-
الجلسة العشرون، تساؤلات عن تعرف المتهم أنور رسلان على أحد ضحاياه
بدأت الجلسة العشرون من محاكمة المتهمين أنور رسلان وإياد الغريب بوقتٍ متأخرٍ على عكسِ كل الجلسات السابقة حيث كانت تبدأ تمام الساعة التاسعة والنصف صباحاً بتوقيت ألمانيا بشكل دائم. أما اليوم فقد بدأت الساعة الحادية عشر صباحاً لأسباب تتعلق أولاً بالشاهد وثانياً بالمتهم إياد الذي وصل متأخراً وشوهد للمرة الأولى والقيود في يديه حتى دخل قاعة المحكمة وتمت إزالتهم، ومن ثم بعد نهاية الجلسة تم تقيده مرة أخرى. أنور رسلان
الشاهد لؤي.ح، إدلبي الأصل وتولد مدينة دوما في غوطة دمشق الشرقية، ومعتقلٌ سابقٌ لدى فروع أمن الدولة. تم عرض المتهمين على الشاهد بداية الجلسة وطُلب منه محاولة التعرف عليهما ولكنه لم يستطع تميزهما.
سُئل الشاهد بدايةً عن قصة اعتقاله فبدأ بروايتها حيث قال أنه كان يسكن بمكان قريب جداً من فرع الخطيب وأنه كان يمر بشكل يومي من الحاجز التابع للفرع ذاته، وفي اليوم الخامس من الشهر التاسع لعام 2012 أوقفه الحاجز كما العادة حوالي الساعة الواحدة ليلاً وعندما رأى أنه تولد مدينة دوما قام باعتقاله. تم اقتياد لؤي لسجن الفرع وتفتيشه قبل دخوله للزنزانة ووصف عملية التفتيش كما وصفها كل الشهود الذين أدلوا بشهادتهم سابقاً. ثم تم اقتياده للزنزانة الخارجية في الفرع. تحدث لؤي عن عدد المعتقلين هناك وأنه كان يتجاوز المئتي معتقل لدرجة أنه بقي واقفاً بعد دخوله لأنه لم يجد مكاناً يجلس فيه، وعن قلة الهواء داخل الزنزانة وكمية التعرق الكبيرة نتيجة الحرارة المرتفعة والسقف الحديدي لها والعدد الكبير للمعتقلين داخلها.
ثم تحدث أكثر عن تفاصيل الزنزانة الخارجية حيث قال أن بها صنبور ماءٍ واحدٍ فقط ومرحاضٌ واحدٌ أيضاً، وعلى حائطها اليميني ثلاث نوافذ تطل على غرف التحقيق ومن خلالها كانوا يسمعون أصوات التعذيب، وعلى حائط الزنزانة اليساري كان هناك شباكٌ ضيقٌ على عرض الحائط يقع تماماً تحت الشارع، زجاجه سميكٌ جداً وخلفه قضبانٌ حديديه والكثير من الأوساخ والغبار بحيث يستحيل دخول الضوء أو تميز الليل من النهار من خلاله إلا بدرجة بسيطة كما قال الشاهد.
وعن المساحة المتاحة لكل معتقل فقد قال الشاهد أن لكل شخص الحق بالوقوف على مساحة بلاطة واحدة والتي تبلغ تقريباً 40 سم طولاً وعرضاً، أما أولئك المصابين فقد كان هناك جزء من الحائط الأيسر يدعونه المشفى يستند عليه كل المصابين ويحق لهم أخذ مساحة أكثر من بلاطة واحدة.
ثم تحدث عن احتياج المعتقل لثلاث أو أربع ساعات حتى يستطيع الدخول للمرحاض وأنه للوصول للمرحاض في أقصى الزاوية اليمينة من الزنزانة كان لابد من المشي فوق الأجساد المتراكمة لدرجة عدم القدرة على رؤية الأرض تحتها. أخبر لؤي المحكمة عن قيام العناصر داخل الفرع بقطع الماء لعدة ساعات أيضاً بشكل روتيني كي لايتمكن أحد من الشرب أو دخول المرحاض.
بسبب هذه الأوضاع الكارثية وتحديداً قلة النوم، حيث أن البعض يبقى عدة أيام دون نوم لعدم وجود مكان، فإن بعض المعتقلين يبدأون بالهلوسة وقال الشاهد أن منهم من فقد عقله نتيجة ذلك أيضاً.
انتقل بعدها الشاهد للحديث عن التحقيقات التي أجريت معه في فرع الخطيب حيث كانت أربعة تحقيقات سُئل في أحدها عن معرفته بشخص يدعى فادي.ز وحين أنكر معرفته قاموا بضربه بشدة وأخبروه أن أصدقائه قاموا بإنشاء صفحة فيس بوك بعد اعتقاله تحت اسم “الحرية للؤي” وقام فادي بوضع “إعجاب” عليها وبالتالي لابد أنه يعرفه خاصة أن فادي كان ناشطاً إعلامياً ومصوراً ومطلوباً للجهات الأمنية لقيامه بتصوير مظاهرات. بعد الكثير من التعذيب اعترف لؤي مرغماً أنه يعرف هذا الشخص ليتوقف الضرب بعد ذلك وتتم إعادته للزنزانة.
بعد طلب كلمات السر الخاصة بالشاهد على الإيميل والفيس بوك وتعذيبه لأنه لم يكن يستطع تذكرها في البداية، تم استدعائه مجدداً للتحقيق بعد أن وجودوا الكثير من صفحات التنسيقيات على حسابه في فيس بوك، وتم سؤاله عن نشاطاتهم والأشخاص فيهم ومدراء التنسيقيات وتعرض للتعذيب والضرب على قدميه بشدة لدرجة أن قدمه اليمين أصابها التهاب وتضاعف حجمها مما اضطر معالجته في الأسبوع الثالث من اعتقاله وإبقاءه في الممر وليس في الزنزانة لمدة خمس أيام ليستطيع مد قدمه ريثما تتحسن بعد أن تدهور وضعها بشكل كبير لدرجة بقاء آثار الالتهاب والورم الذي أصابها حتى اليوم. خلال هذا الأسبوع استطاع الشاهد رؤية الفرع من الداخل وقام بناءً على ذلك بتقديم رسم توضيحي للشرطة الجنائية في التحقيق الذي أجري معه قبل المحكمة وتم عرض الرسم التوضيحي للفرع وللزنزانة الخارجية في قاعة المحكمة. وصف الشاهد تعذيبهم له بأنه كان شديداً لدرجة أنه وفي إحدى المرات انقطعت القيود التي في يديه نتيجة الضرب فقاموا بتثبيته بأخشاب والاستمرار بضربه، وأنه في إحدى جولات التعذيب قام أحدهم بتلقين مسدسه ووضعه على رأس الشاهد ثم قال له: “إن لم تعترف بكل شيء الآن سأقتلك وأرميك في القمامة”.
قال الشاهد أن التحقيقات الأربعة أجريت معه في طابق آخر غير طابق السجن وأن التحقيق الأخير كان لطيفاً نوعاً ما ولم يتم ضربه به ولكن هذا الإجراء حدث معه في كل الأفرع الأمنية التي زارها لاحقاً سواءً في هذا الاعتقال الذي استمر تسعة أشهر أو اعتقاله الآخر من قبل فرع الجوية الذي استمر ستة أشهر، ويعتقد الشاهد أن سبب اللطافة منهم في التحقيق الأخير وظهورهم كأشخاص مختلفين تماماً عن الوحوش التي تعذب المعتقلين هو محاولتهم إقناع المعتقلين أن ما يفعلونه لصالحهم وأنهم أشخاصٌ جيدون.
وصف أيضاً الشاهد المطبخ الذي يتم تجميع المعتقلين فيه قبل أخذهم للتحقيق والذي يستطيع المعتقل فيه من تحسس الشمس والهواء لأول مرة وهو مكان وصفه أيضاً عدة شهود سابقين في المحكمة من بينهم الشاهد ع.ع والشاهد محمد نور طه. أنور رسلان
وتحدث تحديداً عن السجان المعروف بإسم “أبو غضب” والذي يعرفه معظم من اعتقل في فرع الخطيب وهو أحد المسؤولين عن تعذيب المعتقلين وكيف أنه كان يمسك بيده كابلاً رباعياً دائماً ويرتدي ملابس رياضية.
بعد سؤال القاضي الرئيسية للشاهد إن كان قد رأى جثثاً أجاب بأن العادة جرت أن يتم قرع أبواب المهاجع عند حدوث وفاة فقط لأنه من غير المسموح للمعتقلين قرع الأبواب وأن ذلك حدث أثناء وجوده قرابة الأربع مرات إحداها عندما كان في الممر حيث تم إخراج معتقل ليس كبيراً بالعمر ولكن جسده مائل للزرقة وبالغ النحف حتى تكاد عظامه تبرز من تحت الجلد ولا يرتدي إلا سروالاً داخلياً ولم يكن يأتِ بأي حركة ويبدو أن ظهره مكسور، أبقوه بجانبه مدة ثم جاؤوا وأخذوه.
سُئل بعدها الشاهد عن الأفرع الأخرى بعد فرع الخطيب فتحدث عن نقله لفرع إدارة المخابرات العامة (285) وكيف أن لديهم طرق أخرى بالتعذيب كحفلة الاستقبال وضرب الشاهد حد الإغماء حين استقباله وأنه وضع هناك في منفردة تتسع لشخص واحد ممد بطوله أي طولها أقل من مترين بعرض متر واحد، هو وست معتقلين آخرين، ثم انتقل لزنزانة أكبر قليلاً ثم جماعية ثم جماعية أخرى. المساحة بالعموم كانت أفضل من فرع الخطيب كما الطعام أيضاً بحسب وصف الشاهد ببعض المهاجع وليس كلها. هناك تعرف الشاهد على أداة التعذيب المسماة “الأخضر الإبراهيمي” وقام بوصفها للقضاة وكيف أن العساكر كانوا يقولون لهم: “تظنون أنه سيساعدكم؟ ويقصدون مبعوث الأمم المتحدة الأخضر الإبراهيمي، وحينها يبدأون بضربهم به ويقولون سترون كيف أنه لن يساعدكم”.
ثم تحدث عن تعذيبهم داخل المهاجع الجماعية أيضاً في الفرع 285 وأثناء الذهاب للمرحاض والذهاب لغرف التحقيق، وكيف كان يتم ضربه أثناء تغير الطبيب للضمادات على قدمه من قبل عنصر أمن بالوقت نفسه.
وعن آثار التعذيب على أجساد المعتقلين الآخرين التي من الممكن للمرء أن يراها بعد التحقيق معهم قال بأنها في معظم الأحيان خطوط حمراء مرسومة على الجسد نتيجة الضرب، وهناك آخرون كان يظهر عليهم الجروح والالتهابات أيضاً. أنور رسلان
تحدث الشاهد عن عدم قدرته على نسيان ماحدث معه وعدم قدرته على التخيل أن مثل هذه الوحشية كانت تحدث على بعد دقائق فقط من مكان سكنه قبل اعتقاله، وأن بعض الذكريات لازالت تعود له حتى الآن وعن حالة الخوف الشديدة التي عاشها بعد إخلاء سبيله لفترة قصيرة لدرجة جلوسه في زاوية الغرفة في كل مرة كان يسمع بها خطوات أحدهم على درج البناء الذي كان يسكن به.
وكان مما تحدث عنه الشاهد سماعه لثلاث أو أربع مرات أصوات نساء يصرخن تحت التعذيب وكيف كان لذلك الأمر أثراً بالغ السوء على المعتقلين.
قام الإدعاء العام بسؤال الشاهد عن أدوات التعذيب فقال أن المعتقلين فيما بينهم لا يتحدثون بماذا تم تعذيبهم لذلك هو يعرف فقط ما تم تعذيبه به وهو الكابل الرباعي والأخضر الإبراهيمي “ماسورة من الحديد ملفوفة بلاصق أخضر اللون” وما يدعى بقشاط الدبابة “وهو مطاط أسود كإطار السيارات يتم مدُّه بعدة طبقات بشكل مطاول وثخين”. ثم سألت المدعي العام تحديداً عن الشبح فأجاب الشاهد بأنهم لم يقوموا بشبحه في فرع الخطيب بيد أنه شُبح في اعتقاله الثاني من قبل فرع الجوية وكان أسوء نوع من الشبح حيث تم تقييد يديه خلف ظهره وربطهم بحبل معلق بالسقف بعد وقوفه على كرسي ثم سحب الكرسي من تحته ليصبح وزن جسمه بالكامل معلق بيديه المعكوستين للخلف والذي أدى لخلع في أحد أكتافه وغيابه عن الوعي فوراً. كما سُئل من قبل الإدعاء عن تعرضه أو تعرض أي معتقلين آخرين للإعتداء الجنسي في فرع الخطيب فأجاب بالنفي.
أما أسئلة محامي الدفاع من جهة المتهم أنور رسلان فقد شددت على نقطتين اثنتين وهما أولاً التأكيد على سؤال إن كان هناك أفرع أمنية أخرى في منطقة شارع بغداد أم لا وخاصة فرع الجوية، وكان هذا التأكيد على ما يبدو لإثبات أن ما حدث للمعتقل من تعذيب لم يحدث في فرع الخطيب، والنقطة الثانية تركزت على الاستجواب الرابع والأخير الذي خضع له الشاهد في فرع الخطيب حيث وصفه بأنه كن لطيفاً ولم يتم ضربه أو تعذيبه فيه. أنور رسلان
سأل محامي المتهم أنور الكثير عن هذا الاستجواب وعن عدد الأشخاص الذين تواجدوا في غرفة التحقيق حينها وعن طبيعة لطفهم معه ونبرة صوتهم ولهجتهم، وقد بدا هذا الاهتمام مأخوذاً من أسئلة قام المتهم أنور نفسه بكتابتها طوال الجلسة كما رآه الحضور وإعطائها لمترجمه الخاص الذي بدوره أعطاها للمحامي. كان المتهم أنور مهتماً كثيراً بأقوال الشاهد وقام بالنظر للشاهد عدة مرات بإمعان بحسب ما بدىللحضور، الأمر الذي على ما يبدو يُفهم منه أن المتهم أنور تذكر الشاهد وأنه كان هو من أجرى التحقيق الأخير معه (وهذا تحليلٌ شخصيٌ من قبل الحضور في المحكمة)، بيد أن الشاهد لم يستطع تذكر المتهم أنور رغم طلب القضاة منه مرتين النظر لوجه المتهمين وإخبار المحكمة إن تعرف عليهما أم لا.
قبل نهاية الجلسة بساعةٍ تقريباً لم يستطع الشاهد الاستمرار بالحديث بعد سرده لعدة تفاصيل مؤلمة فطلبت القاضي بالنيابة عنه استراحة لمدة عشر دقائق خيَّم فيها الصمت والحزن أرجاء القاعة بعد سماع تلك التفاصيل. عاد بعدها الشاهد لاستكمال الجلسة وانتهت تمام الساعة الثالثة مساءً. أنور رسلان
ليفانت – لونا وطفة
قد تحب أيضا
كاريكاتير
من وحي الساحات في سوريا
- December 19, 2024
من وحي الساحات في سوريا
ليفانت-خاص
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!