الوضع المظلم
السبت ٢٣ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • من ترامب إلى بايدن: السبيل لتعزيز الأمن القومي الأميركي (بخصوص سوريا)

من ترامب إلى بايدن: السبيل لتعزيز الأمن القومي الأميركي (بخصوص سوريا)
ترامب وبايدن

أصدرت مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات (FDD) تقريراً بعنوان: ((من ترامب إلى بايدن الطريق إلى الأمام للأمن القومي الأمريكي))، شمل تقييماً كاملاً لسياسات ترامب مع عدة دول وكذلك عدة قضايا دولية، محدداً الإنجازات التي يجب أن يحافظ عليها بايدن، وكذلك توصيات بشأن القضايا الحاسمة التي تواجه السياسة الخارجية الأمريكية.


وضم التقرير (٢٥) موضوعاً، تطرّق لها محللون استراتيجيون حول أفغانستان، الصين، أوروبا، الهند، إيران، العراق، إسرائيل، أميركا اللاتينية، لبنان، كوريا الشمالية، روسيا، السعودية، سوريا، تركيا، اليمن، الحدّ من التسلّح وعدم الانتشار، الأمن الإلكتروني، الدفاع، الطاقة، حزب الله، حقوق الإنسان، قانون دولي، منظمات دولية، الأمن الاقتصادي القومي، الجهاد السني، وجاء فيه حول سوريا ما يلي:


السياسة الحالية


لم تستقرّ إدارة ترامب على سياسة واضحة ومنسجمة حيال سوريا، بدلاً من ذلك، كان هناك توتر دائم بين رغبة الرئيس لسحب القوات الأمريكية، التي يبلغ عددها أقل من ١٠٠٠، وإصرار كل من مستشاريه والكونغرس على ‏أنّ الولايات المتحدة لديها مصالح حيوية على المحك.


كمرشح في عام ٢٠١٦، أوضح ترامب نفوره من استمرار التدخل الأمريكي في سوريا لأي غرض آخر غير هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا (داعش). ومع ذلك، شنّ ترامب ضربات جوية وصاروخية في عام ٢٠١٧، ومرة أخرى في عام ٢٠١٨، لمعاقبة نظام بشار الأسد على استخدام الأسلحة الكيميائية، كما سرّع ترامب الحملة التي تقودها الولايات المتحدة ضد خلافة داعش، مما أدّى إلى هزيمتها في عام ٢٠١٨.


بينما كانت تلك الحملة على داعش ما تزال جارية، بدأ ترامب في الدعوة إلى الانسحاب من سوريا، وأعلن في آذار ٢٠١٨، بشكل غير متوقع، في تجمع عام، أنّ الولايات المتحدة ستغادر سوريا قريباً قائلاً: "دع الآخرين يهتمون بها الآن.. سنعود إلى بلدنا، حيث ننتمي، حيث نريد أن نكون"، ولكن بناء على نصيحة فريق الأمن القومي التابع له، أجّل ترمب بهدوء الانسحاب.


بعد تسعة أشهر، عقب مكالمة هاتفية مع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، فاجأ ترامب مستشاريه والأعضاء الآخرين في التحالف الدولي ضد داعش بإعلانه عن انسحاب سريع لما يقرب من ٢٠٠٠ جندي أمريكي في سوريا، آنذاك، قائلاً: "لقد انتصرنا على داعش.. لقد هزمناهم وهزمناهم بشدة، حان الوقت الآن لعودة قواتنا إلى ديارهم".


أدّى قرار ترامب إلى استقالة وزير الدفاع، جيمس ماتيس، بينما صوت مجلس الشيوخ ٦٨ مقابل ٢٣ صوتاً لإدانة الانسحاب، مع ٤٣ صوتاً من الحزب الجمهوري لصالح القرار وثلاثة فقط ضده، نأى الرئيس بنفسه تحت الضغط بشكل تدريجي عن أوامره الأصلية وفي النهاية، سحبت الولايات المتحدة حوالي نصف قواتها.


في تشرين الأول، بعد مكالمة أخرى مع أردوغان، أعاد ترامب إصدار أمره بالانسحاب الكامل، وقال: "الخطة هي الخروج من حروب لا نهاية لها"، مضيفاً أنّ سوريا ليست بهذه الأهمية لأنّها "كثير من الرمال".


وجه ترامب أمر الانسحاب، تحديداً من مواقع أميركية قرب الحدود السورية التركية، حيث أرسل أردوغان بسرعة قوات تدخل عبر الحدود لمهاجمة خصوم أنقرة "الأكراد السوريين" الذين هم أعضاء أساسيون من التحالف الدولي ضد داعش، وثّق تقريراً للأمم المتحدة، في وقت لاحق، انتهاكات كبيرة لحقوق الإنسان ارتكبها الجيش التركي والميليشيات المتحالفة مع تركيا في سوريا، تمكنت القوات الروسية أيضاً من الوصول إلى أجزاء من شمال شرق سوريا، حيث كانت قوات التحالف، في وقت سابق، تسيطر هناك سيطرة تامة وحصرية.


بعد ثلاثة أيام من إعلان ترامب الانسحاب، صوتت أغلبية من الحزبين في مجلس النواب بـ٣٥٤ مقابل ٦٠ رفضاً للقرار. مع تصاعد الضغط، استعمل الرئيس منطقاً جديداً لإبقاء القوات في سوريا قائلاً: "نحن نحتفظ بالنفط، لدينا النفط، النفط آمن.. تركنا قوات من أجل النفط فقط"، وبناء على ذلك، نقل البنتاغون بعض الوحدات إلى حقول النفط السورية.


مع اقتراب نهاية عام ٢٠١٩، نجح تحالف من الحزبين في الكونغرس في تمرير قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا، الذي فرض عقوبات على الدول الداعمة لنظام الأسد مع التأكيد على تعزيز دور السلطات التنفيذية الأميركية في استهدافهم، كما واصلت الحكومة الأمريكية تخصيص مساعدات إنسانية ضخمة، بلغ مجموعها أكثر من ١٢ مليار دولار منذ بداية الحرب.


في نهاية ولاية ترامب، بقي ما يقدّر بنحو ٥٠٠ إلى ٦٠٠ جندي في شمال شرق سوريا، و٢٠٠ جندي إضافي في قاعدة التنف، وهي بلدة استراتيجية على الطريق العام الرئيسي من بغداد إلى دمشق وشريان رئيسي لـ "الجسر البري" لإيران عبر بلاد الشام.


التقييم


تنبثق دعوات ترامب المتكررة للانسحاب من سوريا من فرضية خاطئة، مفادها أنّ الولايات المتحدة قد وقعت في مستنقع، في الواقع طبق الجيش الأمريكي الدروس التي تعلمها في العراق وأفغانستان لتقليل التكاليف البشرية والمادية لعملياته في سوريا، فاستخدمت القوات العسكرية، بشكل أساسي، القوات الجوية وقدرات المراقبة، وعدداً صغيراً من المستشارين لدعم الحلفاء المحليين وقوات سوريا الديمقراطية، التي خاضت الحرب البرية الدموية ضد داعش.


أظهرت الحروب السابقة، أيضاً، الحاجة إلى ضمان قدرة الحلفاء المحليين في الحفاظ على الاستقرار بعد النجاحات الأولى في ساحة المعركة، لقد أدان ترامب مراراً إدارة أوباما لانسحابها السريع من العراق من عام ٢٠٠٩ إلى عام ٢٠١١، وقد استخدم هذا الانسحاب كوعد في حملته الانتخابية، آنذاك، ولكنه ساهم بشكل مباشر في صعود داعش، ومع ذلك، تجاهل ترامب نصيحته الخاصة فيما يتعلّق بسوريا.


كما رفض الرئيس الاعتراف بالعلاقة بين سياسته تجاه سوريا وحملته لممارسة أقصى درجات الضغط على جمهورية إيران الإسلامية، التي أنفقت ما يقدّر بنحو ٢٠ إلى ٣٠ مليار دولار لدعم نظام الأسد. الانسحاب الكامل من سوريا سيمكن الأسد من إعادة فرض سيطرته على حقول النفط والموارد الزراعية في شمال شرق سوريا، وبالتالي تخفيف الضغط على موارده المالية، وبالتالي على موارد طهران أيضاً. الرحيل الأميركي من سوريا عزّز أيضا جهود طهران لبناء جسر بري إلى البحر المتوسط، مما يسهل إمداد حزب الله بالأسلحة المتطورة لاستخدامها في نهاية المطاف في الحرب مع إسرائيل.


كما أدت ثقة ترامب غير المبررة في ضمانات أردوغان إلى ارتكاب أخطاء في سوريا، ادّعى ترامب أنّ تركيا ستتولّى مسؤولية محاربة داعش، لكن أردوغان كان يغضّ النظر باستمرار عن ممولي داعش والقاعدة في تركيا، بينما يرسل الأسلحة والتمويل إلى المتطرفين السوريين، بما في ذلك جبهة النصرة التابعة للقاعدة.


ومع ذلك، يستحق ترامب الثناء لفرضه الخط الأحمر الأمريكي الذي يحظر استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا، حتى إنّ الطائرات الحربية الفرنسية والبريطانية شاركت في الجولة الثانية من الضربات الجوية في عام ٢٠١٨، وهي حالة تعاون نادرة بين دول حلف الأطلسي في السنوات الأخيرة، ومع ذلك كان تأثير الضربات محدوداً، فقد واصلت الطائرات السورية قصف الأهداف المدنية بالذخائر التقليدية، كما أبلغت وزارة الخارجية الكونغرس أنّ نظام الأسد يواصل شراء المواد اللازمة لإنتاج الأسلحة الكيماوية.


كما بذلت إدارة ترامب جهوداً منسّقة لتصعيد الضغط الاقتصادي على الأسد، فقد مَنحت الأوامر التنفذية للرئيس أوباما العديد من الصلاحيات اللازمة لوزارتي الخزانة والخارجية لفرض عقوبات، لكن التنفيذ كان متقطعاً. عملت وزارة الخزانة من عام ٢٠١٧، وللآن، على تعطيل التصدير غير المشروع للنفط من إيران إلى سوريا، بينما تم إدراج العديد من رجال الأعمال الكبار على القائمة السوداء الذين يعملون على توليد الأموال والمداخيل لنظام الأسد. بعد دخول قانون قيصر حيز التنفيذ، في يونيو ٢٠٢٠، بدأت وزارتا الخزانة والخارجية الإعلان عن تعيينات جديدة كل شهر.


بينما استقرّ قرار ترامب في نهاية المطاف على وجود عدة مئات من القوات الأمريكية في سوريا، فإنّ ادعاءه بأنّ أمريكا ستحتفظ بالنفط السوري يوضّح المدى التي تُوَجِّه المعلومات المغلوطة السياسة التي ينتهجها، تعتبر الولايات المتحدة أكبر منتج للنفط والغاز في العالم، ليس لها حق قانوني في احتياطيات سوريا ولا تحتاجها.


آفاق حل الحرب في سوريا مظلمة، سواء في ساحة المعركة أو عبر الدبلوماسية في جنيف، فقد دعا كبار مستشاري ترامب إلى انتهاج سياسات مستدامة لتأمين المصالح الأمريكية وسط الانقسام المستمر وعدم الاستقرار، ومَنَعَ فشل الرئيس في اتباع هذا المسار إدارته من تركيز جهودها على إبقاء تنظيم الدولة الإسلامية، والحد من النفوذ الإيراني والروسي، وإدارة التوترات مع تركيا فيما يتعلق بشمال شرق سوريا، وحماية المدنيين السوريين ومساعدتهم، وتعزيز العلاقات الأمريكية مع الشركاء الأكراد والعرب في سوريا في التحالف الدولي ضد داعش.



التوصيات


أوضح وزير الخارجية المكلف، أنتوني بلِنكن، في أيار الماضي، أنّ سياسة الرئيس المنتخب بايدن بشأن سوريا ستعالج الأخطاء الجسيمة التي ارتكبتها كل من إدارتي أوباما وترامب، وبصفته متمرّساً في إدارة أوباما، قال بلنكن: "لقد فشلنا في منع الخسائر المروّعة في الأرواح، وفشلنا في منع النزوح الجماعي للسوريين في الداخل وفي الخارج كلاجئين.. وهو ذنب سأحمله معي لبقية حياتي".


إنّ صراحة بلينكين وانفتاحه على النقد الذاتي لهو تغيير مبشر، لذا فإنّه لإصلاح أخطاء الماضي، على الإدارة الجديدة تنفيذ التوصيات التالية:


١- الحفاظ على القوات الأميركية في سوريا لمنع عودة داعش، حيث تعتمد فعالية العمليات العسكرية في سوريا أيضاً على الوجود العسكري للولايات المتحدة في العراق، يجب على إدارة بايدن أن تطلب من البنتاغون تحديد ما إذا كانت انسحابات ترامب الجزئية من أي من البلدين قد خالفت مبادئ المهمة، إذا كان الأمر كذلك، فليقم بإلغاء عمليات السحب.


٢ - الاستمرار في دعم وتدريب قوات سوريا الديمقراطية، فالحلفاء الكفء والمتحمسون مصدر عون نادر في المنطقة، وقد خسر أكثر من ١١ ألف مقاتل من قوات سوريا الديمقراطية أرواحهم أثناء قتالهم لداعش.


٣- استهداف مصادر الدخل المالي التي تمكن الأسد من الانخراط في فظائع بحق الشعب السوري، إذ يجب على إدارة بايدن البناء على الجهود الحالية لتعطيل واردات سوريا من النفط غير المشروعة وكذلك تهريب المخدرات، كما يجب أن تستخدم قانون قيصر والسلطات ذات الصلة لاستهداف رجال الأعمال الكبار التابعين للأسد والداعمين الأجانب.


٤- تحذير شركاء الولايات المتحدة في العالم العربي من تطبيع العلاقات مع الأسد، فيجب على الإدارة القادمة أن توضّح أنّ الولايات المتحدة ستعاقب المتهربين من العقوبات، سواء أكانوا دولاً صديقة أو معادية.


٥- إصلاح وزيادة المساعدات الإنسانية، حيث تعتمد الولايات المتحدة وحلفاؤها على الأمم المتحدة لتوزيع المساعدات على السكان الموجودين تحت سيطرة الأسد، لكن النظام يعيد تحويل مبالغ ضخمة لغايات أخرى، يجب على المانحين مساءلة الأمم المتحدة وضمان قيامها بوضع ضمانات شاملة، ويجب على المانحين أيضاً الضغط على روسيا والصين للتوقف عن منع المساعدات للسكان الخارجين عن سيطرة النظام، بما في ذلك مخيم النازحين في الركبان.


٦- معارضة مساعدات إعادة الإعمار بينما تستمر جرائم الحرب، فقد يفكر الكونجرس في إصدار نسخة معدلة عن قانون عدم تقديم المساعدات للأسد، والذي يحدد معايير وقت السماح بمساعدات إعادة الإعمار، لذا يجب أن تتضمن المعايير ضمانات ضد الفساد.


٧- مساعدة السلطات المحلية في شمال شرق سوريا على تطوير مواردها من الطاقة بطريقة شفافة وعادلة، إذ يمكن أن يؤدي التحرّك نحو الاكتفاء الذاتي إلى تقليل الحاجة إلى المساعدة الاقتصادية.


٨- ردع أردوغان عن مزيد من العدوان على أكراد سوريا، فإذا استمر العسكريون الأتراك أو القوات بالوكالة في ممارسة انتهاكات تجاه المدنيين السوريين، فيجب على إدارة بايدن فرض عقوبات على القادة والمسؤولين لانتهاك حقوق الإنسان.


٩- الضغط على نظام الأسد لتقديم معلومات حول أوضاع المواطنين الأمريكيين الذين اختفوا في سوريا، حيث يجب أن تتمسك الإدارة القادمة بسياسة الولايات المتحدة المتمثلة في عدم تقديم تنازلات، سواء في شكل تخفيف العقوبات أو الاعتراف الدبلوماسي للإفراج عن الرهائن.


١٠- تعليق حقوق وامتيازات سوريا داخل منظمة حظر الأسلحة الكيماوية (OPCW)، فمن المرجّح أن تحاول روسيا عرقلة أي جهد لمحاسبة دمشق، لكن هناك أغلبية فاعلة في OPCW ستستجيب للقيادة الأمريكية.


١١- الاستمرار في فرض الخط الأحمر الأمريكي على استخدام سوريا للأسلحة الكيماوية، إذ من المرجّح أن يختبر الأسد التزام الإدارة الجديدة، إذا استخدم النظام أسلحة كيميائية، فإنّ الرد يجب أن يكون بحرمان الأسد من وسائل ارتكاب المزيد من الفظائع، من خلال التدمير الكامل لسلاحه الجوي ومقدراته الهجومية الأخرى.


ليفانت-قسم الترجمة


مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات (FDD)

كاريكاتير

قطر تغلق مكاتب حماس

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!