الوضع المظلم
الأحد ١٠ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
أمريكا والصين.. صراعٌ بين القطب الأوحد والقطب الثالث
بكين


خلافات كبيرة بين أكبر اقتصادين في العالم، نتيجة تعارضهما حول جملة من القضايا، منها حملة التضييق التي شنّتها بكين في هونغ كونغ، وسجل بكين في مجال حقوق الإنسان، والنزاع بخصوص بحر الصين الجنوبي، بجانب تشابك الملفات التجارية، والاتهامات المتبادلة بخصوص المسؤول عن تفشي جائحة فيروس كورونا التي لطالما حملت إدارة ترامب بكين المسؤولية عنها.


استهداف الانتخابات الأمريكية إلكترونياً


وبجانب كل تلك المعضلات، خرجت خلال الشهرين الفائتين، اتهامات أمريكية لبكين بالتدخل في انتخابات الرئاسة الأمريكية، حيث ذكر مستشار الأمن القومي الأمريكي، روبرت أوبراين، في التاسع من أغسطس الماضي، أنّ قراصنة إلكترونيين على ارتباط بالحكومة الصينية يهاجمون البنية التحتية لانتخابات الرئاسة الأمريكية، المزمعة في شهر نوفمبر القادم.


وقال أوبراين لشبكة “سي بي إس”: “يرغبون في خسارة الرئيس، الصين انخرطت في هجمات إلكترونية وعمليات احتيال وغيرها من الأشياء المتعلقة بالبنية التحتية لانتخاباتنا، مثل المواقع الإلكترونية وما إلى ذلك”، وأردف أنّ الولايات المتّحدة عاشت مساعي تسلل لمواقع تابعة لمكاتب وزارة الخارجية في أرجاء البلاد، والمسؤولة عن إدارة الانتخابات على المستوى المحلي، وجمع معطيات الشعب الأمريكي، ونوّه مستشار الأمن القومي الأمريكي بالقول: “هذا مبعث قلق حقيقي”، مردفاً “ستكون هناك عواقب وخيمة تتحملها أي دولة تسعى للتدخل في انتخاباتنا الحرة النزيهة”.


اقرأ أيضاً: تركيا تنسحب من المتوسط بخفي حُنين.. واليونان تُرحب


وفي الرابع من سبتمبر الجاري، عاد أوبراين، إلى التصريح بأنّ بكين تمتلك أكبر برنامج للتدخل في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، بالمقارنة مع دول أخرى، وأشار خلال حديثه للصحفيين، بالقول: “نحن نعلم أنّ الصينيين لعبوا أكثر الأدوار نشاطاً بهذا الصدد”، وأردف أنّ بلاده بيّنت للصينيين ولجهات أخرى يُزعم أنّها تخطط للتدخل في الانتخابات بأنّ “محاولات التدخل في الانتخابات الأمريكية ستقابل بعواقب استثنائية”.


وفي السياق، ذكرت شركة مايكروسوفت، في الحادي عشر من سبتمبر الجاري، أنّ قراصنة يعملون لحساب روسيا والصين وإيران رفعوا مؤخراً من وتيرة هجماتهم حيال السباق الرئاسي الأميركي مع اقتراب يوم الانتخابات، ودوّن نائب رئيس مايكروسوفت لأمن العملاء، توم بيرت، أنّ خبراء الأمن السيبراني للشركة قد شهدوا مؤخراً ارتفاعاً في حملات استهداف المتسللين، وأردف بيرت: “في الأسابيع الأخيرة، اكتشفت مايكروسوفت هجمات إلكترونية تستهدف الأشخاص والمنظمات المشاركة في الانتخابات الرئاسية المقبلة”.


دعوات صينية للتهدئة.. وتصعيد أمريكي


لكن لا يبدو أنّ بكين ترغب الذهاب بالصراع مع الولايات المتّحدة إلى ما لا يحمد عقباه، حيث قال نائب وزير الخارجية الصيني، له يو تشنغ، في الثاني عشر من أغسطس المنصرم، بأنّه يتوجّب لبلاده إبقاء علاقتها مع الولايات المتحدة على المسار الصحيح وضمان عدم خروجها عنه، وأورد عنه قوله: “الأشهر المقبلة حاسمة للعلاقات الصينية الأمريكية، يجب أن نحافظ على تركيزنا، وألا نتأثّر بالعديد من القوى المتطرفة”.


وتبدو مخاوف المسؤول الصيني منطقية، فالولايات المتحدة تمتلك الكثير من الأوراق التي يمكن لها أن تثير بها حفيظة بكين، ومنها عقد صفقة كبيرة مع تايوان، في الخامس عشر من أغسطس، لشراء مقاتلات أمريكية من نوع “إف-16” بقيمة قد تبلغ 62 مليار دولار على مدى 10 سنوات، إذ ووفق البنتاغون، تضمنّت الصفقة احتمالية زيادة عدد المقاتلات ليصل إلى 90، بعد أن استحوذت تايوان في أغسطس 2019، على موافقة واشنطن على تحديث ترسانتها الجوية بشراء 66 مقاتلة “إف-16”.


اقرأ أيضاً: الاتفاق النووي الإيراني كطـوق أخيــر لنجاة سلطات طهران


وقد عزّزت الولايات المتحدة خطوتها العسكرية بأخرى اقتصادية، في الأول من سبتمبر الجاري، بالإعلان عن إطلاق قناة جديدة للحوار الثنائي مع تايوان بشأن الاقتصاد، بهدف تعزيز العلاقات بين واشنطن والجزيرة، وقال كبير الدبلوماسيين الأمريكيين المختصّ بشرق آسيا ديفيد ستيلويل، إنّ واشنطن كانت “مضطرة” للقيام بهذه الخطوة في ظل “تنامي التهديدات الصينية للأمن والاستقرار” في المنطقة، وأضاف: “سنواصل دعم تايبيه في التصدّي لحملة الحزب الشيوعي الصيني للضغط على تايوان وترهيبها وتهميشها”.


ولم يقتصر الموضوع على تايوان، فقد ذكر مارشال بيلينجسلي، المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي لشؤون الحد من التسلح، في السادس عشر من أغسطس، أنّ بلاده تناقش احتمالية نشر صواريخ متوسطة المدى في منطقة آسيا بما في ذلك اليابان، في المستقبل، ولفت إلى أنّ الولايات المتحدة، تسعى للتفاوض مع “شركائها وحلفائها في آسيا، حول التهديد المباشر من جانب الصين، التي تعزّز قدراتها النووية، وكذلك للنظر في ماهية القدرات الدفاعية التي ستكون مطلوبة في المستقبل لحماية الحلفاء” من مثل هذا التهديد.


ولفت المسؤول الأمريكي، أيضاً، إلى أنّ واشنطن تطور في الوقت الراهن أسلحة فرط صوتية في عدة اتجاهات، وصرّح: “هذه القوة الدفاعية ضرورية لتحقيق الاستقرار في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وهي التي ستضمن حماية حلفائنا وأصدقائنا وشركائنا، وستضمن أنّ الصين لن تكون قادرة على اللجوء إلى الابتزاز العسكري”.


استعراض أمريكي للقوة


وبجانب الحديث عن نشر الصواريخ في اليابان، لم يغفل الجانب الأمريكي عن استعراض قدراته العسكرية على تخوم الحدود الصينية، حيث عرض وزير الدفاع الأمريكي، مارك إسبر، في التاسع عشر من أغسطس، صوراً لقاذفات إستراتيجية أمريكية، وهي تطير فوق عدة مناطق حول الصين، في “مشهد مبهر”، وفق تعبيره.


وغرّد إسبر على “تويتر” فقال: “تقوم طائرات أمريكية بمهام فوق عدة مناطق تشمل بحر الصين الجنوبي وبحر الصين الشرقي والمحيط الهندي”، فيما ذكر الموقع الرسمي لقيادة القوات الجوية الأمريكية في المحيط الهادئ، أنّ مجموعات من القوات الجوية الأمريكية والبحرية ومشاة البحرية ساهمت في تدريبات عسكرية كبيرة مع قوات الدفاع الذاتي اليابانية.


ونوّه الموقع إلى أنّ الطائرات المشاركة تحتوي على 4 قاذفات “بي – 1 بي”، وقاذفتي “بي – 2” و4 قاذفات “إف – 15 سي”، حيث تقوم الولايات المتحدة الأمريكية من حين للآخر بتدريبات جوية كبيرة لطمأنة حلفائها في المنطقة، إذ تطالب بكين بالسيادة على 90% من بحر الصين الجنوبي الغني بالموارد، الذي تمر عبره تجارة حجمها نحو ثلاثة تريليونات دولار سنوياً، إلا أنّ لدى بروناي وماليزيا والفلبين وتايوان وفيتنام، مطالب منافسة بالسيادة على أجزاء منه.


اقرأ أيضاً: إيران تشنق المشاهير.. وتُلوّح بـ”الموت المُحتّم” لمُعارضيها


ولا يقتصر الصراع بين الجانبين على موضوع التدخل في الانتخابات الأمريكية، والصراع على منطقة بحر الصين الجنوبي، بل تتعادها إلى مناحٍ أخرى، من بينها العقوبات المتبادلة وسباق التسلّح بين الجانبين، ولا يمكن تخمين النتيجة التي قد يصل لها الطرفان، كون كل منهما يمتلك عوامل قوة لا يمكن الاستهانة بها.


لكن الجلي أنّ معركة كسر العظم بأسلوب الحرب البادرة ستظل مستمرة بينهما إلى حين ليس بقريب، وهي في جلّها ستساهم في تعقيد صورة العالم أكثر، في ظلّ صراع قديم متجدّد حول القوة القادرة على التحكم بالعالم، وسعي بكين لتصبح قطباً ثالثاً ضمن نظام عالمي يبدو أنّه أضحى متهالكاً، عقب عقود من سيادة القطب الأمريكي الأوحد.


ليفانت_ خاص


إعداد وتحرير: أحمد قطمة







 


 


 



العلامات

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!