الوضع المظلم
الأربعاء ٢٥ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
أربعون بالمئة من الانتقال السياسي السوري.
تشيّع سياسي للمسيحيين، والاستهداف المباشر لثقافة السلام المشرقي. د. سميرة مبيض

د. سميرة مبيض


يسيطر نظام الأسد اليوم، بشقيه الروسي والإيراني على ستين بالمئة من مساحة الأرض السورية تقريباً، في حين يخرج عن سيطرته أربعين بالمئة في شمال سوريا بين غربي وشرقي الفرات. لا تعتبر هذه المناطق خارج سيطرة النظام عسكريا فقط بل أن السلطات السياسية المتحكمة فيهما هي سلطات جديدة نشأت وسيطرت بعد انطلاق الثورة السورية وهي الإدارة الذاتية التابعة لقوات سوريا الديمقراطية شمال شرق الفرات أما شمال غرب سوريا فيخضع لسلطتين هما "الحكومة المؤقتة" التابعة لـ"الإئتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة"، و "حكومة الإنقاذ" التابعة ل"هيئة تحرير الشام".


انتقال سياسي قسري بلوي الذراع والصراع العسكري، انتقلت به السلطة من الأسد إلى سلطات أخرى، وذلك ليس بالأمر العابر البتة فهو انهاء جزئي لسيطرة الأسد على الأراضي السورية في مناطق ذات أهمية استراتيجية عظيمة للسوريين، لكنه ليس بالإنتصار المنجز أيضاً، ليس لأنه لا يشمل كامل الأراضي السورية فحسب، بل لأن الاستقرار الداخلي في هذه المناطق ليس بالكامل بل لازال يعاني من اضطرابات ناجمة عن أمرين، الأول متعلّق بالشرعية والثاني متعلّق بالوصول لتوازن داخلي مقبول.


اكتساب الشرعية وتحقيق التوازن


فيما يتعلق بالشرعية، والتي تستمد عادة من أربعة دعامات:


- الدعامة الأولى فيها هي الشرعية التي يمنحها الشعب ويعبر عنها بالإنتخابات النزيهة.

- الدعامة الثانية هي اعتراف بقية الأحزاب السياسية المحلية ومنظمات المجتمع المدني بآلية وصول الحزب الحاكم ونشاطها ضمن تيارات رقابة و تقويم للسلطة.

- الدعامة الثالثة هي شرعية المجتمع الدولي والتي تأتي بناء على كل ما سبق.

- و الدعامة الرابعة هي شرعية استمرارية أي حكومة، بناء على قدرتها على تسيير مؤسسات الدولة وضبط الأمن والحفاظ على القانون و أملاك المواطنين و تسيير شؤون البلد من خدمات واحتياجات المواطنين.


بالنظر الى هذه الدعامات في المناطق التي خرجت بها السلطة من يد الأسد، نجد أن الشرعية ضمنها فُرضت بظروف الصراع والتسليح ولم تكتسب بعد، وتسيير شؤون المواطنين قائم على المساعدات الدولية وليس محلي، فاكتساب هذه الشرعية، منوط بمرحلة إنتخابات نزيهة لإنتخاب إدارات محلية مدنية سورية تستلم السلطة وإدارة شؤون المواطنين في أربعين بالمئة من الأراضي السورية لحين اكتمال الانتقال السياسي والوصول لحل في إطار سوري شامل.


إجراء مثل هذه الانتخابات ستعزز قيمة مكتسبة للسوريين في هذه المناطق، وتنهض بقيادات نابعة من إرادة المواطنين فيها، لكن ذلك لا يحصل بين ليلة وضحاها بل يتطلب وجود نشاطات سياسية سليمة تفرز تيارات سياسية سورية وطنية تقارب الشارع وتحقق رؤيته وقادرة على خلق مسار سوري شامل مع كافة الأطراف والمناطق السورية بعد انهاء وجود الأسد فيما بقي من سوريا تحت سيطرته.


وذلك بدوره يتطلب ثلاث مرتكزات أساسية: الأول هو تعاون دولي واقليمي مع السوريين لتحقيق مثل هذا الخطوة السياسية، الثاني هو استبعاد أي توجهات متطرفة عدوانية تجاه السوريين من أي مكون والثالث هو وجود مرونة تغيير داخلي في الأطر السياسية الموجودة حالياً لتقارب تمثيل المجموعات البشرية في المناطق التي تتواجد بها.


هي مناطق خارج حكم الأسد، فما خطة السوريين لها؟ عدة سيناريوهات ممكن توقعها والاختيار بينها قرار سوري


الأسوأ هو أن تكون هذه المناطق مثال إدارات فاشلة متنازعة تسودها العشوائية والتشدد والانفلات، تتيح بذلك للأسد اظهار انتصارات وهمية بأن منهجه الاستبدادي القمعي هو المنتصر.


الأفضل هو السعي الحثيث المخلص على أن تكون هذه المناطق على قدر رؤية ومطالب السوريين بتحقيق نهضة مجتمعية، اقتصادية، سياسية وتحقق التغيير الجذري الذي ضحى لأجله كل سوري وتظهر إمكانية السوريين لبناء وإدارة بلدهم ونبذ التطرف وحوامله والتمسك بمسار الحداثة والنهوض الإنساني.


أما المسار الأخير فهو التجميد الفعلي لهذه المكتسبات والدوران في حلقات مفرغة في المكان والزمان، ورفض أي تقدم لحين تحقق الانتقال السياسي على مئة بالمئة من الأراضي السورية وهو مسار يفرّغ هذه المكتسبات من قيمتها ويجعلها هشة عرضة للفقدان لصالح الأسد.


دمشق كخطوة قادمة؟

تحقيق انتقال سياسي جذري مستحق نحو الحداثة والنهوض الإنساني وتطبيق حقوق المواطنين على أربعين بالمئة من الأراضي السورية هي خطوة حتمية نحو دمشق، برمزيتها كعاصمة جامعة لسوريا التعددية، والتي لازال الأسد يهيمن عليها بدعم الاحتلال الإيراني. فما سيتحقق في المناطق خارج سلطة النظام، أن نُطلق المسار السليم سورياً ودولياً، هو الاستقرار الاقتصادي والسياسي الذي لا يستطيع النظام تحقيقه مهما بذل، بحكم بنيانه القائم على أولوية بقائه في السلطة مقابل القمع والتخريب المجتمعي والاقتصادي والسياسي ليبقى موالوه في قمقم الخضوع.


 

العلامات

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!