الوضع المظلم
الجمعة ١٠ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
وما أدراك ما بريطانيا العظمى!
نوري بيخالي

لقاءات القمة والزيارات المكوكية الرسمية إقليمياً ودولياً وحيويته السياسية جعلت من السيد نيجيرفان البارزاني رئيس إقليم كوردستان والدور الذي يلعبه من أجل استتباب الأمن والاستقرار وترسيخ أسس التعايش السلمي في المنطقة موضع اهتمام القادة والدول التي لها شأن في قضايا الشرق الأوسط.


عقب اليأس الذي أحاط الكوردستانيين جميعاً نتيجة أحداث أواخر 2017، والضغط الإقليمي الذي ضاق بإقليم كوردستان وشعبه، استطاع السيد نيجيرفان البارزاني وبحنكته السياسية وعلاقاته الدبلوماسية ان يجد المخرج الأمثل للخروج بإقليم كوردستان من الأزمات التي كانت يعاني منها وفتح افاق جديدة أمام شعب كوردستان، وكانت باريس المحطة الاولى للعودة بالإقليم إلى الساحة السياسية بقوة وتأثير.


بعد مرور سبعة أعوام (2014 – 2021) وبدعوة رسمية من الحكومة البريطانية (يعود تأريخ الدعوة إلى 9/6/2021 أثناء زيارة وزير خارجية بريطانيا لإقليم كوردستان)، زار السيد نيجيرفان بارزاني رئيس إقليم كوردستان العاصمة البريطانية لندن واجتمع مع السيد بوريس جونسون رئيس الوزراء البريطاني وكبار المسؤولين.


تأتي هذه الزيارة ايضاً وقبلها زيارة الرئيس الفرنسي إلى إقليم كوردستان بعد أن أوجس في نفس الشعب الكوردستاني خيفة جراء انسحاب الجيش الامريكي في أفغانستان، وتصاعد وتيرة الإرهاب الداعشي في مناطق مختلفة في العراق.


إن ما يميز هذه الزيارة من سابقاتها هو تغير المعادلات السياسية وسرعة مجريات الاحداث والتطورات الحاصلة سياسياً في المنطقة، كذلك عودة دولة مثل فرنسا وبقوة إلى الساحة الشرق أوسطية، إضافة إلى الدور الذي تتطلع اليه لندن لتلعبه على الساحة الدولية والاقليمية بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي.


ربما يسأل سائل: هل يمكن لبريطانيا العودة الى سابق عهدها لتصبح عظمى من جديد؟


ليس من المستبعد أن نعتبر خروج بريطانيا من حلبة الاتحاد الأوروبي، جزءً من استعداداتها المسبقة لتعود بقوة الى ساحة المنازعات السياسية، بعد أن كانت هي ودول الاتحاد الأوروبي وعلى مدى أكثر من عشرين سنة في هامش سياسات وقرارات أمريكا التي تخص صراعات الشرق الاوسط.


بعد مضي أكثر من مئة عام وفي زمن بوريس جونسن، يعود مفهوم بريطانيا العظمى إلى الساحة، والعودة هذه ليست بمفاجأة، لأن جونسن هو المنظر الجديد والمحرك الاساسي لعملية العودة هذه، فعندما كان وزيرا للخارجية البريطانية لوح وفي مرات عديدة الى ضرورة العودة ببريطانيا لتكون عظمى كما كانت وأن تعود لها دورها الكبير في عملية رسم السياسة الدولية وجهر بذلك علانية سنة 2016.


ومن هذا المنطلق تعتبر هذه الزيارة مهمة جدا بالنسبة لكلا الطرفين، كونها تأتي في وقت خرجت بريطانيا من حلقة الاتحاد الاوروبي وبدأت تتبنى سياسة واستراتيجية جديدة احادية الجانب ومختلفة عن نظيراتها تجاه ما يجري في العالم عموما والشرق الاوسط على وجه الخصوص، سياسة واستراتيجية موازية لسياسات دول لها ضلع وباع في اعادة رسم خريطة المنطقة سياسياً (وليس جغرافيا كما يدعى لها). وكما يقال (اهل مكة أدرى بشعابها)، فان بريطانيا أدرى من نظيراتها دوليا بجذور الصراعات وماهية الاشكاليات وعلل النزاعات الدائرة في المنطقة ومنها العراق.


تأتي لقاء القمة بين البارزاني وجونسن في وقت سبقتها لقاءات سياسية مهمة على المستوى الاقليمي والدولي والتي لها تأثير مباشر على مجريات الامور في المنطقة، منها لقاء القمة بين كل من (بوتين وبايدن، الملك عبد الله الثاني وبايدن، الاسد وبوتين)، هذا إضافة إلى اللقاء المرتقب بين (اردوغان وبوتين، اردوغان وبايدن) في جنيف نهاية هذا الشهر.


وهذا ما يجعلنا بان نقول: ان لقاء القمة هذه بين إقليم كوردستان وبريطانيا في هذا الوقت مختلفة تماماً عن بقية اللقاءات السابقة التي أجريت بينهما، وذلك لأسباب رئيسية، منها:


أولاً: الإفاقة الأوروبية من الغيبوبة السياسية المتأثرة بسياسات أمريكا ووصولها إلى قناعة عدم قبول ترك الشرق الاوسط لمصير قد لا يعمد عقباه في ظل الموقف الامريكي المتذبذب وضرورة الحفاظ على مصالحها السياسية والاقتصادية وحضورها التاريخي في المنطقة.


ثانياً: تشير الدعوة الرسمية والاستقبال الرئاسي لرئيس إقليم كوردستان عدول بريطانيا عن موقفها السابق تجاه العراق، حيث اللاتوازن في تعاملها مع كل من بغداد وأربيل في خضم صراعاتهما. وهي تدرك تماماً بأن العراق لا يعمه الامن والاستقرار من غير وضع حد فاصل لحل المشاكل العالقة بين أربيل وبغداد ضمن الدستور.


ثالثاً: وجود إقليم كوردستان كعامل استقرار وملاذ اللاجئين والنازحين، وأرض خصبة للتعايش والتآخي، ولتجربته الحية في تجسيد القيم التي يشاركه مع العالم المتحضر من احترام حقوق الانسان وحقوق المرأة وحرية الصحافة والرأي مما تجعله يلعب دوراً بارزاً في تحديد مسار مجريات الاحداث السياسية على الساحة السياسية العراقية والمنطقة برمتها.


نوري بيخالي

ليفانت-نوري بيخالي

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!