الوضع المظلم
الجمعة ٠٨ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
النهضة المأزومة في تونس.. متى تسقط عباءة المنتصر؟
النهضة المأزومة في تونس.. متى تسقط عباءة المنتصر؟

رشا عمار


في 14 نوفمبر/تشرين الثاني بدت شمس المغيب في تونس باهته، وكأن عجلة الزمان تدور للخلف، ووسط أجواء غلبت عليها خيبة الأمل انتخب راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة، الذراع السياسي لجماعة الإخوان لتونس رئيسًا للبرلمان.


مشهد يبدو للمراقب في البداية بأنه انتصار للجماعة المأزومة، التي أوشكت على الانهيار كليًا بعد السقوط المدوي بمصر وتونس واليمن وليبيا في أعقاب ثورات مليونيه عبّرت عن غضب شعبي عارم أطاح بحكم الإخوان بعد أقل من سنة عن الحكم في عدة بلدان عربية.


لكن نظرة عميقة للوضع الراهن كفيلة بكشف الأمور على حقيقتها، لتنكشف حقيقة أن صعود التنظيم لرئاسة البرلمان لم يكن إلا خطأ جديد وقعت فيه الجماعة، لن تستطيع دفع عواقبه.


 


مأزق تشكيل الحكومة


تقف إشكالية التآلف من أجل تشكيل الحكومة التونسية كأحد أبرز العقبات أمام جماعة الإخوان بعد الحصول على أغلبية البرلمان، والسبب هو رفض الأحزاب في التحالف معها.


ووصف السياسي التونسي منذر قفراش وضع الجماعة الحالي بأنه مأزق حقيقي، فهي تبدو عاجزة عن تشكيل الحكومة في ظل الرافض القاطع من القوى السياسية الممثلة في البرلمان وأبرزها قلب تونس، الدستوري الحر وحركة الشعب المتحالف معها لتشكيل حكومة جديدة مما سيضعها أمام اختيار مُر، بالدعوة إلى انتخابات مبكرة.


يقول "قفراش" إن رئيس الحكومة المقترح الحبيب الجملي فشل في إقناع الأحزاب السياسية بالتعاون معه من أجل تشكيل الحكومة، وهو ما يجعل جماعة الإخوان في ورطة، خاصة أن خيار إجراء انتخابات برلمانية مبكرة هو احتمال مرعب للجماعة التي بدأت بالكاد في التقاط أنفاسها بعد معارك صخبة وانهيارات متواصلة أعقبت التنحي عن الحكم بفعل الحراك الثوري، وهي مهددة بشكل كبير لخسارة الأغلبية في حال إجراء انتخابات مبكرة.


"النهضة" تحاول اللعب على ورقة الوزراء المستقلين لتفادي عجلات القطار، لكنه ليس خيار سهل، وبالرغم من الوعود البراقة والمزايا غير المسبوقة التي طرحها حزب الإخوان على بعض النواب المستقلين إلا أن الأمور لاتزال معلقة حتى الآن، وسط تحذيرات مدوية من مختلف الطوائف السياسية بخطر عودة الإخوان للسلطة التنفيذية، وهو ما يعد نسف لمكتسبات الثورة التونسية، على حد وصف المراقبين.


وفي تصريح صحافي له قال الحبيب الجملي إنه التقى عدد من ممثلي القوى السياسية والأحزاب كمرحلة أولى لإجراءات تشكيل الحكومة، يتبعها لقاءات متواصلة مع الكفاءات الوطنية والسياسية.


ووصفت القوى السياسية محاولة الإخوان للاعتماد على الوزراء المستقلين باعتبارها تحايل من أجل تمرير الوزارات السيادية مثل الداخلية والمالية والدفاع، لقيادات الصفيين الثاني والثالث غير المعروف انتماؤهم للتنظيم. 


https://www.youtube.com/watch?v=fP3GiWQw2JA&feature=youtu.be


 


الجهاز السري


بشكل واضح تشير إصبع الاتهام إلى جماعة الإخوان عبر "التنظيم السري" بالضلوع بقضية اغتيال السياسيين شكري بلعيد ومحمد البراهمي اللذين قتلا عام 2013.


وتعد قضية الجهاز السري لإخوان تونس، أحد أبرز الملفات الشائكة بطريق النهضة، حيث تواجه الحركة الإخوانية اتهامات موسعة ومتلاحقة بعدة قضايا تتعلق باغتيال السياسيين والمعارضين، فضلًا عن ضغوط برلمانية متصاعدة على القضاء من أجل حسم القضية ومعاقبة قيادات الإخوان حال ثبوت اتهامهم، ومطالبات بحظر التنظيم نهائيًا إذا ثبت تورطه.


وكشفت وثائق نشرتها هيئة الدفاع عن السياسيين المعارضين التونسيين، نهاية سبتمبر/أيلول الماضي محادثات سرية جرت مطلع العام 2012 بين الإخواني مصطفى خذر رئيس التنظيم السري، المختص بتنفيذ العمليات النوعية وتصفية المعارضين، وقيادات التنظيم المحظور في مصر حول التنسيق والتعاون من أجل تحقيق ما يسميه الإخوان "أستاذية العالم"، أو الوصول إلى الحكم في عدة دول عربية بوقت متزامن، وهو حلم الأب المؤسس حسن البنا.


وشملت الوثائق اتفاق واضح بين "خذر" وقيادات التنظيم بمصر حول ضرورة التخلص من قوى المعارضة التي تشكل عائقًا أمام تمدد المشروع الإسلامي وتحديدًا اليسار، أو إخافتهم على الأقل حتى يتسع المجال للإخوان.


وعاقب القضاء التونسي مواطنه مصطفى خذر بالسجن 8 سنوات بتهمة تأسيس تنظيم سري يهدد أمن البلاد.


ويؤكد عضو هيئة الدفاع عن بلعيد والبراهمي المحامي نزار السنوسي أن "خذر" كان على علاقة قوية واتصال مباشر بقيادات حركة النهضة وفي مقدمتهم راشد الغنوشي، ووزير العدل الإخواني السابق نور الدين البحيري، ورئيس الحكومة السابق على العريض.


وبالرغم من نفي حركة النهضة مرارًا أي علاقة لها بالقضية إلا أن التحقيقات لاتزال جارية، ومكثفة للوصول إلى الحقيقة، التي إذا أثبتت العلاقة بينهم وضعت النهضة في خانة الحظر إلى جوار إخوانها في مصر وعدة دول أخرى.


وبسؤاله عن القضية قال قيس سعيد الرئيس التونسي المنتخب مؤخرًا، أن القانون يجب أن يطبق على الجميع وأنه ملزم باتخاذ كافة الإجراءات القانونية ومعاقبة المسؤولين عن أي جرائم أيًا كانت مكانتهم.


 


حرباء إخوانية متلونة


لا يمكن أن يختلف شخصان في الشارع التونسي أو العربي على انتماء حركة النهضة للإخوان تنظيميًا وفكريًا، إلا أن عملية التلون المستمر من أجل كسب التأييد والتعاطف هي السمة الغالبة على الحركة منذ نشأتها.


تقدم حركة النهضة بزعامة راشد الغنوشي نفسها باعتبارها النسخة الأكثر رقيًا من جماعة الإخوان المصرية ذات الفكر المتشدد، خاصة أن الغنوشي نجح في صياغة نظريات ومرجعيات فقهية اتسمت بالانفتاح فعلاً عما وضعه المنظرون الأوائل في التنظيم أمثال سيد قطب وحسن البنا.


لكن الحقيقة تقر بأن إخوان تونس لم يكونوا سوى وجهة جميل للفكرة القبيحة نفسها، وكلاهما جذر متأصل للإرهاب والدموية ورفض الآخر.


وكشفت الوثائق التي سربتها هيئة الدفاع عن السياسيين المعارضين التونسيين، وجود تنسيق كبير بين إخوان ومصر في عام 2012، كما بينت نشاط مكثف لإخوان مصر داخل تونس، وألقت الضوء على الدور الذي لعبوه في تأسيس الجهاز السري.


ويعد راشد الغنوشي واحدًا من أبرز الوجوه الحاضرة باجتماعات التنظيم الدولي التي عقدت بشكل مكثف في إسطنبول حيث يقيم عشرات القيادات الإخوانية الهاربة من مصر عقب ثورة 30 يونيو/حزيران، وهو ما يؤكد دون شك التنسيق المباشر والعلاقة المستمرة بين الجانبين.


 


الغنوشي.. الأسد العجوز يواجه أزمة طاحنة


ويقول أحمد عطا الباحث المتخصص بمنتدى الشرق الأوسط للدراسات بلندن، إن "الغنوشي" يسعى إلى توريث قيادة حركة النهضة للمجموعة المحيطة به والتي نفذت سياساته طيلة سنوات، مشيرًا إلى أنه عمل على تقديم وجوه جديدة للوسط السياسي غير التي استهلكت في حكم الترويكا أمثال زياد العذاري وعماد الحمامي وغيرهم.


وأوضح "عطا" في تصريح لـ"ليفانت" أن صعود راشد الغنوشي لرئاسة البرلمان ستضعه في مواجهة مباشرة وصدامية مع الأحداث والقوى الغاضبة من سياسات التنظيم، مما قد يعجّل بنهايته ويجعل البرلمان هو المحطة الأخيرة في رحلة الشيخ، الذي دأب على بناء امبراطورية متفرعة الأطراف ومتعددة الأهداف تسعى لتصدر المشهد كبديل عن إخوان مصر في ظل أزمة الجماعة الراهنة والتصدعات المتلاحقة التي مرت عليها.


"عطا" يرى أن كل السيناريوهات المطروحة أمام الغنوشي تعد خيارات صعبة ومصيرية في ظل فترة صعبة، تشهدها حركة الإخوان في العالم ويعلّق التنظيم الدولي أماله على تونس باعتبارها المنفذ الوحيد لعودة الجماعة للنور، موضحًا أن الفترة الحالية تشبه المرحلة الانتقالية الفاصلة بين رئاسة الزعيم التاريخي والقيادة التي ستخلف الأسد العجوز، مؤكداً أنها فترة سيولة ستجعل حركة النهضة غير قادرة على قبض زمام الأمور وحسم المعركة لصالحها.


في الظاهر يرتدي إخوان تونس عباءة المنتصر بوصول راشد الغنوشي إلى رئاسة البرلمان، لكن بالنظر إلى حقيقة الأمور ندرك واقع مهزوم وموقف ضعيف، فلا هم وصلوا للحكم مرة ثانية بعد سقوط مدوي وغضب شعبي كاسح، ولا حتى نجحوا في الحصول على أغلبية تمكنهم من فرض شروطهم لتشكيل الحكومة، فضلًا عن عجزهم إقناع القوى السياسية ذات التمثيل القوي بالبرلمان وفي مقدمتها  قلب تونس والدستوري الحر وحركة الشعب، من إبرام تحالف من أجل تشكيل الحكومة، وهنا ندرك أن الجماعة دخلت مخاطرة جديدة ستواجه عواقبها حتمًا عندما دفعت بالغنوشي لرئاسة البرلمان.


 

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!