-
التقاطعات الإيرانية التركية تُحيّر أردوغان ما بين سليماني "الشهيد" أم القتيل!
ردّاً على بيان للسفارة الإيرانية في أنقرة، أن أردوغان وصف قاسم سليماني بـ"الشهيد"، زعم مسؤول تركي اليوم الأحد، أن أردوغان قدّم التعازي خلال الاتصال وحثّ إيران على تجنُّب التصعيد لكون سليماني يحمل صفة رسمية، لكنه لم يستخدم مصطلح "شهيد" على الإطلاق.
جاء ذلك عقب نشر موقع "روسيا اليوم" خبراً عن نعي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لـ قاسم سليماني بالقول: "أشعر بالأسى لفقدان الشهيد قاسم سليماني وأتفهم غضب شعب إيران ومرشدها ورئيسها"، وأردف في اتصال هاتفي مع نظيره الإيراني حسن روحاني: "شاهدت مراسم تشييع سليماني في العراق وهي تدل على شعبيته لدى الشعب العراقي"، معتبراً أن الولايات المتحدة "ارتكبت خطأ جسيماً باغتيال سليماني"، وادعى الرئيس التركي أن التدخل الخارجي والنزاع في المنطقة يحولان دون تحقيق الأمن والاستقرار فيها، زاعماً ضرورة "عدم السماح للتدخل الخارجي بما لا يعرض السلام والاستقرار في المنطقة للخطر".
تدخلات مشتركة..
تدخلات خارجية تحدث عنها الرئيس التركي، ويبدو أنه نسي لوهلة أو تناسئ ربما قرار برلمانه قبل أيام بتفويض جيشه للتدخل في بلد عربي على بعد قرابة ألف وخمسمئة كيلومتر في ليبيا، وذلك عقب تدخل مماثل تم في شمال سوريا أكتوبر الماضي، مما أسفر عن تهجير 300 ألف سوري من أرضه، بغية توطين من تحبذهم أنقرة من سورييها القريبين من تركيا أكثر من قربهم لشركائهم المفترضين في الوطن.
مشاريع توسعية..
ومن الواضح أنها تدخلات تحمل أهدافاً توسعية احتلالية، رغم ما تدعيه من مناصرة الشعوب أو الدفاع عنها، أو شعارات طائفية، إذ قال الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، في السابع عشر من يونيو الماضي، إن إيران وتركيا تحملان مشروعاً توسعياً لتطبيقه خارج حدودهما بدون وجه حق، وصرّح قائلاً: “الأمور تأزمت مع إيران وتركيا في الآونة الأخيرة إلى حد صار معهما الحوار صعباً، بل وغير مجد في الوقت الحالي، فالحوار لغرض الحوار، من دون إطار مفاهيمي يحكمه أو نقاط مرجعية تضبطه، لا يكون سوى تمرين ذهني، أو استعراض شكلي، لا يُعالج القضايا الجوهرية ولا يؤسس لعلاقة صحية”.
وقال أحمد أبو الغيط إن تركيا تروج للإسلام السياسي في ثوب من العثمانية الجديدة، وتسعى إلى الترويج لمنطلقاته الأيديولوجية في منطقة ثبت أنها ترفض هذا المشروع، وأضاف أن تركيا، تُعطي لنفسها الحق بالتدخل والتوغل في أراضي دول عربية دفاعاً عما تعتبره أمنها القومي، ومن دون أي اعتبار لأمن الآخرين أو سيادة الدول، وهو توجه مرفوض ولا يؤسس لعلاقة سليمة ومتوازنة بين طرفين تقوم على الاحترام المتبادل.
فُرصة للتغلغل والتمدد..
ولفت أبو الغيط حول تدخلات إيران في الشؤون الداخلية للدول العربية، إنها صارت بنداً دائماً على أجندة مجلس الجامعة العربية منذ 2015، قائلاً “نشاهد اليوم ما تُباشره إيران وأذرعها من تهديدات خطيرة للأمن القومي العربي.. بل وللأمن العالمي في واحد من أدق مفاصله المتعلقة بأمن طرق التجارة والممرات البحرية وسلامة المنشآت البحرية”، وبين أن طهران تعتبر أن المنطقة العربية ساحة مفتوحة ومباحة لمشروعها التوسعي، وتُعطي لنفسها حق التدخل في أزمات الدول العربية، بل إشعال هذه الأزمات في أحيان كثيرة، من أجل الدفع قُدماً بهذا المشروع الذي يتعارض مع أسس الدولة الوطنية على طول الخط، ويضرب بمبدأ السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية عُرض الحائط، ويدفع بالمنطقة إلى أتون حروب طائفية نرى تجلياتها في عدد من نزاعات المنطقة اليوم.
وأردف قائلاً “إن أصل المعضلة يتمثل في أن كلا الدولتين (تركيا وإيران) تحملان مشروعاً سياسياً خارج حدودهما وبالتحديد في المنطقة العربية"، ووشدد الأمين العام على أن كلا المشروعين، الإيراني والتركي، توسعي ويؤسس لعلاقة تقوم بين طرف مُهمين وآخر تابع، وكلاهما يقفز فوق الدول وسيادتها، وكلاهما يرى في الصراعات الدائرة في المنطقة فُرصة للتغلغل والتمدد، وهو نظرٌ قاصر يقتنص مغانم قريبة ولا يهتم بعلاقة طويلة الأمد تقوم على الثقة المتبادلة، وتُحقق منفعة مشتركة للجميع عبر التعاون في مواجهة تهديدات، هي بطبيعتها، تستلزم حواراً إقليمياً.
المعضلة السورية..
وعقب سنوات من دعم كل من أنقرة وطهران لمسلحين ومليشيات يعملون لمصالح الجانبين باسم السوريين، يبدو أنهما اتفقتا على تقاسم الكعكة السورية بما يرضي مصالحهما، مع روسيا من خلال لجنة صياغة الدستور السوري، التي لا يبدو أن للسوريين منها أي نصيب، إذ بحث في التاسع من سبتمبر الماضي، وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو بحث مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف، مسألة تشكيل لجنة صياغة الدستور في سوريا، خلال اتصال هاتفي، بينما واصلت إيران وتركيا تدخلهما الآثم في الشأن السوري والذي أسفر عن مقتل آلاف المدنيين.
وأوضحت المصادر أن جاويش أوغلو وظريف تناولا في اتصالهما الهاتفي، آخر المستجدات المتعلقة بتشكيل لجنة صياغة الدستور، مع محاولة كل من الجانبين تثبيت تواجده في سوريا عبر الحصول على ضمانات من الطرف الآخر لحماية مصالحه، حيث أجرى الجانبان بشراكة روسية عدداً من الصفقات التي كان من شانها تهجير سكان مناطق عدة لصالح توطين موالين لكل من الطرفين ضمن مناطق نفوذهما.
النووي الإيراني والتركي..
وفي الوقت الذي يعاني فيه العالم لمنع إيران من أمتلاك السلاح النووي الذي قد يكون وبالاُ على شعوب المنطقة عبر تهديد العالم به، حذّرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية في الواحد والعشرين من أكتوبر، من طموحات أرودغان في المنطقة وأشارت إلى أَن أردوغان لديه طموح أبعد من سوريا ويريد تطوير أسلحة نووية بشكل سري، ولديه برامج سرية في هذا الجانب، وهو ما يهدد استقرار المنطقة، وعبّرت الصحيفة عن مخاوف أميركية حقيقية من وجود قنابل أميركية في قاعدة “إنجرليك” التركية.
وتحت عنوان “يريد الرئيس التركي أردوغان، أكثر من السيطرة على مساحة واسعة من سوريا إنه يريد القنبلة”، قالت الصحيفة إنه في الأسابيع التي سبقت أوامره بإطلاق العملية العسكرية ضد مناطق شمال سوريا، لم يُخف أردوغان طموحه الأكبر، وقال في اجتماع لحزبه الحاكم في سبتمبر: “بعض الدول لديها صواريخ برؤوس نووية”، لكن الغرب يصر على أنه لا يمكننا الحصول عليها، لا أستطيع أن أقبل هذا الأمر”.
وتضيف الصحيفة: “مع وجود تركيا الآن في مواجهة مفتوحة مع حلفائها في الناتو، وبعد أن راهنت وفازت بقدرتها على القيام بغزو عسكري في سوريا والنجاة من عواقب هذه العملية، يأخذ تهديد أردوغان معنى جدياً وبالتحديد، إذا لم تتمكن الولايات المتحدة من منع الزعيم التركي من غزو أراضي حلفاء أميركا من الأكراد، فكيف يمكن أن يمنعه من صنع سلاح نووي وتقليد إيران في جمع التكنولوجيا للقيام بذلك؟”
مقدرات المنطقة..
كذلك، يبدو واضحاً أن كل من أنقرة وطهران تريد الاستحواذ على مقدرات المنطقة، خاصة في ظل الحديث عن انتهاء القيود المفروضة على تركيا في ذكرى تأسيسها المئة، والتي ستصادف العام 2023، وهو ما قد تجده أنقرة مبرراً لإعادة التوسع في المنطقة إن سنحت لها الفرصة لذلك، الأمر الذي تدشنه حالياً في سوريا وليبيا، فيما تعتبر إيران أن لها الحق هي الأخرى على التمدد والسيطرة، ولكن وإن إختلف اللاعبان الاقليميان في مصالحهما الآنية، ليس مستبعداً أن يكونا متفقين استراتيجياً على تقاسم المنطقة إن بشكل مباشر أو عبر أتباعهما.
وفي هذا السياق، اتهم وزير الخارجية الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في الواحد والثلاثين من أكتوبر، إيران وتركيا بممارسة سياسات تهدد الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط، وذلك في ختام محادثات أجراها مع نظيره اليوناني، نيكوس دندياس، في أثينا، إذ قال كاتس: "ناقشنا القضايا الإقليمية والتهديدات الناجمة عن إيران وتركيا على الأمن والاستقرار"، متابعاً: "عن إيران، بسبب برنامجها النووي وصواريخها ودعمها للتنظيمات الإرهابية، مثل حزب الله اللبناني وحماس، وعن تركيا، بسبب عدوانها على الأكراد في سوريا وانتهاكاتها المستمرة للمجالات البحرية والجوية ودعمها للتنظيمات المتشددة".
تحذيرات الجامعة العربية..
ويبدي الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط تيقُظاً أمام المخططات والتقاطعات التركية الإيرانية، إذ عاد وقال خلال كلمته أمام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية في الخامس والعشرين من ديسمبر، بأن "إيران وتركيا وإسرائيل، كل منها تُشكل خطراً داهماً على الأمن القومي العربي بصور مختلفة، ودرجات متفاوتة، وإن كان بين كل منها تقاطعات، فالتهديدان الإيراني والتركي يتقاطعان على الأرض السورية والتهديد التركي صارخ في ليبيا"، وبيّن أحمد بأن "سلوك إيران والاعتداءات التي مارستها في الخليج العربي، بالأخص في الصيف الماضي يمكن رؤيته اليوم من جانب تركيا، في سوريا ثم مؤخراً في ليبيا".
تزعم العالم الإسلامي..
ولربما كانت قمة "كوالالمبور 2019" التي عقدت نهاية في التاسع عشر من ديسمبر، في العاصمة الماليزية خير دليل على التوافق التركي الإيراني الاستراتيجي لتقاسم المنطقة فيما بينهما، إذ تمت القمة بمشاركة كل من تركيا وماليزيا وقطر وإيران، ووفد من حركة "حماس"، وسط مقاطعة واسعة من مختلف البلاد العربية والإسلامية، كونها كانت واضحة الأهداف فيما يبدو، إذ أصدر حساب المتحدثة باسم وزارة الخارجية الباكستانية، عائشة فاروقي، على "تويتر" بياناً أوضحت فيه سبب غياب إسلام آباد عن القمة في الواحد والعشرين من ديسمبر، وأشارت فاروقي في مجمل ردها على أسئلة وسائل الإعلام في هذا الشأن إن "إسلام آباد لم تشارك في قمة كوالالمبور لأن الوقت والجهد ضروريان لمعالجة مخاوف الدول الإسلامية الكبرى فيما يتعلق بالانقسام المحتمل في الأمة"، وأردفت أن "باكستان ستسمر في العمل من أجل وحدة وتكافل الأمة، وهو ما يعتبر أمراً ضرورياً للوقوف بشكل فعّال بوجه التحديات التي يواجهها العالم الإسلامي".
وجاء حديث فاروقي عقب أن اتهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، السعودية بممارسة ضغوط على باكستان من أجل ثنيها عن المشاركة في القمة بالعاصمة الماليزية كوالالمبور، وقال في ختامها إن "مثل هذه المواقف التي تصدر عن السعودية وإمارة أبوظبي ليست الأولى من نوعها"، وأضاف أردوغان أن "السعوديين هددوا بسحب الودائع السعودية من البنك المركزي الباكستاني، وهددوا بترحيل 4 ملايين باكستاني يعملون في السعودية، واستبدالهم بالعمالة البنغالية، لمنع باكستان من المشاركة في قمة كوالالمبور الأخيرة"، في محاولته لتبرير فشله مع إيران بانتزاع زعامة العالم الإسلامي من المملكة.
شهيد أم قتيل..
كل تلك التقاطعات التوسعية بين أنقرة وطهران، وسعيهما المشترك لتحولهما إلى قوى كبرى منافسة للقوى العالمية في المنطقة، يبدو أنها كانت وراء إطلاق أردوغان صفة "الشهيد" على قاسم سليماني، لكن في المقابل، لا يبدو أن الرئيس التركي راغب في إغضاب واشنطن منه، خاصة وأن الأخيرة تغض الطرف عن سلوكياته وتجاوزاته للقوانين الدولية في سوريا وليبيا وغيرها، فحق لترامب معها أن يطالبه بسداد جزء من فاتورة مُستحقة، وإن كان ثمنها دماء المدنيين في سوريا وليبيا وغيرهما.
ليفانت-خاص
متابعة وإعداد: أحمد قطمة
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!