-
أنت تركي بالصدفة .. إنسان بالضرورة
محمد الشوا - كاتب
دائما كانت النزعات العنصرية الشوفينية الاستعلائية عند كثير من البشر على مستوى الأفراد والجماعات تعبّر عن عقلية ملتاثة، ونفسية مريضة، وروح مظلمة، وسلوك لا إنساني بالمطلق، تتضخم فيه الذات والأنا على حساب الآخر، وفي هذا السياق تماماً، تأتي مقولات الفلاسفة والحكماء والتربويين والمصلحين الاجتماعيين، لتعيد هذا النموذج المنحرف عن خط الإنسانية وقيمها إلى رشده وصوابه. ومن بين أشهر هذه المقولات، مقولة مفكر وفيلسوف الحرية الفرنسي مونتسكيو صاحب الكتاب الشهير(روح الشرائع) إذ يقول: "لوأني اكتشفت شيئاً سيفيد بلدي لكنه سيضر العالم، فسأخفيه لأني فرنسي بالصدفة ولكني إنسان بالضرورة" إنها دعوة للتسامح والتعايش والإخاء الإنساني، ورفض كل النزعات العنصرية المستعلية بالعرق واللون والجغرافية وإذا كانت الصدف والأقدار جعلتك تركياً أو عربياً أو كردياً أو شرقياً أو غربيًا، هذا لا يعني أن تتخلى عن إنسانيتك لأنك إنسان بالأصالة، وكل انتماء دون ذلك هو استثناء اقتضته طبيعة الأقدار.
إن الأحداث التي جرت في الأيام الأخيرة في عموم تركيا وتصاعدت وتيرتها في اسطنبول فيما يخص اللاجئين السوريين من دعوات إلى طردهم وترحيلهم إلى بلدهم، كانت بداية هذه الدعوات على مستوى الأحزاب والتجمعات السياسية التي كانت تنادي بطرد السوريين في كل المحطات الانتخابية وآخرها الانتخابات المحلية التي جرت في أواخر آذار/ مارس الماضي. وتحديداً في انتخابات إسطنبول بعد جولة الإعادة التي فاز بها مرشح حزب الشعب الجمهوري المعارض، ثم تطورت الأمور بشكل مفاجئ هذه المرة على المستوى الرسمي من خلال تصريحات الرئيس اردوغان أمام اللجنة المركزية لحزب العدالة والتنمية الاسبوع الماضي وتعهد بأن الحكومة التركية ستتحرك بخصوص ملف اللاجئين السوريين حول ثلاث قضايا رئيسية تبدأ بتشجيعهم في العودة إلى بلدهم، والترحيل الفوري لكل من يثبت عليه اي مخالفة قانونية، فرض رسوم على الخدمات الطبية.
شهدت إسطنبول التي يقطنها أكثر من نصف مليون سوري حملة أمنية واسعة على السوريين في الشوارع الرئيسية والحارات وفي وسائل النقل وحتى في أماكن العمل بدعوى أنهم لا يستوفون شروط نظام (الحماية المؤقتة) وترحيلهم إلى الحدود. وهناك تقديرات تشير إلى أن نحو 400 سوري تم ترحيلهم إلى أرياف إدلب بصورة رئيسية، والبعض الآخر إلى عفرين، مع علم السلطات التركية أن هذه المناطق غير آمنة وبالأخص ريف إدلب الذي يتناوب عليه الطيران الروسي والاسدي منذ أواخر نيسان/أبريل الماضي.
رغم أن الأتراك من الموقعين على معاهدة جنيف الصادرة عام 1951 والتي نصت على عدم جواز إعادة اللاجئين إلى بلدانهم بأي شكل من الأشكال، مادام هناك خطر على حياتهم. يمكن أن يفسر هذا التغير في السياسة التركية تجاه اللاجئين السوريين من خلال سياق التنافس مع أحزاب المعارضة على إرضاء الناخب التركي المعترض على الوجود السوري في تركيا لأسباب مختلفة بعضها بدافع عنصري قومي وبعضها بدوافع اقتصادية، رغم أن كثير من الدراسات تشير إلى أن الاستثمارات السورية كان لها دور مهم في إنعاش الاقتصاد التركي خلال السنوات الثماني التي أعقبت انطلاقة الثورة السورية عام 2011 وذلك في كثير من القطاعات الصناعية والتجارية والسياحية والعقارية.
فقد وصل عدد الشركات السورية في تركيا، ووفق إحصاءات تركية رسمية، لنحو 10 آلاف شركة مرخصة، فضلاً عن شركات فردية وخدمية غير مسجلة. إن ما يؤكد مخاوف السوريين هو تزايد حجم الرافضين لوجودهم وتصاعد هذه النبرة العنصرية عند بعضهم الآخر، وهذا ما أكد عليه استطلاع للرأي أجراه مركز الدراسات التركية (CTRS) كان قد أصدر استطلاعاً قبل أيام، خصصه للتصورات الشعبية عن السياسة الخارجية التركية، والتوجهات السياسية.
وكان السؤال عن مستوى الرضا عن وجود المهاجرين السوريين في تركيا، أشار الاستطلاع إلى أن 67.7 % من الأتراك المستطلعة آرائهم، غير راضين عن هذا الوجود. وفي العام 2018 بلغت نسبة غير الراضين 61 % فنسبة غير الراضين بتزايد واضح. واللافت بالاستطلاع أن 56 % من أنصار حزب " العدالة والتنمية " عبروا عن عدم رضاهم، في حين بلغت النسبة 82.6 % من أنصار حزب الشعب الجمهوري.
يدفع اللاجئون السوريون أينما وجدوا في دول اللجوء ثمن إنهيار القيم الإنسانية وتردي منظومة حقوق الإنسان في هذا العالم الذي يسعى إلى مصالحه واطماعه من خلال خلق مزيد من الحروب وهوسه ببيع السلاح حتى لو استمر القتل ودُمّرت المدن على رؤوس ساكينها وشرد مئات الآلاف بل ملايين من البشر الآمنين وحتى لو كان ذلك على حساب أرواح الناس ودمائهم وأمنهم وحقوقهم، فرغم كل ماعاناه الشعب السوري منذ ثماني سنوات وإلى هذه اللحظة العصيبة من عمر الثورة السورية، لا زال شبح العنصرية المقيت يلاحق أبنائها في دول اللجوء لترحيلهم بطريقة جداً مذلة، قهراً أو طواعية بصورة الإكراه أو تسليمهم للنظام المجرم كما يحدث للاجئين السوريين في لبنان.
واخيرا نقول لكل العنصريين في تركيا ولبنان وفي أوروبا وفي كل العالم عودوا إلى انسانيتكم وإلى صوت الضمير والأخلاق في وجدانكم . فهذا صوت إنساني آخر يناديكم ويستفز آدميتكم يجسده أرنولد تونبي فيقول لكم : "إن ولائي الأسمى هو للبشر وليس لدولتي المحلية، وليس للمؤسسة التي تسيطر على هذه الدولة".
أنت تركي بالصدفة .. إنسان بالضرورة
أنت تركي بالصدفة .. إنسان بالضرورة
أنت تركي بالصدفة .. إنسان بالضرورة
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!