-
أبو عمشة.. سيف الارتزاق الضارب بعقيدة الإخوان المسلمين
خرج هؤلاء المُرتزقة، الذين لا يتشرف غالب السوريين بهم، من رحم واحد، هو مدرسة تكفير الآخر، ومحاولة اللعب بالدين وعليه، لتصنع أشخاصاً محدودي التفكير، ومحصوري الإدراك، إلا ضمن ما يريده لهم سائسهم، وهو تنظيم الإخوان المسلمين، وهنا بفرعه السوري، الذي أثبت خلال سنوات الصراع في سوريا، كمّ هو متورّط حتى النخاع، في مشاريع دول إقليمية، كتركيا، على حساب الانتماء للوطن السوري، ولباقي السوريين.
فلم يكن غريباً ما عرضه المرصد السوري لحقوق الإنسان، في التاسع من أبريل الماضي، عندما نشر مقطعاً مصوراً، أظهر عشرات المسلحين التابعين لمليشيات ما تسمى "الجيش الوطني السوري" الذي يعتبر "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة" واجهته السياسية، وهم يحتجّون على ما اعتبروه عمليات احتيال تعرضوا لها من قبل متزعمي المليشيات التي يعملون لديها.
اقرأ أيضاً: إجماع أوروبي على مُواجهة خطرها.. عداء موسكو يوحد القارّة العجوز
إذ قال أحد هؤلاء المرتزقة المتظاهرين: "نحن قاتلنا مع الدولة التركية في إقليم قرباغ، وأبو عمشة أكل رواتبنا ومصروف المصابين، ودية الشهداء، والعالم كلها ميتة من الجوع وهذا الشي ما بصير"، في اعتراف صريح بالارتزاق الذي تعتمده المليشيات السورية، حيث تستخدمهم أنقرة لتنفيذ مآربها في سوريا وليبيا وأذربيجان، وغيرها ربما في المستقبل.
الهروب إلى الأمام
وفي مسرحية هزلية، فيها الكثير من الاستغباء للمتلقين، حاول أبو عمشة تبرئة ساحته، عبر نشر تسجيل جديد لذات المرتزقة الذين ظهروا في المقطع الأول، لكن هذه المرة لينفوا ما قالوه في البدء، موجهين اتهامات لـ"المرصد السوري لحقوق الإنسان" والعميد المنشق عن النظام السوري، أحمد رحال، بدفع مبالغ مالية لهم، وتوجيه الاتهامات لـ"أبو عمشة"، رغم أن وجوههم وتعابيرهم التي كانت تخفي ضحكاً، كانت توضح حقيقة ما يجري، وأن محاولة الضحك على الناس لم تردد عليهم إلا ضحكاً منهم، مما أجبرهم على إعادة تسجيل المقطع الثاني، وعلى مجتمع دولي يدّعي امتلاكه قوانين دولية، لكنها عبثاً صامتة أمام ما يجري على الأرض السورية، من أضحوكة قاتلة.
اقرأ أيضاً: السدود والمياه.. حربٌ تتقنها تركيا في دول الإقليم
ليعود المرصد السوري بعدها بأيام قليلة إلى نشر تقرير آخر، حول تجنيد مليشيات أنقرة المشبعة بفكر الإخوان المسلمين، لأعداد كبيرة من الأطفال، تتراوح أعمارهم ما بين 15 إلى 18 عاماً، حيث شرح طريقة قبول هؤلاء الأطفال في صفوف المليشيات وإخضاعهم لدورات عسكرية، ومن ثم توزيعهم على المقرّات والحواجز بشكل غير مدروس في كثير من الأحيان، مستغلّين الحالة التي تعيشها أسرهم، وأغلبهم من النازحين، مما يعرض حياة تلك الفئة إلى المخاطر، كونهم لا يعون نتائج المواجهات الحربية في ساحات القتال مقابل بعض المال.
أبو عمشة الملك
ومنتصف أبريل، تطرّق المرصد بتقرير لاذع لشخصية "محمد الجاسم/ أبو عمشة"، متزعم المليشيا المُسماة “السلطان سليمان شاه” (وهو جدّ عثمان الأول، مؤسس الدولة العثمانية)، حيث تطرق إلى بداية رحلته الارتزاقية، قبل أن يضحى ملك مملكة شيخ الحديد بريف عفرين، حيث كان يطلق صواريخ الغراد على مناطق النظام، العام 2013 بريف حماة، انطلاقاً من موقعه في قرية الفقيع بجبل شحشبو، مستهدفاً القرى والبلدات التي يقطنها مواطنون من الطائفة العلوية، وأخرى يقطنها أتباع الديانة المسيحية.
اقرأ أيضاً: أنقرة وداعش.. مُحاولات لتبييض الصورة تدحضها التقارير والمنطق
وأكد المرصد آنذاك، أن "أبو عمشة" كان يتاجر بالأمر، متبعاً سياسة “صورني”، لجلب الدعم المادي، على أنه بطل ثوري يملك فصيلاً باسم “لواء خط النار”، وبعد ذلك، عمد الجاسم إلى الذهاب إلى تركيا، ثم العودة والالتحاق بقوات “احتلال” عفرين، ليسطع نجمه رويداً رويداً على حساب أهالي المنطقة وممتلكاتهم، حتى نصب نفسه ملكاً على عرش مملكة شيخ الحديد بريف عفرين، وبدأ بافتتاح مشاريع كثيرة بأموال مشبوهة.
الاحتيال صفة مرافقة لمتزعمي المليشيات
إلا أن ما وثق في ليبيا أو قره باغ، حول الاحتيال على عائلات المرتزقة السوريين عبر "حجب التعويض المالي" عنهم إن كان جزئياً أو كلياً، لم يكن محصوراً على "أبو عمشة" فقط، فقد برزت في ليبيا، سرقة أجور المرتزقة بشكل أكثر حدّة، ففي نهاية مايو الماضي، أجرت منظمتا "المركز السوري للعدالة والمساءلة" و"منظمة سوريون من أجل الحقيقة والعدالة" دراسة حول مسار "الاستغلال الاقتصادي لتجنيد المرتزقة" في سوريا عبر شبكات من السماسرة والمجموعات المسلحة.
وأشار التقرير إلى أن تخفيض الأجور أو التعويضات، ساهم في زيادة مستوى "الجريمة"، موضحاً أنّ "تخفيض أجر مقاتل يجد نفسه أساساً فوق القانون، يدفعه أكثر نحو السرقة والنهب والتعفيش ومصادرة الملكيات"، متحدّثاً عن توثيق "إتجار بالجنس وخطف في ليبيا".
اقرأ أيضاً: في إيران.. العسكر يتحكّمون بالساسة أحياءً كانوا أم أمواتاً
وقال وقتها، المدير التنفيذي للمركز السوري للعدالة والمساءلة، محّمد العبد الله، في بيان، إن "مشاركة مرتزقة سوريين في القتال في الخارج تؤدي إلى إثراء وتقوية بعض الجماعات المسلحة الأكثر إجراماً في سوريا نفسها، لا سيما الجماعات المدعومة من تركيا في الشمال الغربي"، فيما أشار التقرير أن "الشكل الرئيسي الذي اتخذه هذا الاستغلال هو السرقة المنهجية للأجور، حيث تعرّض المقاتلون الفرديون للاحتيال بانتظام من كبار الشخصيات في الجيش الوطني السوري"، بينما دعا المدير التنفيذي ل"سوريون من أجل الحقيقة والعدالة"، بسام الأحمد، المجتمع الدولي إلى "محاسبة الدول والشركات والجماعات المسلحة الأكثر مسؤولية عن تجنيد المرتزقة".
وعليه، وإن كان أبو عمشة الأكثر بروزاً إعلامياً، لكثرة التجاوزات التي ارتكبها بحق السوريين ومن ضمنهم المرتزقة التابعين له، لكن الجلي أن "أبو عمشة" لا يمثل نفسه، بل كونه لا يتعدى أن يكون اختصاراً للمليشيات التي ينتمي إليها تحت مسمى "الجيش الوطني السوري"، والأهم هو انتماء كل تلك الأمساخ البشرية في المجمل، إلى مدرسة الإقصاء الفكري المُسماة بالإخوان المسلمين.
ليفانت-خاص
إعداد وتحرير: أحمد قطمة
قد تحب أيضا
كاريكاتير
من وحي الساحات في سوريا
- December 19, 2024
من وحي الساحات في سوريا
ليفانت-خاص
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!