-
ماذا عن المعتقلين؟
لحظات من كابوس مرعب كادت تقتلع قلبي من صدري هلعاً حين حلمت أن المخابرات السورية تعتقل ابني ونحن نعيش في الجزء الآخر من الكرة الأرضية، وهو من خرج من سوريا طفلاً وأصبح شاباً في المنفى. استيقظت مرتجفة لكن صوت الضجيج القادم من غرفته جعلني أتنفس الصعداء للحظات لم تطل طويلاً، حيث بدأت أتذكر بألم صور أمهات أعرفهن من خلال شبكة التواصل الاجتماعي أو بشكل شخصي، أمهات وأقارب لمن تم اعتقالهم منذ زمن ومنهم من عرف استشهاده تحت التعذيب ومنهم ما زال مجهول المصير حتى اللحظة. شعور عميق بالألم يرافقه سؤال يقترح نفسه برعونه: هل كانت أنانية منا أن نهرب من البلاد مع أبنائنا حتى لا نموت؟ أم أن البلاد كان يجب أن تحنو على أبنائها حتى لا يهربوا..!
يلف السوريبن اليوم ممن تم تغيب أحد أفراد أسرهم في غياهب أقبية المعتقلات ألم كبير، وقلق لا يمكن احتماله، يعيشون أيامهم وساعاتهم في حالة ترقب لا يمكن تخيلها للإنسان العادي الذي يعيش حياة طبيعية أو شبه طبيعية بعيداً عن سوريا، فكيف يمكن لأحد أن يتخيّل أن هناك من بحث في الصور المرعبة المسرّبة للمعتقلين الذين ماتوا تحت التعذيب، أو ضمن قوائم الأسماء التي قضت تحت التعذيب والتي سلمها النظام السوري بكل وقاحه لدوائر السجل المدني في المحافظات السورية، عن صور أو أسماء أحبائهم علهم يعرفون مصيرهم، وهم يدركون أن فكرة موت المعتقل مع كل الألم الرهيب الذي سيرافقها قد تعني أيضاً في نفس الوقت أن تعذيبه قد توقف في المعتقلات بموته، ضمن مفارقة لا يمكن استيعابها على المستوى النفسي، وهي حالة وصل إليها البعض بعد أن يئس من اكتراث المجتمع الدولي بمصير أبنائهم وبناتهن وأحبتهم، بالله عليكم أين يمكن أن يحدث مثل هذا؟
يعتبر ملف المعتقلين في سوريا الملف الأكثر الحاحاً وايلاماُ للسوريين المكلومين بالفقدان ، فقدان أحبة لهم تم اختطافهم وتغييب مصيرهم ومنعوا من زيارتهم ومعرفة أخبارهم، وحتى وفي أسوأ مصير يمكن التسليم بفكرته وهو موتهم في المعتقلات منعوا من الحصول على جثامين من قضوا تحت التعذيب منهم، واكتفى النظام بورقة يسلمها لدوائر السجل المدني بأسمائهم، غير مكترث بمشاعر وآلام تلك الأسر التي كانت تنتظر بكل لهفة ضمة لهذا الفقيد أو تلك الفقيدة، هؤلاء المعتقلين بمعظمهم هم نشطاء الحراك السلمي والإغاثي والإنساني والإعلامي الذين لم يطلق سراحهم، هم من يموتون تحت التعذيب ويطال اعتقالهم، بين من يسوي النظام أوضاع من حملوا السلاح بل أنه ضم بعضهم الى فرقه العسكريه، كيف يمكن أن يُفهم كل هذا !. ملف المعتقلين في سوريا تم تحويله بقدرة قادر الى ملف تفاوضي وكأنه أحد مكاسب الحرب التي يمتلكها النظام ليفاوض عليها المعارضة، هم أصبحوا مادة للتفاوض بينما يجب أن يكونوا أولوبة ومطلب حقوقي أساسي مرتبط بحقوق الإنسان بعيد عن التجاذبات السياسية، وهو ما يجب ان يتحقق قبل التفاوض السياسي، على الأقل يمكن اعتباره بادرة حسن نية واثبات لجدية النظام بالتفاوض وبتحقيق انفراج بالملف الإنساني والذي يعتبر ملف المعتقلين أحد أركانه الاساسية.
لماذا لم يتم ارسال لجان تقصي حقائق أممية للسجون والمعتقلات، تكون إحدى مهماتها اللقاء بهؤلاء المعتقلين وتوثيق حالاتهم وتفحص ملفاتهم والعمل على اطلاق سراحهم، بينما وبدلاُ من ذلك تم تمييع الملف وادماجه ضمن ملفات التفاوض، ألم يكن من الأجدى أن يكون المسار الإنساني مساراُ مستقلاً عن التفاوض السياسي، ألم يكن من الأجدى أن يسير ذلك المسار بشكل مستقل وباشراف مباشر من الأمم المتحدة، وأن تحقق انفراجات في ملف المعتقلين من جهة والمخطوفين والمغيبيبن قسرياً بشكل عام! بالإضافة للملفات الإنسانية الأخرى، بدلاً من تمييع الوقت القاتل هذا، حيث تصبح الحرب بوصلة التفاوض وهي التي لم تكن يوماً المفصّل الأساسي لما يحصل وحصل في سوريا حين انتفض الشعب السوري ليطالب بالديموقراطية والحريات وسيادة القانون، بدلاً من الديكتاتورية والقمع الأمني والمحسوبيات وانعدام الحريات.
يواصل النظام اليوم حملات اعتقالاته المسعورة بينما تمضي محاكمه الميدانية والعسكرية وما يسميه محكمة الارهاب بأحكامها الجائرة على المعتقلين، وهي محاكم تقودها الأجهزة الامنية ولا ينظمها قانون عادل ولا أصول محاكمات كضوابط، وتعتبر كل من تظاهر ضد النظام أو شارك بالعمل الإغاثي أو الإنساني أو الطبي إرهابياً، محاكمات لا يحضرها محامبن للمعتقلين وتلقى فيها أحكام جزافية خرافية على الناس، تخدم من خلالها أجندة النظام وأجهزته القمعية بالقضاء على كل من عارض النظام، وتلصق بهم أشد التهم وتصل أحكامها إلى الإعدام، وفقاً إلى تقارير عدد من المنظمات الحقوقية العالمية كمنظمة العفو الدولية وغيرها، حيث وثقت تلك المنظمات تلك الاعدامات التي تتم في سجن صيدنايا، وهي اعدامات أقل ما يمكن أن نقول عنها أنها جرائم قتل موصوفة يقوم بها النظام السوري بحق أبناء الشعب ممن عارضوه! كيف يمكن للمفاوضات والمعارضة أن تقبل بأن تستمر المفاوضات دون أن تتوقف تلك الممارسات على الأقل كبادرة حسن نية من قبل النظام؟ كيف يقبل المجتمع الدولي بقتل عشرات الآلاف تحت التعذيب أو عبر اعدامات دون محاكمات؟ ثم تقوم بعض الدول بإعادة اللاجئين وتتحدث الأخرى عن وقف استقبالهم، ويتحدث الآخرون عن صياغة الدستور ومؤتمرات أستانه وسواها ولم يقم النظام بأي مبادرة حسن نية حتى اللحظة؟ ألا يجب أن يكون هناك ضغط على نظام الأسد وحليفه الروسي من أجل تحقيق انفراج في هذا الملف أولا؟ ليكون هناك معنى للاقتراحات السياسية الأخرى، ألم يحن الأوان لأن نتحد جميعاً في أن نقول المعتقلين أولاً؟
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
قطر تغلق مكاتب حماس
- November 11, 2024
قطر تغلق مكاتب حماس
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!