-
دراما الديكتاتور
دراما الديكتاتور
جمال مامو - ليفانت
لم تكن الحلقة الثالثة والعشرون من مسلسل "كونتاك"، الذي انتجته شركة إيمار الشام لمالكها رجل الأعمال المقرب من النظام سامر الفوز، والتي ظهرت فيها الممثلة أمل عرفة بدور امرأة تمثل بشكل ساخر مشهد إنتشال عناصر الدفاع المدني (الخوذ البيضاء) لأطفالها من تحت الأنقاض منفصلة عن سياق السردية الإعلامية التي دأب النظام على ترويجها عبر وسائل إعلامه منذ اندلاع الثورة السورية في مطلع عام 2011، فالثورة التي طالما عمل النظام على شيطنتها وإتهامها بإتهامات تبدأ بأنها تمثل مؤامرة كونية يقودوها مندسون يعملون لصالح أجهزة استخبارات غربية ودول إقليمية "معادية لنهج النظام المقاوم والممانع"، ولا تنتهي بفبركة ارتباطاتها ب "الإرهاب الإسلامي العالمي" و "إمارات القاعدة الجهادية"، أضحت شغله الشاغل الذي ينبغي مواجهته بكافة الوسائل المتاحة في جعبته.
في هذا السياق، احتلت الدراما التلفزيونية بوصفها فناً جماهيرياً موقعاً مهماً من بين تلك الوسائل المتاحة التي يمتلك فيها النظام رصيداً قوياً وإرثاً راسخا،ً كأداة لإنتاج الأكاذيب وكوسيلة فنية لترويج لسردية النظام عن وقائع الثورة وتطورات آليات فعلها وردود فعلها الميدانية والنظرية، أي في تحولاتها من أعمال احتجاج شعبية عامة ذات طابع سلمي، إلى أعمال عنف متفرقة، ثم إلى حرب واسعة النطاق يشارك فيها فاعلون محليون وإقليميون وعالميون.
في المشهد الدرامي السوري يمكننا ملاحظة أن الدارما السورية حالها حال المجتمع السوري، شهدت تغيرات كبيرة في الشكل والمضمون والكم خلال السنوات الماضية، فانخفض انتاجها في بدايات الثورة ثم تحولت بشكل منهجي إلى دراما متعددة الجنسيات في السنوات اللاحقة بعد دخول ممثلين عرب على خط المشاركة، الأمر الذي فرضه الانتقال للتصوير خارج سوريا بسبب اضطرار كثير من الممثلين والعاملين في قطاع الدراما إلى مغادرة البلاد، إضافة إلى سوء الأوضاع الأمنية وتعذر التصوير الخارجي في أماكن كثيرة لأسباب أمنية.
منذ اندلاع الثورة دأب النظام على استغلال المواسم الرمضانية، التي تشهد عادة زيادة ملحوظة في متابعة المسلسلات الدرامية المحلية من أجل تقديم رؤيته لما تطلق عليه وسائل إعلامه اسم "الأزمة"، عبر مسلسلات درامية تقوم بإنتاجها شركات محسوبة عليه أو تدور في فلكه،فجرى إنتاج أعمال درامية تتوافق مع رؤية النظام بهدف تشكيل الوعي الثقافي والاجتماعي والسياسي للمشاهد السوري أولاً والعربي ثانياً.
عبر متابعة أهم أعمال الموسم الحالي يمكننا تحديد سرديّتين رئيسيّتين اشتغلت عليها الدراما السورية الاجتماعية أو المعاصرة، التي تستقي مادتها الفنية من الواقع السوري اليومي. السردية الأولى هي سرديّة النظام عن "الأزمة السوريّة"، إذ تتبنّى هذه الأعمال رواية النظام عن الوقائع التي جرت في السنوات القليلة الماضية، ودور "الأطراف المتآمرة في هذه الأزمة".من بين هذه الأعمال مسلسل "كونتاك" الذي ظهرت في حلقته الثالثة والعشرون الممثلة أمل عرفة في مشهد يعرض حادثة استخدام السلاح الكيماوي ضد المدنيّين السوريّين،بطريقة ساخرة يمثل فيها المشاركون بشكل مفتعل ومفبرك دور الضحايا، بينما يقوم المخرج بتصوير المشهد على أنه دراما تلفزيونية، وذلك تجسيداً لأحد سرديّات النظام عن المجزرة التي ارتكبها في مناطق مختلفة من سوريا.
أما السردية الثانية فهي سرديّة الشر المتأصل والفساد الذي يعشعش في عالمنا "الغريب" والذي يتحمل الجميع مسؤوليته بشكل متساوٍ فتشيع جملة "دود الخل منو وفيه" بمعنى أن كل السوريين شاركوا في صناعة مأساتهم بسبب فسادهم أو ارتباطهم بفاسدين أنانيين بحيث تبدو مسؤولية النظام عن الفساد مساوية لمسؤولية المجتمع " الفاسد أخلاقياً"!!
شكل المسلسل السوري "دقيقة صمت" صدمة مشوقة لبعض المشاهدين السوريين بسبب ملامسته بعض المناطق المحرمة في المشهد السوري. فجاءت ردود فعل الجمهور متفاوتة ودالة على الانقسام الحاد بين السوريين المعارضين والمؤيدين للنظام، فأيده قسم كبير من مشاهدي "جمهور الثورة" ورفضه قسم أخر ممن يمكن اعتبارهم "جمهور النظام". مع تتابع حلقات المسلسل بلغت الانقسامات حوله درجة أن كاتباً درامياً يعرف بتأييده للنظام اتهم كاتب المسلسل ب "التحريض الطائفي"،معتبراً إياه "ترجمة درامية لفتاوى ابن تيمية "!! في حين ارتفعت بعض الأصوات منتقدة العمل لأسباب فنية وسياسية حيث رأى أصحابها أن المسلسل يختصر أسباب المأساة السورية بممارسات مجموعة من الضباط الفاسدين ،في المقابل أيدته أصوات أخرى معتبرة إياه صرخة جريئة في مملكة الصمت الأسدية التي تحول إلى موطن للشبيحة وميليشيات القتل الطائفي.
غير أن مايمكن الإتفاق عليه بين "جمهور الثورة" على الأقل أن الدراما السورية مازالت قاصرة عن تصوير حجم المأساة السورية وتبيان الأسباب الحقيقية لها لاسيما أن معظم الجهات المنتجة والعاملة فيها تدين بالولاء للشركات المنتجة التي يمتلكها رجال أعمال مقربين من النظام لا هم لهم سوى الربح حتى لو كان ذلك لا يتحقق إلا بتنظيف سمعة القاتل و على حساب دم السوريين الذي ملأ شاشات العالم كلها ماعدا شاشة دراماهم المحلية!
دراما الديكتاتور
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!