-
إجماع أوروبي على مُواجهة خطرها.. عداء موسكو يوحد القارّة العجوز
تجددت في الأشهر الأخيرة، حالة من العداء الظاهر، المصحوب بدبلوماسية شرسة، إن من جانب موسكو، وإن من الجانب الأوروبي، أججها تضارب مصالح الطرفين، وملفات عدة، أبرزها الملف الأوكراني واعتقال المعارض الروسي، أليكسي نافالني، بجانب ملف العقوبات الأوروبية على موسكو، فخرجت أصوات من بروكسل تُطالب بمحاسبة وريثة الاتحاد السوفيتي، فيما ردت موسكو باتهامات مماثلة، لا يبدو أنّها ستجد حلاً مرضياً للطرفين في وقت قريب. موسكو
البرلمان الأوروبي
فقد عمدت الجهة التشريعية المعبرة عن كامل بلاد الاتحاد الأوروبي، عبر لجنة الشؤون الدولية في البرلمان الأوروبي، بتاريخ السادس عشر من مايو الماضي، إلى وضع مسودة تقرير تحتوي على مبادئ رئيسية لبناء العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وروسيا، نصّت في مبدئها الأول على أنّ بناء "مجتمع ديمقراطي" في روسيا سيساهم في مواجهة "الدعاية الروسية"، مقدماً اقتراحاً بإنشاء قناة تلفزيونية في روسيا تبث على مدار الساعة، بجانب تبني استراتيجية تطوير بلدان "الشراكة الشرقية"، والتي أطلقتها بروكسل منذ سنوات، لتمكين التعاون مع جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابقة.
اقرأ أيضاً: العثمانية أو الصفوية.. الإخوانية أداة قابلة للتحوّر شرط التنفّع والبقاء
وكخطوة أولى في هذا الاتجاه، طالب مؤلفو التقرير، البلدان الأوروبية إلى وقف التعاون مع روسيا ضمن مشروع "السيل الشمالي-2"، وبخصوص البند المتعلق بردع "العدوان الروسي"، فاقترح المشروع على الاتحاد الأوروبي توحيد جهوده مع حلف الناتو والشركاء الدوليين لممارسة الضغط على موسكو بغية منع "تدخلها" في شؤون منطقة "الشراكة الشرقية" وإجبارها على إعادة "الأراضي المحتلة للدول الشرقية المجاورة للاتحاد الأوروبي"، في إشارة إلى الملف الأوكراني. موسكو
موسكو تنتقد عدة أطراف أوروبية
وعلى الطرف المقابل، كانت موسكو تراقب الجانب الآخر من أوروبا، وهو يستجمع قواه ويحشد الرأي العام لمجابهة موسكو، فانتقد وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، في الثامن عشر من مايو، السياسة التي تنتهجها برلين في العلاقة مع موسكو، وقال إن العلاقات بين البلدين تمر بفترة صعبة، مضيفاً أن برلين عززت من سياستها، التي تهدف إلى احتواء روسيا، خلال فترة الوباء التي يمر بها العالم، مشيراً إلى أنه يتم تقديم روسيا، من أعلى المنابر في ألمانيا، بانتظام "كتهديد للأمن الأوروبي"، زاعماً أن "الاتهامات التي يتم توجيهها إلى موسكو سخيفة ولا أساس لها من الصحة".
أما في مقدونيا الشمالية، فقد أوعزت وزارة الخارجية، بطرد دبلوماسي روسي، دون ذكر الأسباب التي تقف وراء القرار، قائلة إنها استدعت السفير الروسي، لإبلاغه بالقرار المتعلق بأحد كبار الدبلوماسيين في سفارته، ونوّهت بأنه تم منح الدبلوماسي، الذي لم يتم الكشف عن رتبته وهويته، سبعة أيام لمغادرة البلاد، لتعقب وزارة الخارجية الروسية، بأنها ستتخذ خطوات جوابية، مضيفةً: "ندين بشدة مثل هذه الأعمال غير المبررة، التي لا يمكن إلا أن تؤثر على العلاقات بين روسيا ومقدونيا الشمالية، وحتماً سيتم اتخاذ تدابير جوابية للرد على ذلك لاحقاً".
اقرأ أيضاً: غزة بين إنقاذها مصرياً.. والإتجار بها تركياً وإيرانياً
أما النمسا، فقد وجد وزير خارجيتها، ألكسندر شالنبرغ، أنّ موسكو ليست معنية بإقامة حوار مع الاتحاد، مردفاً: "العلاقات بين الجانبين متوترة ومثقلة فعلاً حالياً، وكما يقال لرقصة التانغو يلزم شخصان، الاتحاد الأوروبي يريد الحوار ولكن ذلك يحتاج لرد فعل وهو ما لا يريده الطرف الآخر"، لتُعقب المتحدثة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، بأن التعاون واسع النطاق بين روسيا والاتحاد الأوروبي تعرقل بعد تبني بروكسل عقوبات مناهضة لروسيا و"استبدل الحوار بخطاب عدواني".
وأردفت: "هذا غير صحيح.. كان هناك العديد من المشاريع السياسية والإنسانية والاقتصادية، التي شاركت فيها روسيا والاتحاد الأوروبي، لكن أوقفت بعد تبني بروكسل عقوبات معادية لروسيا واستبدالها الحوار بخطاب عدواني واتهامات لا أساس لها وحملات تضليل مضادة".
المطالبات الأوروبية من روسيا
ولأنّ النزاع تاريخي عملياً وليس مرتبطاً بفعل روسي واحد، كان لا بد من مكاشفة أوروبية صريحة، بادرت إليها فيرا يوروفا، نائبة رئيس المفوضية الأوروبية للقيم والشفافية الأوروبية، في الثالث والعشرين من مايو، عندما قالت : "سيتم مجدداً تكرار المطالب المشروعة للاتحاد الأوروبي تجاه الجانب الروسي: إنهاء الحروب الهجينة والسيبرانية، واحترام حقوق الإنسان، ويتعلق ذلك خاصة بموضوع أليكسي نافالني، وكذلك تنفيذ اتفاقيات مينسك.. الاتحاد الأوروبي يريد تجنب المواجهة مع جارته القريبة، لكن هذا الجار، كما ترون، قرر التصرف كخصم ولم يتبق أمامنا ما نفعله سوى الرد على ذلك".
اقرأ أيضاً: إسرائيل تشقّ ذات البَين الإيرانية.. بهجمات في عقر دارها
لكن الوضع كان مختلفاً بعض الشيء في بريطانيا، إذ صرح وزير الدفاع البريطاني، بن والاس، بأن نشاط السفن الروسية توسّع على قبالة سواحل المملكة المتحدة، معتبراً أن موسكو هي "العدو الذي يمثل التهديد الأول"، منوهاً إلى أنه جرى في نهاية العام الماضي، رصد غواصة روسية في البحر الإيرلندي، ولفت إلى أن بلاده لم ترصد تواجد الغواصات الروسية في تلك المنطقة منذ "فترة طويلة جداً جداً".
بينما اعتبر رئيس المحكمة الدستورية في جمهورية التشيك، بافل ريخيتسكي، أن روسيا ستسعى دوماً إلى تعزيز نفوذها في وسط القارة الأوروبية وستمثل تهديداً محدقاً بدول المنطقة، وإن روسيا لن تتخلى أبداً عن تطلعاتها إلى لعب دور كانت تلعبه في الماضي في دول المعسكر الاشتراكي.
أوروبا وأمريكا.. تحالف مُقلق
فيما ذكرت وكالة "بلومبرغ"، بتاريخ التاسع والعشرين من مايو، أنّ الاتحاد الأوروبي دعا الولايات المتحدة إلى إقرار بيان مشترك يعلن فيه الطرفان أنهما سيردان بشكل حاسم على "السلوك السلبي والإجراءات العدائية" من قبل روسيا، موضحةً أن بروكسل وجهت إلى واشنطن مشروع بيان مشترك يقترح إقراره بعد القمة الأمريكية الأوروبية في بروكسل، يوم 15 يونيو، قبل يوم من اللقاء المرتقب بين الرئيسين الروسي، فلاديمير بوتين، والأمريكي، جو بايدن.
دعوة دفعت رئيس الدوما (مجلس النواب) الروسي، فياتشيسلاف فولودين، إلى اتهام البرلمان الأوروبي بالسعي لتسميم أجواء لقاء القمة المرتقب بين الرئيسين الروسي والأمريكي، قائلا: "في الواقع، يفرض البرلمان الأوروبي على جو بايدن أجندة تتسم بروح المواجهة عشية لقائه مع فلاديمير بوتين، فهو يريد بذلك ممارسة الضغط (على بايدن) وخلق خلفية سلبية لهذا اللقاء، وذلك في محاولته لاكتساب مزيد من الثقل السياسي عبر استغلال المواضيع التي يمكن أن يناقشها الرئيسان".
اقرأ أيضاً: أنقرة والقاهرة.. تقارب مُزيف وسلوك تُركي غير أصيل
أما وزير خارجية روسيا، سيرغي لافروف، فقد صرّح بأن أوروبا تتعامل مع بلاده عبر إنشاء خطوط فاصلة جديدة معها، والتدخل في شؤونها الداخلية، منبهاً من أن أي خطوات عدائية أوروبية لن تبقى بدون رد، بالقول: "ما يزال الوضع (في العلاقات بين روسيا والاتحاد الأوروبي) مقلقاً للغاية، وتشهد قارتنا الأوروبية المشتركة أزمة ثقة غير مسبوقة، وفي أوروبا يجري إنشاء خطوط فاصلة مرة أخرى، وتتحرك شرقاً وتتعمق مثل الخنادق في الجبهة".
وعليه، يبدو واضحاً أن أزمة الثقة بين موسكو وبروكسل تتوسع يوماً بعد آخر، خاصة منذ قدوم الرئيس الديموقراطي جو بايدن إلى سدة الحكم في واشنطن، ما عزز من حماسة أوروبا لإعادة موسكو إلى حدودها العسكرية والسياسية، إن عبر محاولة دفعها إلى الانسحاب من أوكرانيا، وإن من خلال السعي لوقف لمُزاحمتها في ملفات متشعبة بمناطق مختلفة من العالم. موسكو
إعداد وتحرير : أحمد قطمة
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!