الوضع المظلم
الثلاثاء ٠٥ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • اليونان وقبرص تنجوان من سيناريو “قره باغ”.. وسراب “الوطن الأزرق” التركي للزوال

اليونان وقبرص تنجوان من سيناريو “قره باغ”.. وسراب “الوطن الأزرق” التركي للزوال
اليونان


لم تفلح كل المساعي التركية واستعراض العضلات المفتولة بالمناورات البحرية والجوية في ترهيب اليونان، فاختارت الأخيرة الزود والدفاع عن حقوقها، على الرغم مما تحمله تلك الخيارات من مصاعب جمّة كانت قد تؤدّي في نهاية المطاف نحو نزاع مسلح بين جيشين في حلف شمال الأطلسي.


فتركيا التي رسمت لنفسها إستراتيجية الوطن الأزرق الساعية إلى سيطرة النفوذ التركي عملياً في ثلاثة بحار، هي الأسود وإيجه والمتوسط، لم تُعر اهتماماً لحقوق جيرانها، وتجاوزت في مطامعها وأحلامها الحدود المعينة لباقي الدول في مياهها الإقليمية، واضعة في الغالب مواجهتها عسكرياً فيما لو عاندت ولم تخضع لرغبات أنقرة بالترهيب.


الناتو يجني تعب باريس


لم ينجح الناتو في فرض حلوله على أنقرة وأثينا، خاصة أنّ القانون يصبّ في صالح الأخيرة، كون تركيا تسعى للبحث والتنقيب عن الموارد الطاقة في مياه أثينا الإقليمية، وبقي “الحلف” في موقف المتفرّج على الرغم من أنّ الصراع كان متوجّهاً صوب مواجهة مسلحة بين الجانبين، وهي تثبت كما في كل مرة أنّها “ميتة دماغياً”، كما وصفها الرئيس الفرنسي ماكرون سابقاً.


اقرأ أيضاً: التطبيع مع إسرائيل يُرهب إيران.. والخليج: من هناك تُأكل الكتف


لكنه استفاد من الجهود الفرنسية في مواجهة أنقرة، من خلال التدخل لدى الأخيرة بصفة طرف ثالث محايد، فكشف “الحلف” في الأول من أكتوبر، عن تشكيل آلية عسكرية لفض النزاع بين أنقرة وأثينا في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط، إذ ذكر خلال بيان أنّ تلك الآلية “تهدف إلى خفض مخاطر وقوع اشتباكات عسكرية أو حوادث غير متعمدة في منطقة شرق المتوسط”، موضحاً أنّها “تشمل إقامة خط ساخن بين اليونان وتركيا سيجري استخدامه لفض النزاعات في البحر والجو”.


امتعاض تركي من أوروبا


وبالرغم من الاتفاق الذي أعلن عنه الناتو، لكن الأكيد أنّه لم يأتِ بجهود الناتو، بقدر من أنّه كان نتيجة الجهود الفرنسية التي قادت حلفاً غير رسمي بين مجموعة دول أوروبية، كما استطاعت تهديد أنقرة بالعقوبات في قمة الاتحاد المنعقدة يومي الأول والثاني من أكتوبر، ولأنّ أنقرة ممتعضة من ذلك، بدت وكأنّها تسعى لإقصاء بروكسل من الحل، في انتقام غير قادرة على الإفصاح عنه، خاصة وأنّها ما زالت مُراقبة لمدة ثلاثة أشهر، حتى قمة الاتحاد المُقررة في ديسمبر القادم، كما أنّ سيف العقوبات الأوروبية مازال مُسلّطاً عليها حتى ذلك الحين.


اقرأ أيضاً: الإسلام السياسي يجعل عموم المسلمين يدفعون ثمن راديكاليتهم


وهو ما يمكن استخلاصه من تصريح المتحدّث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم قالن، الذي قال في الرابع من أكتوبر، إنّ أنقرة وأثينا ستحلّان الخلافات العالقة بينهما ثنائياً، وليس عبر الاتحاد الأوروبي، مشيراً إلى أنّ “البيان الختامي لليوم الأول من القمة لم يكن مرضياً بالنسبة إلى تركيا، لأنّ اللغة المستخدمة خاضعة لابتزازات الشطر الرومي من جزيرة قبرص”، زاعماً أنّ “المعلومات التي حصل عليها من القمة، تشير إلى أنّ العديد من الدول الأوروبية أبدت انزعاجها من المواقف المتعجرفة لإدارة جنوب قبرص الرومية”.


أنقرة تسعى لتنظيف سجلها


وبالتوازي مع تلك التصريحات، كشفت معطيات “رفينيتيف أيكون” للملاحة، في الخامس من أكتوبر، أنّ سفينة التنقيب التركية “ياووز” تركت المنطقة التي كانت تعمل بها بجنوب غربي قبرص وبلغت الساحل التركي، وأفصحت معطيات تعقب حركة السفن أنّ السفينة “ياووز” رُصدت قرب ميناء تاشوجو التركي في إقليم مرسين عقب أن أبحرت، من منطقة تقع إلى الجنوب الغربي من قبرص، وهو انسحابٌ دفع الاتحاد الأوروبي للترحيب به، حيث قال متحدّث باسم المفوضية الأوروبيّة، إنّ رحيل السفينة يُعدّ “خطوة أخرى مرحب بها باتجاه خفض التصعيد في شرق المتوسط”، مُعرباً عن أمله “في خطوات أخرى مماثلة في هذا الاتجاه”، ووصف الخطوة التركية بأنّها “إشارة مهمة”.


لكن أنقرة وكعادتها، بقيت تُحاول اللعب على المصطلحات لتبرير تخليها عن شعاراتها الشعبوية التي أطلقتها القيادة التركية على مدار شهور، حول حقوقهم المزعومة فيما يسمى بـ”الوطن الأزرق”، دون أن يكون لدى القادة الأتراك الجرأة على الإقرار بالهزيمة التي ألحقت بهم عملياً، وأجبرتهم على الانسحاب تدريجياً من المتوسط، فيما ما يزال بعض الأتراك ومن يوالونهم من تنظيمات الإسلام السياسي، يسعون لتبرير تلك الانسحابات بـصيانة السفن وإصلاحها، وهي حججٌ يحاول من خلالها النظام التركي الهرب من حقيقة فشله في تحقيق أحلام جوفاء مرسومة في مخيلة بعض جنرالاتها المصابين بـ”جنون العظمة”.


اقرأ أيضاً: العـقـوبات الأمـريـكـيـة لا تـعـرف كـبـيـراً.. وتـضـع الـعـصـي بــعـجـلـة الاقـتـصـاد الـصــيـنـي


حيث كرّر وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو، مزاعمه من أنّ لبلاده حقوقاً في شرق المتوسط ستواصل أنقرة حمايتها، فيما لم يتمكّن الرئيس التركي، من كتمان غيظه من الأوروبيين، وتحديداً (قبرص واليونان)، ليشتكي إلى ألمانيا، حيث اعتبر أردوغان خلال لقاء مع المستشارة الألمانية، أنغيلا ميركل، في السادس من أكتوبر، أنّ الاتحاد الأوروبي “خضع لضغوط وابتزازات اليونان وإدارة جنوب قبرص” فيما يتعلّق بالوضع شرق المتوسط، مشدّداً على “ضرورة عدم تضحية أوروبا بمصالح كبيرة من أجل مصالح صغيرة لبعض الأعضاء”.


كما تريد أثينا


وفي كل الحالات، فإنّ الموقف الأوروبي المُوحد (الغائب في البدء) الذي كان من الممكن أن يردع أنقرة، وساهم لوقت طويل في إفساح المجال لمحاولات الابتزاز والترهيب التركية لـ”أثينا وقبرص”، قد تشكل في قمة الاتحاد الأخيرة، بداية أكتوبر، وعليه، فإنّ أنقرة ستتحمل بشكل فوري عواقب أي إجراءات استفزازية قد تطبقها في المتوسط، وهو ما يبدو أنّ القيادة التركية قد تراجعت عنه، أقلّه في الوقت الحاضر، الأمر الذي يمكن استشفاؤه من حديث رئيس الوزراء اليوناني، كيرياكوس ميتسوتاكيس، في السادس من أكتوبر، عندما أعلن عن ترحيب بلاده بتحركات تركيا لتهدئة التوترات في شرق البحر المتوسط، وأنّ أنقرة في حاجة لإظهار التزام أقوى بتحسين العلاقات.


كما أضاف ميتسوتاكيس، بعد محادثات في أثينا مع الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، ينس ستولتنبرغ: “بلدنا يرحب بأول خطوة إيجابية تقوم بها تركيا إزاء تهدئة التوترات الأخيرة”، متابعاً: “الآن يبقى أن نرى ما إذا كانت الخطوة التركية صادقة أم أنّها مناورة قصيرة الأمد”، مردفاً أنّ اليونان ملتزمة بالحوار والدبلوماسية لحل أي خلاف، موضحاً أنّ “الأمر متروك لتركيا لإغلاق طريق الأزمة وفتح طريق الحل، نحن مستعدّون للقائها في ذلك المسار الثاني، وأنا متفائل بأنّ هذا هو الطريق الذي سنتخذه لصالح شعبينا”.


اقرأ أيضاً: لهيب كورونا يحرق أوراق ترامب في مُواجهة بايدن


وتلى ذلك في الثامن من أكتوبر الجاري، الإعلان عن اجتماع وزيري خارجية تركيا، مولود تشاووش، أوغلو واليونان، نيكوس ديندياس، ضمن أول لقاء منذ بدء التصعيد بين الجانبين شرق المتوسط، حيث ناقشا على هامش منتدى الأمن العالمي في العاصمة السلوفاكية براتيسلافا، “قضايا ثنائية وإقليمية”.


ويبقى أن يقال، من التجربة في أرمينيا، ومناطق كثيرة في محيط تركيا كسوريا والعراق، ومناطق بعيدة عنها آلاف الكيلو مترات كـ”ليبيا”، بأنّه لولا التدخل الأوروبي الحازم مؤخراً، وبشكل خاص من “باريس” التي أسعفت أثينا وقبرص بطائرات وسفن حربية، فأغلب الظن أنّ المعارك الدائرة اليوم في “قره باغ/ آرتساخ”، كانت ستخاض رحاها في قبرص واليونان.


ليفانت-خاص


إعداد وتحرير: أحمد قطمة







 



كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!