الوضع المظلم
الإثنين ٢٣ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
مَن يرغب بدعم
مَن يرغب بدعم إنعزالية المسلمين في فرنسا؟

إعداد وتحرير: أحمد قطمة


أشار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في الثامن عشر من فبراير، إن بلاده لن تسمح بتطبيق القوانين التركية على الأراضي الفرنسية، وذلك في تصريح صحفي، أشار فيه إلى أن "هناك تحقيقات جارية في تمويل مسجد النور في تولوز والمشاريع المحيطة به"، وأضاف ماكرون: "على أنقرة أن تدرك أن باريس لا تقبل أن يقوم أي بلد بدعم متطرفين لديهم توجهات انفصالية داخل فرنسا".


وجاء ذلك ضمن زيارة ماكرون إلى منطقة ألزاس لإلقاء خطاب عن "الانفصالية الإسلامية"، وأيضاً لتولوز، بغية مناقشة القضايا المتعلقة بمكافحة "الانفصالية"، وتدريب الأئمة المتطرفين وتمويل أماكن العبادة التي سبق وأن تم ربطها بالتمويل القطري، وخلال كلمته، قال ماكرون: "عدونا هو الانفصالية... الانفصالية الإسلامية تتعارض مع قيم الحرية والمساواة وسلامة الجمهورية ووحدة الأمة"، وشدد الرئيس ماكرون أن حكومته ستوقف تدريجاً استقبال "الأئمة المستقلين" الذين تقوم دول أجنبية مثل تركيا والجزائر والمغرب بإرسالهم إلى فرنسا، والبالغ عددهم قرابة 300 شخص سنوياً، لتبديلهم بأئمة تلقوا تعليمهم داخل فرنسا.


خطابٌ حاد خاصة بالنسبة إلى تركيا، التي فهمت أنها المقصود من الموضوع، لما تتمتع به من نفوذ على شريحة من المسلمين سواء الأتراك أو غيرهم، من خلال تمويل المساجد في العديد من الدول الأوروبية ليس فرنسا وحدها، وهو ما استدعى رداً جاء على لسان رئيس البرلمان التركي مصطفى شنطوب في التاسع عشر من فبراير، حيث اعتبر تصريحات ماكرون بأنها "مُعاداة للإسلام"، مُضيفاً في تغريدة عبر حسابه على "تويتر"، أن "تصريحات ماكرون الذي يفشل السلام في الساحل الإفريقي وليبيا، ويثير الفوضى في العالم الإسلامي، ويقدم السلاح للانقلابي حفتر، حول نيته مكافحة الانفصال الإسلامي، بمثابة معاداة للإسلام"، مردفاً: "على فرنسا أن تواجه أولاً ماضيها العنصري والمليء بالمجازر" (على حد وصفه).


إلى أي مدى ماكرون مُحق؟


يبدو أن الدور التركي وتأثيره على المسلمين في أوروبا ليس موضع خشية فرنسا وحدها، فخلال الأعوام القليلة المنصرمة، خرجت تصريحات وتقارير عدة، بيّنت بلا شك جهداً تركياً خفياً للتأثير على مراكز صنع القرار الأوروبي، من خلال السعي للتحكم بالصوت المسلم في أي انتخابات ضمن بلدان الاتحاد من جهة، والسعي كذلك لمنع المسلمين في أوروبا من الإندماج الفعلي بالمجتمعات الغربية عبر بناء إرتباطات دينية من خلال تنظيمات تمولها تركيا كجماعة الإخوان المسلمين، وفي هذا السياق، أوقفت الحكومة الألمانية في نهاية أغسطس العام 2018، الدعم الذي كانت تقدمه لمشاريع الاتحاد الإسلامي التركي (ديتيب) الذي تشرف عليه رئاسة الشؤون الدينية التركية (ديانت) في أنقرة، والذي كان قد أصبح عرضة لفضيحة تجسس الأئمة لصالح حكومة حزب العدالة والتنمية.


إقرأ أيضاً: ماذا يعني أن تتزاحم مُدرعات أمريكية-روسية على طرق سورية؟


وقال متحدث باسم وزارة الداخلية الألمانية إن الحكومة لم تعد تقدم دعماً لمشاريع خاضعة لإشراف الاتحاد الإسلامي- التركي للشؤون الدينية في ألمانيا "ديتيب"، كما كانت السلطات في مدينة فيسبادن الألمانية أزالت تمثالاً ارتفاعه أربعة أمتار للرئيس التركي رجب طيب أردوغان كان قد نصب في أحد ميادين المدينة، كعمل فني، وذكرت السلطات المحلية عبر تويتر أنّ المدينة قرّرت إزالة التمثال "لأنه لم يعد بالإمكان ضمان أمنه"، وذلك مع تزايد احتجاجات السكان بشكل كبير.


وفي الأثناء، نشر موقع “المونيتور” في بداية أكتوبر العام 2018، تقريرًا عن الدور الذي تلعبه رئاسة الشؤون الدينية “ديانت”، قائلةً أنها تنشر الفكر الإخواني، وهي الجهة الرسمية المسؤولة عن إدارة الشؤون المتعلقة بالدين الإسلامي في تركيا، وأسست وفق القانون رقم 429 الصادر في 3 مارس 1924م ويرأسها اليوم علي أرباش، ووفق التقرير، قامت السلطات الألمانية في العام 2017، باتهام 6 أئمة أتراك بالتجسس لصالح أنقرة ونقل معلومات تتعلق بموالين لفتح الله غولن، وقامت أنقرة بسحب أئمتها بشكل استباقي معللة أن هذا ليس تجسساً، واتهم رئيس “ديانت” السلطات الألمانية بتفتيش منازل الأئمة بضغط من وسائل الإعلام والأوساط السياسية، مدللاً على ذلك بأن “حملات المداهمة” تمت عقب عودة الأئمة إلى تركيا.


وبحسب بيانات الادعاء العام الألماني، صادرت السلطات خلال الحملة وسائط تخزين بيانات ووسائل اتصال ووثائق، وتورطت المؤسسة التركية في أنشطة تجسسية في بعض الدول الأوروبية حيث أثبتت تقارير استخبارات ألمانية أن مساجد تابعة للمؤسسة في هولندا ودول أخرى قد قامت بعمليات تجسس على أعضاء حركة ”الخدمة” بزعامة فتح الله غولن التي تتهمها أنقرة بتدبير محاولة الانقلاب الفاشلة في يوليو 2016، كما عمل عناصر تابعون لحزب التنمية والعدالة الحاكم في تركيا مع رجال في ” ديانت” على استهداف أتباع غولن، الأمر الذي كاد يتسبب في أزمة كبيرة بين بلغاريا وأنقرة.


وفي بداية ديسمبر العام 2018، نقلت صحيفة العرب، أن جهاز الاستخبارات التركي (أم.آي.تي) وسّع أنشطته في ألمانيا على نحو واضح خلال الأعوام الماضية، وأشارت الصحيفتان الألمانيتان “تاغس شبيغل” و”فيلت” إلى رد الحكومة الألمانية على طلب إحاطة من الكتلتين البرلمانيتين لحزبي اليسار والبديل من أجل ألمانيا اليميني الشعبوي، حول أنشطة الاستخبارات التركية في ألمانيا والتي تركزت على عناصر من المعارضة التركية وهيئات ألمانية.


إقرأ أيضاً: حقوق قُبرص في التنقيب بالمتوسط رهنٌ لتعديات جارها الشمالي!


وتحدثت صحيفة “فيلت”، استناداً إلى رد الحكومة على طلب الإحاطة المقدم من البديل الألماني، عن تحقيق الادعاء العام الألماني في 4 وقائع تتعلق بالاشتباه في أنشطة استخباراتية لجهاز الاستخبارات التركي، وبحسب البيانات، قاد الادعاء العام الألماني خلال الأعوام الماضية 23 تحقيقاً ضد عناصر استخباراتية تركية مشتبه بها، بينها 17 حالة تم التحقيق فيها خلال العام 2017 أو 2018، وحذّرت وزارة الداخلية الألمانية موظفي المكتب الاتحادي للشرطة الجنائية والشرطة الاتحادية ووكالة الاستخبارات الخارجية وهيئة حماية الدستور (الاستخبارات الداخلية) والهيئة الاتحادية لأمن المعلومات والهيئة الاتحادية لشؤون الهجرة واللاجئين وهيئة الجمارك والادعاء العام والاستخبارات العسكرية من محاولات تجنيد من جانب عملاء أتراك.


ووجهت انتقادات لـ اتحاد “ديتيب” في ألمانيا بسبب قربه مع الحكومة التركية، حيث يعتبره ناقدون اليد الطولى للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وبحسب صحيفة زمان التركية فإن ميزانية هيئة الشؤون الدينية لعام 2019 ارتفعت لتكون "خمس أضعاف ميزانية جهاز الاستخبارات التركية، و4 أضعاف ميزانية الوزارات الاستثمارية"، وقالت حينها ألمانيا إن استخباراتها تدرس وضع "ديانت" على قوائم المراقبة، بعدما صعدت لهجة الأئمة التابعين لها في المساجد التركية دعماً لعمليات الجيش التركي في حربه ضد الكُرد في شمال سوريا، ويبلغ عدد المساجد التابعة لـ «الاتحاد التركي الإسلامي" أكثر من 900 مسجد في عموم ألمانيا ويعتبر امتداداً لوزارة الأوقاف والشؤون الدينية في أنقرة، حيث يتم تعيين خطباء المساجد في تركيا قبل مجيئهم إلى المانيا.


طبيعة المواد المُدرسة في المراكز الدينية التركية؟


وبالعودة إلى فرنسا، لم يكن التصريح الأخير لماكرون التعبير الأول عن المخاوف الفرنسية من استغلال أنقرة سطوتها على شريحة من المسلمين في بلادها وفي أوروبا، لتمرير أجنداته، فقد كشفت مجلة "لوبوان" الفرنسية، أنّ الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان يعتزم افتتاح مدارس تركية في فرنسا، وذلك بعد أن زار مسؤولون أتراك المدارس الثانوية الفرنسية في تركيا خلال شهر أبريل 2019 بقصد "الاعتراض على الأساس القانوني لتعليم الأطفال الأتراك في هذه المؤسسات"، فيما ذكرت مونت كارلو الدولية، أنّ وفداً تركياً سوف يقوم بزيارة فرنسا، بهدف تقديم طلب لافتتاح مدارس تركية في فرنسا، الأمر الذي يثير ردود أفعال مستهجنة لجهة المواضيع التي تدرسها المناهج التعليمية التركية والمتعلقة بتعاليم الإسلام الخاصة بالجهاد وغيره.


وكلف أردوغان حينها وفداً تركياً بزيارة فرنسا للاطلاع على تجربة المدارس الدولية فيها، وبحسب شخص مقرّب من الملف لم تسمّه "لوبوان"، فإنّ الفرنسيين "يتعرّضون لضغوط في إسطنبول وأنقرة من قبل سلطة أردوغان وذلك في ظل صمت وزارة الخارجية الفرنسية"، وقالت مواقع إعلامية متابعة للوضع في تركيا، بأن حزب العدالة والتنمية لم يكتف بتحويل النظام التعليمي في البلاد من نظام علماني مُنفتح ومُتسامح إلى منهج ديني مُتشدّد، بل بات يسعى لتعميم تجربة مدارس الأئمة والخطباء التركية في فرنسا.


إقرأ أيضاً: ما مدى جدية الغرب في حظر “الإخوان المسلمين”؟


وأشار هؤلاء بأنه تكفي الإشارة إلى أنّ "أحمد حمدي جاملي" عضو لجنة التربية الوطنية وحزب العدالة والتنمية، الذي علّق على مفهوم (الجهاد) المضاف للمنهج الدراسي التركي، قائلاً: "لا فائدة من تدريس الرياضيات لطفل لا يعرف الجهاد"، وذلك عقب أن طرحت الحكومة التركية في يوليو 2017، منهاجاً دراسياً جديداً يُقدّم مفهوم "الجهاد"، حيث صرّح حينها وزير التعليم التركي عصمت يلماز أنّ "الجهاد موجود في ديننا ومن واجب وزارة التعليم ضمان أن يتم تدريس هذا المفهوم بطريقة صحيحة ومناسبة"، واستدرك بالقول أن الأمر لا يتعلق بـما أسماها "الحرب المقدسة"، بل بـ "الجهاد الجيّد" الذي يزيد من "حب الوطن" (على حد زعمه).


تلك التصريحات وتغيير النظام التعليمي السابق في تركيا، دفعا الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في التاسع عشر من نوفمبر 2019، للتأكيد على أن بلاده ستُقدم على خطوات جديدة فيما يخص مكافحة "الإسلام السياسي"، مشيراً أنه بالإمكان مكافحة هذه الظاهرة عبر إغلاق الجمعيات والمدارس التي لا تلتزم بقوانين الجمهورية الفرنسية، وأضاف الرئيس الفرنسي في كلمة خلال مشاركته في "مؤتمر رؤساء البلديات"، بالعاصمة باريس: "سيتم الإقدام على خطوات جديدة فيما يخص مكافحة الإسلام السياسي، وزارة الداخلية ستصدر توجيهات جديدة لرؤساء الولايات، في هذا الموضوع".


وأكد ماكرون على معارضته لمنع الأشخاص الحاملين لفكر الإسلام السياسي، من المشاركة في الانتخابات المحلية في العام 2020، متابعاً أن هذه المشكلة (في إشارة للإسلام السياسي) لن يتم حلها عبر منع المشاركة في الانتخابات، لكنه شدد على أهمية مكافحة الإسلام السياسي في البلاد، مشيراً إلى إمكانية مكافحة هذه الظاهرة عبر إغلاق الجمعيات والمدارس التي لا تلتزم بقوانين الجمهورية الفرنسية.


فرنسا والتلويح إلى علاقة أنقرة بـ داعش


وفي سياق متصل، وجّه الرئيس الفرنسي انتقادات لاذعة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بداية ديسمبر 2019، في لندن قبيل اجتماع قادة حلف الناتو في الذكرى السبعين لتأسيسه، وكان لافتاً توجيهه أصابع الاتهام لتركيا بتعاملها ودعمها لداعش، بقوله "إن تركيا تعاملت مع مقاتلين مرتبطين بـ داعش"، وطالب ماكرون بضرورة أن يكون هناك تعريف واحد للإرهاب ضمن حلف شمال الأطلسي، وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إن التعاون بين فرنسا وأمريكا مهم جداً، مضيفاً: "نحن نعمل سوياً في محاربة الإرهاب"، وتابع ماكرون: "القتال في سوريا والعراق لم ينته، وعدم الاستقرار في المنطقة يجعل حربنا على تنظيم داعش الإرهابي أصعب".


وأوضح أنه "يجب الاتفاق على خطر الإرهاب، لكن للأسف ليس لدينا نفس التفسير له، فتركيا تقاتل، الذين قاتلوا تنظيم داعش الإرهابي إلى جانبنا"، وأضاف: "ليس مفهوماً كيف يمكن أن تكون تركيا جزءاً من تحالف الناتو وتشتري "إس - 400" من روسيا"، وقال إن "الأولوية للتخلص من تنظيم "داعش" الإرهابي في بلاد الشام وهو ما لم يتم بعد".


إقرأ أيضاً: السعودية ركناً في مُواجهة أحلام أنقرة التوسعية


تلويحاً أيدته منظمة العدل والتنمية لدراسات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، التي دعت في الثامن من ديسمبر العام 2018، دول الاتحاد الأوروبي إلى التحقيق فى علاقة المساجد التركية داخل أوروبا وخاصة ألمانيا وهولندا بتجنيد أكثر من 5 آلاف عنصر من عناصر تنظيم “داعش” الإرهابي وإرسالهم للقتال بالشرق الأوسط خلال السنوات الماضية، وشدد المتحدث الرسمي للمنظمة زيدان القنائي أن تركيا تورطت فى تجنيد عناصر “داعش” ممن يحملون الجنسيات الأوروبية بصفوف التنظيمات الإرهابية وسهلت عبورهم لمناطق القتال في سوريا والعراق.


وقالت المنظمة إن الجمعيات الإسلامية التركية داخل الاتحاد الأوروبي قامت ببناء ما يزيد عن 3 آلاف مسجد بدول أوروبية لأن تركيا تسعى لاستغلال المسلمين بأوروبا كورقة ضغط لضمها إلى عضوية الاتحاد الأوروبى، وأشارت إلى أن المساجد التركية بأوروبا تتلقى تمويلاً مالياً من حكومة حزب العدالة والتنمية بزعامة أردوغان بغرض تهديد أمن الدول الأوروبية عبر تجنيد الدواعش داخل أوروبا.


ورغم ما قاله ماكرون من أن "بلاده لن تسمح بتطبيق القوانين التركية على الأراضي الفرنسية"، فإن تطبيق تلك الفرضية يتطلب بلا أدنى شك، مواجهة الجماعات السياسية التي تتوارى خلف شعار الدين (جماعات الإسلام السياسي) من قبل الجاليات المسلمة نفسها، حيث لن يكون من السهل تنفيذها بالإستناد على جهود الحكومات الغربية بمفردها، إذ يفترض أن تبدي الجاليات المسلمة حرصها على نفسها، وعدم الإنجرار خلف أجندات سياسية تُشاهد آثارها في سوريا و ليبيا وغيرهما، رغم أنه لا يمكن الاستهتار بأهمية تصنيف تلك الجماعات التي تساهم في نشر التطرف الديني كـ (الإخوان المسلمين) ضمن القوائم السوداء، للحد من آثارها السلبية على المسلمين في أوروبا وخاصة فرنسا وألمانيا وغيرها. 

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!