الوضع المظلم
الأربعاء ٢٥ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
زواج السوريات من أتراك.. مظالم سببها جهة واحدة
زواج السوريات من أتراك.. مظالم سببها جهة واحدة

بملامحٍ يملؤها الخجل، وعينان تفيضان بالحزن والانكسارات، تدخلُ (لمى) وهي امرأة سورية، إلى أحد صفوف تعلّم اللغة التركية في إحدى نواحي إسطنبول، وترتاد هذه الدورة لمدة ثلاثة أيام في الأسبوع، لكن واقع حالها يشي بعدم تقدمها في اللغة. يوصلها زوجها التركي إلى مقرّ الدورة (البلدية التركية في اسطنبول) ويأتي ليأخذها فورَ انتهاء الدرس، لكنه يغضب إذا تأخرت عليه بضع دقائق، وهي تخشى غضبه. تلافياً لذلك اعتادت لمى جمعَ كتبها وأقلامها قبل انتهاء الدرس بربع ساعة وتستأذن من المعلم للانصراف باكراً من الدرس وترقّب زوجها.


تزوجتْ (لمى) ابنه الـ 37 ربيعاً من (مراد)، اسم وهمي، شاب تركي يكبرها بـ أربع أعوام، بعقد زواج نظامي، وقد اختارها بعد أن رآها في الحي الذي يسكن فيه، وعرف أنها عزباء سورية، تعيش وأهلها ظروفاً اجتماعية ومادية قاسية، وهو مطلّق ولديه طفلين ويسكن مع والدته في نفس المنزل، فكان طموحه من هذا الزواج هو تأمين مربيّة لأبنائه ومساعدة لوالدته في الأعمال المنزلية دون تكاليف تُذكر. وفقَ لمى التي اصطدمت بعد أيام قليلة من زواجها منه بمعاملة تخلو من الاحترام وسلوك غير لائق من والدته.


الزواج الذي سُجِّل في المحكمة التركية أصولاً منذ نحو عام، جرى بطريقة تقليدية ولم تسنح لـ لمى الفرصة بالتعرّف على الشاب التركي جيداً، فهي وأهلها كانوا سعداء جداً عندما تقدّم (مراد) وطلب يدها بطريقة رسمية، بعد أن كانت على وشك أن تتأكد بأنها صارت (عانس) وفقدت فرصتها في الارتباط. لذا بعد طلبه يدها لم تتردّد ووافقت دون أدنى شروط، لكن مراد التركي لم يلتزم معها بأدبيات الزواج، وأهملها، ويعاملها ووالدته بطريقة تخلو من الرحمة والاحترام، فعوضاً عن تقدير ظروفها تتعرّض للإهانات، وتُكلّف بأداء الخدمات للعائلة بأسرها، دون أي مقابل مادي أو معنوي.


على غرار (لمى) تزوجت خديجة، اسم وهمي أيضاً من رجل تركي من طبقة اجتماعية مرموقة، واتفقا على إبرام العقد (عقد الزواج) بشكل نظامي، ريثما تنتهي عطلة رسمية كانت تعيشها تركيا حينذاك، إلا أن الزوج وبعد انقضاء العطلة صار يماطل في تثبيت الزواج، ويحاول أن يتهرّب من زوجته ويسترضي سكوتها ببعض الهدايا والمجوهرات، إلا أن خديجة لم ترضى بهذا المقابل، وأصرت على تثبيت الزواج في المحكمة، وعندما تبيّن لها أنه لا يريد ذلك لأسباب لم يشرحها بشكل مباشر إلا أنها تمكنت من تحليلها (أسباب مرتبطة باسم العائلة، الممتلكات والميراث)، قرّرت إنهاء الزواج، والسفر إلى ولاية ثانية هرباً من زوجها، ذلك أنه منعها من السفر وهي لا تملك إلا ورقة الحماية المؤقتة التي لا تخوّل المواطن السوري التنقّل بين الولايات دون إذن من إدارة الهجرة، والأخير يتطلّب الحصول عليه وجود سبب وجيه للسفر أو أقارب في الولاية التي المُراد السفر إليها.


كلُّ ما كانت تطمح له خديجة وهي سيدة في الأربعينيات من عمرها، هو التقدير الاجتماعي والعاطفي بعد أن خسرت حياتها القديمة، وتدمّرت أسرتها بحسب وصفها، لكن رفضَ زوجها دعمها والاعتراف بها زوجة رسمية، تسبّب أيضاً بفشل علاقتهما وفقد الثقة به من طرفها، ولا يخفى على أحد عدم انسجامهما، فبعد مرور أشهر على الزواج لم تتعلّم خديجة مفردات جديدة في اللغة التركية (طريقة التواصل الرئيسة بينهما).


لكن سهام وهي فتاة عشرينية سورية بهية الطلعة ومتّقدة الذكاء، وصلت إلى تركيا مع أهلها منذ ثلاثة أعوام، وتكمل دراستها في إحدى الجامعات التركية، تزوجتْ من (أتان التركي) اسم وهمي، واستطاعتْ أن تؤسس معه عائلة، وبعد زواجها بأقل من عام رُزقا (سهام وأتان) بطفلهما الأول، ويبدو على سهام حالة الانسجام مع زوجها الذي يقدّرها ويعاملها معاملة حسنة، نابعة من إحساسه بتميزّها وصفاتها البديعة، وربما من "عدم قدرته على الارتباط بفتاة تركية توازيها في العلم والجمال لكونه عاملاً بسيطاً". تقول سهام.


في هذا الموضوع، تقول غادة.ج، وهي ناشطة اجتماعية سورية، مقيمة في تركيا: "يقع اللوم في الزيجات غير العادلة بالنسبة للسوريات أو غير المسجلة في القضاء التركي على الرجل التركي، فهو على دراية أكثر بقانون بلده وهو أيضاً المعني بتطبيقه، فضلاً عن أن المرأة السورية لا تجهل فقط قانون البلد الجديد (تركيا) بل هي أيضاً جاهلة بحقوقها كامرأة. المرأة السورية تقبل الزواج بطرق سهلة أو غير قانونية لأنها تكون بحالة مادية واجتماعية مزرية. تكون بحاجة إلى دعم على كافة المستويات، ويكون هذا الزواج بالنسبة لها بمثابة (الإنقاذ) فلا تأبه كثيراً بمعاييره وما إذا كان مستوفياً الشروط أم لاـ لذا لا يمكننا إلقاء اللوم على المرأة السورية نهائياً".


لا يعترف القانون التركي بأي زواج شرعي يتم خارج حدود المحكمة لذا فإن الزيجات التي يعقدها الشرع/ الشيخ، غير قابلة للتثبيت القانوني لاحقاً، وبالتالي تُحرم المرأة من كل حقوقها المدنية، المادية والاجتماعية، فضلاً عن خسارتها لأبنائها فيما لو أنجبت، إذ تُسلب الزوجة من حقّها في حضانة الأطفال كونها لا تُعتبر زوجة.


تتفق الباحثة في علم الاجتماع، هناء محمد، مع غادة، في أن المرأة السورية هي الجهة المُستَّغلة في هذا العقد وأضافت: "زواج التركي من سوريات في الأصل لا يكون بدافع الحب أو المشاركة وإنما بدافع الاستسهال، فمطالب المرأة السورية هيّنة، وبعضهن لا يطلبن شيئاً، وهو ما يدفع الشاب التركي لاختيارها، وتنجح بعض الزيجات إذا كانت ظروف الفتاة السورية مثالية ومتوازنة واستطاعت هي احتواءه والاندماج معه ومع عاداته، غيرَ أن معظم النساء السوريات لسن كذلك، فهن يعانين من مشكلات نفسية كونهن ضحايا حرب وتهجير واختبرن ظروفاً لا ترحم، فضلاً عن اضطرابات تواجههن في الهوية الاجتماعية والثقافية داخل المجتمع المضيف".


وأضافت: "في حال كانت ظروف المرأة سيئة أو تعاني من أية مشكلات فإن مصير الزواج هو حتماً الفشل، لأن الرجل التركي لا يراعي عند زواجه من سيدة سورية أنها شريكة بالعكس فهو يراها فرصة سهلة لذا ليس لديه أي استعداد لبذل ما يقتضيه الزواج من دعم ومؤازرة، فضلاً عن عدم انصياعه لقواعد المجتمع التركي وخروجه من دائرة الضغط (العادات والتقاليد التركية) التي تثمّن الزواج وتضع له ضوابطاً.


طبعاً لا يخلو الأمر من بعض الحالات المعاكسة، وهي أن تستغّل امرأة سورية رجلاً تركياً، ولكنها حالات قليلة ونادرة، في حين يمكن لأي مراقب ملاحظة أن معظم حالات الظلم والاستغلال في مثل هكذا عقود تكون من طرف الرجل التركي. لا توجد دراسات تشرح الأسباب المباشرة لفشل هذه الزيجات وعلى من يقع اللوم في ذلك، غير أنّ معظم الكتابات الصحافية والبحثية تحدّثت عن عدم نجاحها وانتهائها بطرق تراجيدية. في سياق آخر، نوّهت هناء محمد أن بعض الأخصائيين الاجتماعيين يعزون ارتفاع التزاوج بين الطرفين إلى قرب العادات والتقاليد وهو رأي خاطئ ومُضلّل أيضاً "فالعادات مختلفة إلى حدّ كبير والتربية والمنهج الاجتماعي كذلك مختلف، الاشتراك يكمن فقط في الدين الإسلامي وتختلف ممارسة شعائره وطقوسه بين الطرفين".


بيّنت دراسة أعدّها المكتب المركزي للإحصاء والدراسات السكانية التركي مطلع العام الجاري أن السوريات في تركيا تصدّرن للعام الثاني على التوالي (2018) قائمة النساء الأجنبيات اللواتي تزوّجنَ من رجال أتراك "وصل عدد النساء السوريات المتزوجات من رجال أتراك إلى نحو 23 ألفاً، أي بنسبة 15.7 في المئة من بين الزوجات الأجنبيات"، هذه الأرقام طبعاً تشير للزيجات المعلنة.


أخيراً، أشارت الباحثة في علم الاجتماع هناء محمد، أن المجتمع التركي إذ يعمدْ للزواج بهذه الطريقة (غير القانوني/ الزواج الثاني) والتي يُظلم فيها الطرف الآخر، فإنما يعبّر عن حالة من التمرّد والارتداد على قواعد المجتمع المدني التركي، وهي ظاهرة تخصّ الأتراك وحدهم بعيداً عن أيّ متغيرات أو مغريات.


كاتبة وصحفية سورية


زواج السوريات من أتراك.. مظالم سببها جهة واحدة


زواج السوريات من أتراك.. مظالم سببها جهة واحدة

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!