائفي قبيح في كثير من الأحيان بحق هذا وذاك، مرة بانتصاره للثورة والحق، ومرة بهدر الدم والعبارات النابية في كثير من المظاهرات.


واليوم، وبعد كل هذا الحطام والفوضى التي تعم الأراضي السورية، من شمالها وجنوبها، يختار السوريون موضوعاً جديداً للانقسام، وهو موضوع أدونيس بين شامت بعدم حصوله على الجائزة ومدافع عنه، بوصفه مثقفاً سورياً له باعه الطويل، شعراً وفكراً وتنظيراً، وله موقفه الخاص من الحالة السورية، بغض النظر عن صوابيته أم خطئه، مشفوعاً بموقفهم من حرائق الساحل السوري بين مناصرة للناس البسطاء بيوتهم وأشجارهم وأحراج الجنة الجميلة في الساحل السوري، وشامتين بمعقل ما ينظرون له على أنّه معقل للنظام والمتنفذين في البلاد.


يا لهذا التزامن البائس، والذي إن أنذر فإنّه ينذر بغد أسود جديد للسوريين المتنوعين الباقين الباحثين عن الحياة، وعن حلمهم الجميل في بلد يحترم حرية التعبير وحق الاختلاف مع الآخر، إذ يضيع صوت السوريين الباحثين عن النجاة بما تبقى من بلاد بين هاتين الفئتين، بل يشعل حرائق إضافية كفيلة بالإتيان على ما تبقى من الوطنية السورية بأكملها.


إنّ نظرة يعوزها فقر الرؤيا، تلك التي تكرّس هذا الانقسام الآن بالتحديد لدى البسطاء من الناس والذين يتابعون العالم الافتراضي عن كثب، المحتاجين لمن يقول الكلمة السواء وليس الى تعميق الانقسام الموجود أصلاً بين مكونات الشعب السوري، ولعل الموقف الذي يتبنّاه المثقف أيا يكن توجهه السياسي يجب أن يحاكم بخانة الأخلاق في المآل الأخير وليس باتجاه السياسة كما يفعل الكثيرون، فالسياسة حتماً ستعجز بحكم أدواتها.


أن تقيّم شاعراً كأدونيس، ومفكراً كالعظم وتيزيني، وإلى أن يحين الوقت الذي يجتمع فيه السوريون على كلمة سواء دون تدخل من أحد، وذلك في ظنّي حلم بعيد المنال حالياً، إلا أنّه من المهم أن يتبقى حاصل قسمة للسوريين القابضين على جمر مشروعهم الوطني المتعثّر حالياً، ولكن الذي يعكف عليه الكثيرون، في الداخل والخارج، المشروع الذي يشبه كثيراً من السوريين الحالمين بالخلاص والعاملين عليه بعقل مفتوح. أدونيس 


ليفانت – أسامة هنيدي  








 






النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!