-
دواء المواطن السوري بين نقص المواد واحتكار الشركات والمستودعات والدولار
نشر عثمان حمزة بتاريخ 7 تموز من العام 2020 على صفحته في فيس بوك، أنّ مؤونة الشهر من أدوية الأمراض المزمنة لدى أحد المتقاعدين بلغت (18000) ليرة سورية من راتبه التقاعدي الذي يقارب خمسين ألفاً. الصيدلاني خجل عندما بدأ يجمع فاتورة الدواء واعتذر من العجوز السبعيني، قائلاً: “والله يا عمي معظم الأدوية تضاعفت الأسبوع الماضي فقط ثلاث أضعاف وأكثر، وأبرز له علباً عليها السعر القديم وكيف شطب ليسجل السعر المضاعف الجديد”، فهدّأه العجوز بقوله: “الذنب ليس ذنبك يا بني، فأنت رجل علم، ولكننا نعيش في غابة وحوش، ويبدو أن من هو بعمري قد حكم عليه بالموت قهراً وألماً.. فقد استنفذوا قوتنا واستغلوا زهرة شبابنا لنخدم أربعين عاماً ثم نعدم كأفراس السباق عندما تتعرض للكسر، إذا أردت خدمتي يا بني دلني على مريض كورونا لأحتضنه فقد يساعدني على الإسراع في الراحة في مرضي وآلامي”.
ونشرت جريدة الوطن السورية، بتاريخ 26 حزيران، تحقيقاً للصحفية نبال إبراهيم، أنّه اشتكى مواطنون في حمص من انقطاع أصناف عديدة من الأدوية في صيدليات حمص، وعدم توفرها، وخاصة أدوية أمراض السكري والقلب وغيرها، إضافة إلى ارتفاع أسعارها بشكل جنوني في حال وجدت في إحدى الصيدليات، مناشدين وزارة الصحة والجهات المعنية بضرورة الإسراع بتوفير الأدوية، ولا سيما التي يحتاجها الشخص المريض بمرض مزمن، بشكل يومي، وتوقفه عنها يهدّد حياته لا سيما مع عدم توفر البدائل.
وأضاف التقرير، أنّه تبين من خلال جولة على صيدليات مدينة حمص أنّ هناك انقطاع (100) صنف دوائي، أهمها للأمراض المزمنة، مع توفر بعض البدائل الأجنبية والمهربة وبأسعار تزيد بنحو (20) ضعفاً على سعر الدواء الوطني، فمثلاً (الكولشيسين) الوطني بسعر (270) ليرة سورية، بينما سعر الأجنبي المهرب منه يتراوح بين (6800) ليرة سورية.
وكانت ليفانت قد نشرت بتاريخ 3/6/2020 خبراً يقول: “نواب سوريون يستنكرون.. مصانع الأدوية السورية ستغلق أبوابها”، وجاء في محتواه أنّه بدأت ملامح أزمة في تأمين الدواء تلوح في الأفق في سوريا، مع اقتراب موعد دخول قانون قيصر حيز التنفيذ، بالتزامن مع الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة التي تشهدها سوريا، وارتفاع نسبة الجوع في سوريا إلى نسبة تجاوزت (85%).
شهد مجلس الشعب التابع للنظام السوري، والذي قلما يشهد انتقاداً لسلوكيات حكومة النظام، بسبب الهيمنة الأمنية على دوائر صنع القرار، اتهاماً لحكومة النظام بأنها تسعى لأن تحرم الناس من الغذاء بعد أن حرمتهم من الدواء.
إذ قال عضو مجلس الشعب التابع للنظام أمام المجلس: “الدواء والغذاء خط أحمر وخطير على الشعب، أنتم فشلتم حتى الآن في الغذاء، وماضون بطريقكم لغلق مصانع الأدوية السورية التي كانت تغطي احتياجات السوق المحلية، وبأرخص الأسعار، وتصدر إنتاجها إلى أكثر من (85) دولة”. وتابع: “أسبوع آخر وستغلق جميع معامل الأدوية، بعد أن تنتهي المواد الأولية الباقية فيها”.
وعن سبب إغلاق المعامل أبوابها، قال عضو مجلس الشعب: “كيف تطلب الحكومة من مصانع الأدوية تسعير الأدوية على سعر صرف الدولار بأربعمائة ليرة، وتقول لهم دبروا أموركم بشراء الدولار من السوق، وسعره فوق الألف وسبعمائة؟ وكأنك تقول لهم أغلقوا مصانعكم، أعطهم الدولار بثلاثمائة وطالبهم بتخفيض سعر الدواء للسوق المحلية”.
وكانت المواقع الإلكترونية وصفحات النظام الموالية قد تداولت، في نهاية الشهر الخامس، وبداية الشهر السادس، أخباراً عن نفاذ الدواء وتوقف المعامل عن العمل، وهذا ما أكدته نقابتا الصيادلة في دمشق واللاذقية مع صور المواطنين على الدور في الصيدليات، ومشاهد الصيدليات المغلقة، انتشرت بشكل واسع عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
من كل ما تقدّم نجد أنّ أزمة الدواء في مناطق سيطرة النظام، وحتى في مناطق سيطرة الفصائل المسلحة سببها الأساسي رفع حكومة النظام الدعم عن الدواء، إذ لن تستمر في تقديم الدولار المدعوم “3,75” ليرة سورية لأصحاب معامل الأدوية والمستوردين، وهذا ما يفقد سوق الدواء السوري ميزة “الدواء الرخيص”، حيث يحاول الآن مساوقة السوق العالمية للدواء، إلى جانب فقدان زمر دوائية خاصة بالأمراض المزمنة، وحتى كتابة هذا التحقيق ما زالت أسعار الأدوية غير مستقرة رغم مضي أكثر من شهر عن رفع الدعم عن الدواء، ومن يراقب صفحات الفيس بوك في مناطق سيطرة النظام، سيجد العشرات يومياً يعبرون عن الاستياء من حالة عدم استقرار أسعار الدواء وفقدان الكثير من الأدوية من السوق المحلية السورية.
صناعة الدواء السورية:
تعدّ صناعة الدواء في سوريا، من القطاعات الاستثمارية الأكثر نمواً منذ تأسيس “الشركة العربية لصناعة الأدوية”، أول شركة لتصنيع وتصدير الأدوية في العام 1968 ومن ثم شركتي “الديماس” و”تاميكو” اللتين جرى تأميمهما في العام1970.
وذكرت ليفنات أنّ معمل” الديماس” لوزارة الدفاع، وينتج الأدوية والمصول، من مضادات حيوية وأدوية تخدير، وتتبع شركة “تاميكو” لوزارة الصحة وهي تنتج أدوية السيتامول وأدوية السكري والضغط إضافة إلى السيرومات.
كما شهدت تلك الفترة تأسيس شركة “بركات للصناعات الدوائية” في العام 1972، وذكر تقرير نشر في موقع مدرسة لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، بعنوان: “كيف تؤثر العقوبات الاقتصادية سلباً على القطاع الصحي في سوريا الصناعات الدوائية نموذجاً”، كتبه الصحفي زياد غصن، أنّه في العام 1987 سمحت وزارة الصحة للقطاع الخاص بإنتاج الدواء ليتم ترخيص نحو (28) معملاً، ارتفع هذا العدد إلى (56) معملاً في العام 2006، وإلى (70) معملاً في العام2011، ومع الثورة السورية توقفت بعض المعامل عن العمل، وعددها نحو (19) معملاً، نتيجة القصف أو امتناع أصحابها عن تشغيلها لوجودها في مناطق سيطرة الفصائل المعارضة، معظم المعامل تركزت في محافظتي حلب ودمشق، ونسبة أقل في حمص، ومعمل في مدينة حماة، ليتم منذ العام 2017 ترخيص عدد من المعامل في محافظتي طرطوس واللاذقية، إذ يبلغ عدد المعامل الحالي نحو (92) معملاً، ناهيك عن معامل المعقمات وغيرها من المستحضرات الصيدلانية، وكانت هذه المعامل تغطي نحو (90%) من احتياجات السوق المحلية (تقدر أسعارها بنحو 400 مليار دولار) ليتم تعويض النقص في بعض الأدوية، كالأدوية السرطانية وأدوية التهاب الكبد واللقاحات، عن طريق الاستيراد عبر شركة فارمكس، أو بوكالات حصرية للمستودعات، ذلك إضافة لتصدير جزء من إنتاج هذه المعامل لنحو (37) دولة (يقدر حجم التصدير بنحو 220 مليون دولار في العام 2010)، ناهيك عن وجود عدد كبير من الزمر الدوائية الحاصلة على امتياز من شركات أوربية وأمريكية (هناك 59 شركة دوائية حاصلة على امتياز من شركات أجنبية).
إنّ معامل الأدوية السورية تخسر منذ فترة، في ظل ظروف انهيار الليرة السورية، وهناك أرقام تشير إلى أنّ الطاقة الإنتاجية للمعامل التي تعمل لا تتعدى (5%) من الإنتاج الحقيقي للمعامل، وكانت وزارة الصحة السورية قد رفعت أسعار الأدوية تدريجياً حتى العام 2015، ووصلت الزيادات إلى نحو (120%) على مختلف أسعار الأدوية.
وحسبما أورد موقع الجمهورية، للصحفي مصطفى أبو شمس بتاريخ 11/6/2020، تحقيقاً بعنوان “الدواء السوري يتلاشى”، أنّ الصحفية رانيا عيسى أخبرت الموقع في تحقيق لم ينشر بعد، أنّ وزارة الصحة السورية في العام2017، و2018، رفعت أسعار الدواء بنسبة تتراوح بين(10 إلى 80%)، وكذلك ارتفعت الزمر الدوائية بشكل فردي.
وتضيف عيسى للجمهورية، أنّ الدكتور حبيب عبود، معاون وزير الصحة، قال: “إنّ أغلب معامل الأدوية خاسرة، وإنّ (70%) من الأدوية، مازالت دون سعر (500) ليرة سورية”.
وكان وزير الصحة اليازجي قال: “إنّه لا وجود لانقطاع في الأدوية السورية، وإنما هناك فقدان لبعض الأدوية التي يمكن الاستعاضة عنها ببدائل من التراكيب العلمية نفسها من معامل أخرى، وإنّه لا مبرر لمعامل الدواء وقف إنتاج الدواء، وإن الحكومة تتحمل دعم تمويل مستوردات هذه المعامل من المواد الأولية وباقي المستلزمات، بسعر تفضيلي محدد (700) ليرة للدولار، وإنّه يتم تسعير الأصناف الدوائية بشكل تسلسلي بناء على آلية التمويل الجديدة، وتم تسعير (1400) صنف من أصل (11800) زمرة دوائية.
وبذات السياق الزمني نقل المكتب الإعلامي في وزارة الصحة، عن الوزير اليازجي، أنه تم إلغاء قيمة تأمين الاستيراد البالغة (40%) من قيمة المستوردات، واحتساب الرسوم الجمركية لمواد ومستلزمات الصناعة الدوائية على أساس سعر صرف الدولار الرسمي (438 ليرة سورية للدولار)، وتخفيض عمولات تحويل قيمة المستوردات بالقطع الأجنبية بنسبة (5%)، ما يعطي الصناعيين مزايا سعرية تنافسية ناتجة عن انخفاض التكاليف مع استمرار وزارة الصحة بالسماح للمعامل بتصدير أدويتها بعد تحقيق الاكتفاء في السوق المحلية.
أما نقابة الصيادلة المركزية وفرعي دمشق واللاذقية، تحدّثوا عن ندرة الأدوية ونقص في أكثر من (400) زمرة دوائية، خاصة تلك المختصة بالأمراض المزمنة والمضادات الحيوية، وذكر نقيب صيادلة دمشق أنّ هناك نقصاً كبيراً في الأدوية، خاصة النوعية منها، وأنّ النقابة تواصلت مع معامل الأدوية لتغطية النواقص، إلا أنّ الكميات في مستودعات النقابة لا تغطي احتياجات المواطنين، بينما لخصت نقابة صيادلة سوريا ما يحدث على صفحتها في فيس بوك بالقول: “الحظر بجميع دول العالم أغلق جميع المهن ماعدا الصيدليات، إلا عنا فتحت كل المهن وتسكرت الصيدليات”.
إنّ ما تقدّمت به النقابة المركزية ونقيب صيادلة دمشق ونقابة صيادلة سوريا، نقيض ما قال به الوزير اليازجي ومكتب الوزارة الإعلامي، وذلك ما ذهب إليه صاحب معمل أدوية (ألفا)، المقرّب من النظام، فارس الشهابي، في تعليقات نشرتها المواقع الالكترونية عن صفحته، بأنّ البنك المركزي لم يموّل المعامل “بقشة”، وأنّ هناك بعض الأدوية ينقص سعرها عن ثمن “علكة”.
عن ذلك كله تحدثنا إلى الصيدلاني (أ.ي)، الذي يعمل في غوطة دمشق، فقال: “إنّ أسعار الدواء منذ شهر لا تستقر على حال، فالعديد من الأدوية شهدت ارتفاعات متتالية مثل (سبيروجيل من إنتاج دياموند فارما في ريف دمشق (650 إلى 975 إلى1750) ليرة سورية، ومثال آخر “هاسي-كيمو” من إنتاج معمل النورس للصناعات الدوائية في حماة (625 إلى 1200) ليرة سورية، ورمايسين بلس من إنتاج شركة بحري ريف دمشق من (600 إلى1750)”.
وأضاف، أنّ حصة الصيدلية لا تتجاوز قطعتين أو ثلاثة من الدواء من كل صنف، أسبوعياً، واحتكار بعض المعامل والمستودعات للأدوية التي تباع بأسعار مضاعفة في السوق السوداء”. وأكد الصيدلاني أنّ الشركات إلى الآن رفعت أسعار أقل من (5000) نوع دوائي فقط، من أصل (120) ألف نوع دوائي منتج محلياً.
إنّ الدواء ملح الحياة للمرضى، وهذا ما يجب أن يوضع في أولوية الأولويات بالنسبة للحكومة السورية، ووزارة الصحة، وأصحاب المعامل، والصيادلة، والبنك السوري المركزي، فحياة الإنسان السوري أينما وجد هي الأهم، لكن في ظل ما وصلت إليه الأوضاع في مناطق سيطرة النظام، على ما يبدو أنّه لم يعد هناك أولويات، رغم عودة الصيدليات إلى العمل بالحدود الدنيا، إذ أصبحت الأدوية أسعارها تتضاعف وترتفع وهي على الرفوف في المستودعات والصيدليات. فلماذا يتم البيع الآن بينما إذا أجلت عملية البيع لعدة أشهر الأسعار سوف تتضاعف، وبالتالي الصيدلاني لا يحتاج إلى ضخ رأسمال جديد حتى تبقى صيدليته قادرة على متابعة العمل؟. هذا على الصعيد الفردي، أما على الصعيد العام، فالرقابة تحتاج إلى تشديد على أسباب الإغلاق لكل صيدلية خلال هذه الفترة.
أخيراً، كل هذا في زمن الكورونا، ولم يظهر مفاعيل قانون قيصر في السوق السورية لاستمرار عمليات التهريب، ولوجود ما تبقى من المواد الأولية القابلة للتصنيع. فهل سوف يستمر سوق الدواء السوري في مناطق النظام في الارتفاع، أم سيشهد تدخل حكومي لوقف استنزاف المواطن السوري في دوائه؟ّ.
– بسام سفر
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
من وحي الساحات في سوريا
- December 19, 2024
من وحي الساحات في سوريا
ليفانت-خاص
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!