الوضع المظلم
الثلاثاء ٢٤ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
ما عشتموه وتعيشونه هو المستقبل للأسف
غسان المفلح

عند كل منعطف في دهاليز ما نعيشه كشعوب عربية وشرق أوسطية، تخرج أقلام وإعلام بأنّ العلة في العرب أو العلة في المسلمين أو العلة في شعوب الشرق. مفهوم أن يخرج مستشرق ما ليقول ذلك، لكن من غير المفهوم أن يخرج عربي أو كردي أو إيراني، مسلم أو مسيحي، ليؤكد هذه المقولة الاستشراقية.


إنّ العلة في قتلنا وتهجيرنا تكمن فينا في ثقافة شعوبنا، وفي أديانهم وطوائفهم وأقوامهم. العلة في تخلفنا هو نحن. في فصل "جيني" مقيت بين إنسان متقدّم وإنسان متخلّف. عنصري التوجه في جعل التقدم والتطور حكراً بالإنسان الأبيض. عالج هذا الموضوع كثر من المفكرين العرب وغير العرب، من بينهم المفكر الفلسطيني إدوار سعيد في كتابه الاستشراق. من تبنوا الاستشراق جملة وتفصيلاً يندرجون تحت عنوان "الاستغراب" كجزء من المكنة الغربية في تبرير القباحة. هذا المقال ليس معنياً بإعطاء مراجعة لما كتبه الطرفان.


قبل أن نمضي في هذه العجالة لا بد لنا من توضيح بسيط: عندما نتحدث عن "الرجل الأبيض" نقصد الفاعل التاريخي سياسياً وطبقياً. لهذا من الصعب فهم الاستشراق أو الاستغراب دون هذه القاعدة. أما الحديث عن أنّ كل الغرب غرب أو كل الشرق شرق، هو حديث هوياتي لا قيمة له.


الغرب هو قوى فاعلة، سياسياً ومصلحياً، تماماً كالشرق. هو سلطات وناهبو ثروات، وملحقون بالإدارات الغربية بهذا الشكل أو ذاك.


من جهة أخرى، هنالك نقطة مهمة أيضاً في هذا السياق، تغيب في تحليلات هذا التيار الاستشراقي أو الاستغرابي، وهي تتعلق بسلوك الطبقات المهيمنة في المجتمعات الغربية المتطوّرة. هذه الطبقات ليست مهيمنة فقط على هذه المجتمعات، بل مسيطرة على مجتمعات أخرى خارجية، سواء عبر احتلال مباشر أم احتلال غير مباشر، أو عبر تبعيات متعددة الوسائل والوجوه. بالتالي حاجتها لدولة قومية- قاعدة لهذه الهيمنة تحميها، داخلياً وخارجياً. أستعير هنا مفهوم الدكتور نديم البيطار حول مقولته الدولة القاعدة أو الإقليم القاعدة. الإقليم القاعدة عند البيطار، والذي هو مصر، تقع على عاتقه توحيد بقية الأقاليم في وحدة عربية. كذلك الحال الطبقات المسيطرة والمهيمنة في الغرب تحتاج لسيطرتها الداخلية والخارجية لدولة قاعدة. لديها جيوش ومؤسسات تحمي نشاط رأس المال. لكن طبقياً وإنسانياً ليس لديها مانع أحياناً من قضم مكتسبات حققتها نضالات الشعوب الأوروبية نفسها. هذه الدولة القاعدة هي الوحيدة التي يحرص هذا المكون الطبقي المسيطر والمهيمن لأن تبقى مستقرّة ومرفهة إذا أضفنا نضالات الشعوب الأوروبية وما راكمته من أجل حقوقها. هذا المسيطر والمهيمن يحتاج هذه الدول، القاعدة، لكي يستطيع استخدام جيشها ومؤسساتها من أجل النشاط المصلحي، داخلياً وخارجياً. أيضاً في نقاش منذ أكثر من عقدين ونصف بخصوص قضية العولمة، أنّ هذه العولمة ركيزتها الدولة القومية، وليس العكس كما حاول بعض منظريها إشاعة تراجع دور الدولة القومية. الآن في هذا العقد يحضر مثال إدارات أوباما وترامب، وانفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي. الدولة الروسية والدول الصينية.


أزعم أنّه بدون فهم هذا السياق، لا يمكننا الحديث لا عن الرجل الأبيض ولا عن الاستغراب والاستشراق.


الإسلام كمرجعية للتخلف والانحطاط. هذا عنوان عريض يحكم النسق الإعلامي الغربي والاستغرابي. منذ تفجيرات 11 سيبتمبر 2001، ويحكم أيضاً عملياً النسق الإعلامي لسلطات عربية فاسدة وإبادية، تماشياً مع مصلحتها.


بعيداً عن التنظيرات الكثيرة والمتكثرة، حول هذا الموضوع، بعيداً عن معارك خلبية تخاض من أجل إثباتها أو العكس. من المعروف أنّ الديانات التوحيدية الثلاث، تأسست في الشرق الأوسط، الجزيرة العربية وبلاد الشام. نستطيع القول ببساطة إنّ الشرط الاجتماعي التاريخي تقريباً واحد. الفارق يكمن في حاضر الرأسمالية منذ سيطرتها كنظام عالمي وحتى الآن. إنّ الرأسمالية نشأت في دول مسيحية، أي في أوروبا. هذه الدول نتيجة للحرب العالمية الأولى استطاعت احتلال كل تركة الإمبراطورية العثمانية أو ما عرف وقتها بالرجل المريض. تلك الإمبراطورية التي كانت تحتل أيضاً جزءاً من أوروبا، حيث وصلت بفترة ما إلى فيينا. هزمت الدولة الإمبراطورية العثمانية وهزم معها "الفضاء الإسلامي". لم يهزم لأنه فضاء إسلامي، بل هزم لأنه لم يمتلك القوة التي يواجه فيها بريطانيا وفرنسا وبقية دول أوروبا الغربية مع أمريكا. القصة لها علاقة بميزان قوى، تماماً مثلما حدث لأوروبا عندما غزتها قبل ذلك الإمبراطورية العثمانية. لا علاقة له بأنّ الإمبراطورية العثمانية هزمت أوروبا بأنّها ذات ثقافة مسيحية. بل له علاقة بميزان قوى عسكري بالدرجة الأولى.


هذا يقودنا إلى مفصل مركزي يتم تغييبه هو: الدولة في بلداننا، كيف تأسست؟ من أسسها؟ ما علاقتها بالبنى الاجتماعية التي تأسست فوقها؟ ما علاقتها بالمسيطر الخارجي؟ ما يزال سؤال الدولة الراهنة وشرطها الخارجي، يغيب عن لوحة غالبية المتحدثين عن قضايا الإسلام، الدولة التي تأسست عندنا لم تتأسس بناء على شرطها الداخلي، بل تأسست بناء على قرار خارجي. لهذا أنتجت سلطات برانيّة تفرض على المجتمع ما تريده بقوة القمع والاندراج في البنية الخارجية للعالم المسيطر.


اكتشف النفط في إيران وتم استخراجه إنكليزياً عام 1908 - 1913. في السعودية عام 1933، وبقية دول المنطقة الشرق أوسطية المصدرة للنفط والغاز ليست بعيدة عن هذا التاريخ. السؤال: مائة عام تقريباً، أين ذهبت أموال النفط، الإيرانية والسعودية والعراقية والخليجية والليبية والسورية والجزائرية؟ لك أن تتخيل عزيزي القارئ حجم تلك الأموال، وما يمكن أن تفعله لو خصصت للتنمية المستدامة. أين ذهبت تلك الأموال؟ الإنكليز ودول أخرى، فرنسا وهولندا وإيطاليا وغيرها، هي من تولت استخراج النفط وبيعه، حتى أتت أمريكا التي سيطرت على سوق النفط تقريباً، من المنبع للمستهلك.


الدول الأوروبية الاستعمارية الأولى تؤمن أنّ الصدفة في وجود النفط في دول غير دولها، لا تعني أحقية هذه الدول باستثمار عائدات النفط هذه! هنا يأتي دور السياسة والاقتصاد والتحكم بالثروة وتوزيعها. النفط هذا كي لا يتحول إلى تنمية مستدامة لشعوب دوله، يجب أن تكون هنالك سلطات غاشمة وفاسدة ودول فاشلة. تحت غطاء أمريكي صلب ولا يقبل القسمة على غير هذا النموذج.


هنالك تنويعات أخرى يمكننا متابعتها، وهي كثيرة، وكلها تشير أنّ العنف المنظم أو المنفلت الذي تعيشه شعوبنا هو محصلة سيطرة خارجية. لهذا تدوير الجريمة وإعادة تأهيلها هي العنوان، سواء في سوريا أو في أي بلد شرق أوسطي. قرن ونيف وشعوبنا تعيش هذا النموذج المتكرر جريمة بغطاء دولي.


غسان المفلح


ليفانت - غسان المفلح

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!