-
احتجاجات طرابلس.. هل طفح الكيل باللبنانيين؟!
مرهف دويدري - ليفانت - خاص
لا يمنع تشدّد السلطات اللبنانية في تطبيق الإغلاق العام، بسبب انتشار جائحة كورونا، الذي يستمر حتى الثامن من شباط/فبراير، الكثيرين ولا سيّما في الأحياء الفقيرة والمناطق الشعبية من الخروج لممارسة أعمالهم، خصوصاً في طرابلس، حيث كان أكثر من نصف السكان يعيشون منذ سنوات عند أو تحت خط الفقر، وفق الأمم المتحدة. ويرجّح أن تكون النسبة ارتفعت على وقع الانهيار الاقتصادي. ويعيش لبنان، البالغ عدد سكّانه ستة ملايين نسمة، سجّل منذ مطلع العام معدّلات إصابة ووفيات قياسية، بلغت معها غالبية مستشفيات البلاد طاقتها الاستيعابية القصوى.
وكان قد شهد لبنان حركة احتجاج غير مسبوقة، في خريف 2019، ضدّ الطبقة الحاكمة المتّهمة بالفساد وانعدام الكفاءة وعدم الاكتراث. وخفّت حدّة الحركة الاحتجاجية تدريجياً قبل أن تتلاشى تماماً مع تفشّي كورونا وتدابير الإغلاق العام المتتالية التي فرضتها السلطات، فيما لا يزال لبنان من دون حكومة، منذ أغسطس، بسبب عدم توصل الأحزاب الحاكمة إلى اتفاق، على الرّغم من تعرّضها لضغوط محليّة وإقليمية ودولية قوية. احتجاجات طرابلس
وبحسب تقارير إعلامية أصيب أكثر من 220 شخصاً بجروح في اشتباكات عنيفة، في مدينة طرابلس بشمال لبنان بين قوات الأمن ومتظاهرين خرجوا للاحتجاج على القيود الصحيّة والأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمرّ فيها البلاد، ونشرت قوات الأمن صوراً أظهرت "قنابل يدوية" ألقيت على عناصرها.
وقالت "الوكالة الوطنية للإعلام" الرسمية إنّ المواجهات أسفرت عن سقوط 226 جريحاً، 66 منهم نقلوا إلى المستشفيات بسبب خطورة إصاباتهم والبقية أسعفتهم ميدانياً طواقم طبية تابعة للصليب الأحمر اللبناني و"جهاز الطوارئ والإغاثة".
بين السياسيين والشارع.. هل بات اللبنانيون في ضياع؟
يطالب المجتمع الدولي القادة اللبنانيين بتشكيل حكومة جديدة لسن إصلاحات طال انتظارها، حتى يتسنى تدفق مليارات الدولارات من المساعدات الموعودة من قبل المانحين، لكن محاولات رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري بتشكيل حكومة من المتخصصين غير الحزبيين تعثرت حتى الآن؛ بسبب تنافس الفصائل السياسية على مقاعد وزارية رئيسية، وكذلك الخلافات مع الرئيس ميشال عون، الحليف المسيحي لحزب الله المدعوم من إيران، ومنذ تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، خسرت الليرة اللبنانية أكثر من 70 في المئة من قيمتها أمام الدولار الأميركي، ما ساهم في ارتفاع أسعار السلع والخدمات في البلاد، الأمر الذي يدخل البلد بأسوأ أزمة اقتصادية جعلت الكثير من المواطنين تحت خط الفقر.
وفي تقدير للدخل القومي وتوزيع الثروة في لبنان منذ الستينيات، يرى باحثون أن "أغنى واحد في المئة من اللبنانيين يحصلون على ربع إجمالي الدخل القومي، بينما يحصل النصف الأفقر على أقل من 10 في المئة"، مؤكدين أن لبنان بدون إصلاحات جذرية وفورية، سيصبح دولة فاشلة، حيث تسببت جائحة فيروس كورونا المستجد في تأجيج أزمة حادة وعدم مساواة.
ويشهد لبنان منذ نحو أسبوعين إغلاقاً عاماً مشدّداً مع حظر تجول على مدار الساعة يعدّ من بين الأكثر صرامة في العالم، لكنّ الفقر الذي فاقمته أزمة اقتصادية لا تنفكّ تتفاقم يدفع كثيرين الى عدم الالتزام سعياً إلى الحفاظ على مصدر رزقهم.
وفي هذا السياق قال المسؤول الإعلامي لحزب القوات اللبنانية "شارل جبور" لـ"ليفانت": "لا يمكن أن نضع اللوم على الناس التي تتظاهر وتحتج بسبب الواقع المالي الكارثي والمأساوي في لبنان، وأتت جائحة كورونا والإغلاق ليضيف إلى المآسي مأساة جديدة خاصة العمال المياومين الذين يحصلون على مدخولاتهم بشكل يومي وبالتالي نحن أمام إشكالية كبيرة لا يمكن إلقاء اللوم على الناس" مشدداً "عندما تتوسل الناس الشارع بظل جائحة حولت لبنان إلى مجزرة حقيقية، حيث أعداد الوفيات تزاحم أعداد الإصابات بفيروس كورونا، في هذا التوقيت عندما يخرج الناس إلى الشارع، يعني أن الناس ترى نفسها أنها تموت جوعاً".
وأكد جبور في تعليقه على الاحتجاجات في لبنان: "من يلام على هذه المآسي هو التقصير الفاضح للدولة في كيفية مقاربة الهم الاجتماعي والأزمة المالية والأزمة المعيشية، والتعامل مع الجائحة".
صدامات دامية بين المتظاهرين والقوات الأمنية في طرابلس
اقتحم الجيش اللبناني ساحة النور (ساحة عبدالحميد كرامي) في مدينة طرابلس، وقامت القوات بإبعاد المحتجين باتجاه الشوارع الفرعية المحيطة بها مستخدمة الغاز المسيل للدموع، فيما قام المحتجون برشق القوى الأمنية بالحجارة وقنابل المولوتوف، وأعلنت قوى الأمن في بيان أن القنابل التي أُطلقت على العناصر الأمنية هي قنابل يدوية حربية وليست صوتية أو مولوتوف مما أدى إلى إصابة 9 عناصر، بينهم 3 ضباط أحدهم إصابته حرجة، وبعد ساعات عدة من الاشتباكات، نشرت قوات الأمن الداخلي والجيش اللبناني تعزيزات حول مبنى السراي وفي ساحة النور لتفريق المتظاهرين ومنعهم من اقتحام مقرّ المحافظة.
اقرأ المزيد انفجار بيروت.. محامون لبنانيون يطالبون بريطانيا بوقف تصفية “سافارو”
وتعتبر مدينة طرابلس، ثاني كبرى مدن لبنان وإحدى أفقر مدن البلاد حتّى قبل أن يتفشّى فيروس كورونا المستجدّ وتضطر السلطات لفرض تدابير إغلاق عام في محاولة لوقف تفشّي الجائحة، في إجراءات أدّت إلى تدهور الظروف المعيشية في البلاد، حيث وجد قسم كبير من سكّان المدينة، ولا سيّما منهم العمال المياومون، أنفسهم دون أي مدخول منذ دخلت حيّز التنفيذ إجراءات الإغلاق العام، وبالإضافة إلى الوضع الصحّي شبه الكارثي، غرق لبنان في أسوأ أزمة اقتصادية منذ نهاية الحرب الأهلية (1975-1990) إذ انخفضت قيمة عملته إلى مستوى غير مسبوق وتضاعفت معدّلات التضخّم في البلاد واضطرت شركات عديدة إلى القيام بعمليات تسريح جماعية لموظفيها، وبات نصف سكان لبنان الآن يعيشون تحت خط الفقر، في حين أن الطبقة الحاكمة متّهمة بعدم الاكتراث بمشاكلهم.
من جانبه يشير المسؤول الإعلامي لحزب القوات اللبنانية "شارل جبور" في تصريحاته لـ"ليفانت" إلى أن لحزب القوات اللبنانية موقف داعم للشارع في التعبير عن مآسيه، ولكن دون تخطي الخطوط الحمر التي يجب أن يرسمها الشارع لنفسه، ويقول جبور: "بالنسبة لنا في حزب القوات اللبنانية نرى أن للناس حق النزول للشارع ولكن لدينا خطان أحمران هما الانتظام العام، بمعنى أن تخريب الممتلكات العامة والخاصة غير مقبول، والصدام مع القوات الأمنية أيضاً غير مقبول لأن القوى الأمنية هي العمود الأخير المتبقي للحفاظ على استقرار لبنان في ظل هذه المآسي"، مؤكداً: "إن المساس بالقوى الأمنية يعني ذهبنا إلى الفوضى وعدم الاستقرار"، مشدداً على أن "لا حل بالنسبة لنا إلا بانتخابات نيابية تعيد إنتاج أكثرية جديدة، لأننا وبظل هذه الأكثرية التي أوصلت البلاد لهذا الوضع هناك استحالة تحقيق المطلوب وانتشال لبنان من أزماته".
ويسري في لبنان، حتى الثامن من شباط/فبراير، إغلاق عام مشدد يتضمن حظراً للتجول على مدار الساعة في ظل قفزة غير مسبوقة في أعداد المصابين والوفيات منذ مطلع العام، وحتى الآن، سجل لبنان الذي يعد ستة ملايين نسمة، 283 ألف إصابة، منها 2,404 وفيات، حيث ازداد معدل الإصابات بشكل قياسي بعدما سمحت الحكومة قبل عيدي الميلاد ورأس السنة للملاهي والحانات بفتح أبوابها، في محاولة لإنعاش الاقتصاد المنهار، رغم تحذيرات القطاع الصحي، وكان قد أعلن البنك الدولي، الأسبوع الماضي، تخصيص 34 مليون دولار لتمويل حصول لبنان على اللقاحات. ومن المفترض أن تصل أول شحنة من لقاح "فايزر-بايونتيك" الشهر المقبل، على أن تبدأ مباشرة عمليات التلقيح. احتجاجات طرابلس
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!