الوضع المظلم
الإثنين ٢٣ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • فيلم الجوكر إنذار حقيقي بالأنفجار لعالم فاقد للعدل وللقيم الإنسانية

فيلم الجوكر إنذار حقيقي بالأنفجار لعالم فاقد للعدل وللقيم الإنسانية
إليك قراءة لفيلم الجوكر في مقاربة لواقعنا

فاتن حمودي


الضجكة التي تملأ الفراغ، الضحكة المجنونة المختلطة بالآسى والبكاء والصراخ، الضحكة التي تعيدنا إلى لحظة فلسفية تصب في العدمية، الفوضى، التراجيديا السوداء، هو ما قدمه خواكين فينيكس بدوره الأسطوري في فيلم "الجوكر".


فعلى مدى ساعتين، كان خواكين فينكس البطل الأوحد، وسيد الحكاية، حكاية الجوكر التي تروى ببعد اجتماعي وإسقاطات سياسية، على واقع مجنون، وهو ماجعلنا نطرح سؤالاً: هل تفوق خواكين على هيث ليدجر؟ وهل ينتبه العالم إلى مدلولات انتقال "آرثر" إلى السايكوباتي "جوكر"، والسؤال الأهم، إلى أي درجة يسير هذا العالم على دمنا ولا يلتفت؟


إحساس الإنبهار، الدهشة الحزن الإنكسار، الصدمة، هو ما يتركه فيلم "الجوكر"، الذي ينتهي بمشهد يضحك ويبكي فيه الجوكر دماً، هكذا تأخذنا الكوميديا السوداء إلى التراجيديا، ونحن نتابع قصة آرثر فليك، قبل أن يتحوّل إلى شخصية الجوكر العالمية، الشخصية ذات الأداء المسرحي والسينمائي، والذي تحول من إنسان مريض عادي إلى أهم شخصية في عالم الكوميكس.


الرؤية الإخراجية لتود فيليبس، والذي شارك في كتابة السيناريو مع سكوت سيلفر مستنداً إلى شخصية دي سي كومكس، انطلقت من اشتغاله على شخصية الجوكر من منظور درامي، والتي هي أبعد ما تكون عن أفلام الأكشن، حيث التراجيديا، والكوميديا السوداء، التي حقق من خلالها نقلة حقيقية من أفلام hangover الكوميدية، ليقرأ تحولات آرثر ليصير "الجوكر، بما يمثله من شر، و لحظة عدمية أوصلته لقتل أمه التي رعاها طيلة عمره.


يمثل أيضاً في الفيلم كل من روبرت دي نيرو، زازي بيتز، فرانسيس كونروي، بريت كولين، مارك مارون، بيل كامب، شيا ويجهام، غلين فليشلر، دوغلاس هودج، وبريان تايري هنري.


الفيلم يرصد حياة شخصية منطوية مضطربة، تتحول للعنف، وتتداخل معها خطوط السرد بشكل مذهل، وقد اتهم الفيلم بالدعوة للعنف، ما دفع فيليبس مخرج العمل للرد على الاتهامات بقوله: "أنا مندهش، أليس هذا أمر جيد أن يثير الفيلم كل هذا الجدل؟ وأكد أنه لم يتعمد على الإطلاق من خلال فيلمه "الجوكر" دفع الناس للعنف، أو إلى تمجيد أفعال "آرثر فليك" القاتلة، بحسب تصريحاته لموقع "ذا راب" السينمائي الأمريكي.


الملفت في المشهد الأخير، نرى الجوكر وهو في سيارة الشرطة، نظرته المائلة، وجهه لا يمكن أن يُنسى، فيما نرى الشوارع وقد تحولت إلى تظاهرات، وفوضى، ووجوه ترتدي قناع الجوكر، أعادنا هذا المشهد إلى مسلسل" La Casa de Papel"، حين عمت المظاهرات في الشوارع، ضد الشرطة، وهم يرتدون قناع دالي، وهو تعبير حقيقي عن الثورة ضد الظلم التي أرادها الفيلم، وحالة اللامعقول.


لماذا شدنا فيلم الجوكر؟


تأخذنا الشوارع الرمادية القاتمة في مدينة غوثام، وتحديداً في ثمانينات القرن الماضي، إلى مدننا التي باتت تعج بالفوضى، والظلم والتناقضات، والتي التهمتها الحرب، والفاسدون، مشهد الجوكر في القطارت والطرق، وهم يثورون ويحرقون، كمؤشر لتفاقم الظلم الذي يُمارس عليهم، أكياس الوسخ الحاويات، المبنى الذي يسكنه مع أمه المريضة، التي تنتظر الرسائل ليكون سؤالها اليومي، هل ثمة رسالة؟ وكأنه سؤال الأمل، وبالتالي يطرح اسئلة واقعية، ما معنى أن يمارس الظلم على الإنسان، وعلى جميع من حوله، ما معنى أن يحرم من العمل؟، مشهد قد نراه يومياً حولنا، ونعيش نفس المعاناة، التفنيش، ومن ثم عملية الركض والبحث عن فرصة عمل، قد تستغرق زمناً طويلاً، وربما تصل لحالة اليأس، وما ينتج عن هذا من تخيلات، وحالات بارانويا، و تخريب مستقبل أسر، هكذا فكّرت بلحظة حلم يقظة وأنا أتابع حياة آرثر.

الفيلم يردنا إلى ليل الأوطان التي أكلها الطغات، أما هذا الجوكر فقد انتقل من محبته لإسعاد الناس، إلى قاتل دفاعًا عن كرامة إنسانية مهانة.


فيلم يمثّل دراسة حالة في أدق تفاصيلها، تبدأ مع آرثر وتنتهي بالجوكر، تحوّل متقن، محمول على بعد سياسي اجتماعي، بمشاهده المذهلة التي امتدت على مدى ساعتين من الإبهار، من الحياة اليومية إلى جنون الجوكر، وقد طغت ألوان الظلمة، الكآبة، أمام تحوّل شخصية آرثر، برؤية إخراجية مذهلة، لمخرج استطاع أن يترك بصمته في النص والصورة معاً، بل في السينما كتاريخ في الإخراج.


أما الممثل، فقد استطاع أن يشتغل على الشخصية قبل ادائها، أن ينحت جسده حتى تظهر العظام، انحناءة الظهر، الركض، تغيير الملامح، النظرة، الضحك اللإرادي، الضحك المسكون بالقلق، العلاقة المتخيلة مع جارته، والتي فاجأتنا بها عبقرية دخوله إلى بيتها، لنعرف أن خياله مسكون بالحب، و لا تُنسى تلك الضحكة المدوية الساخرة، المجنونة، من خلال مشهد الحافلة، مشهد القطار، الطرقات والهجوم عليه، كسر اللافتة، وتحطيمه جسدياً من قبل مراهقين، ومن ثم تعرضه في العمل لاضطهاد آخر، أو لسلسلة من الاضطهادات تحرمه أداء دور المهرج، تحرمه من معاش يصرف به على والدته التي يعتني بها بإنسانية عالية، ظروف تأخذه ليكون قاتلاً، وهو ما نلحظه في سلسلة علاقات ترينا شخصيات مأزومة، تلك الضحكة الممزوجة بالبكاء جعلتنا ونحن نتابع الفيلم نضحك ونبكي في عالم يسير على دمنا و لا يلتفت.

.

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!