-
"وطنيون" أم "مرتزقة".. هل تكفي الجغرافية لتبرير القتال إلى جانب تركيا؟
لم يختلف المشهد كثيراً، فالممثلون هم ذاتهم، والأدوات هي ذاتها، بل حتى الرايات والداعم والأهداف، على الأقل من وجهة نظر حاملي السلاح، فالهدف كان ولا يزال إعلاء راية الإسلام من جانب المسلحين، وحماية الأمن القومي التركي من جانب أنقرة.. تحت مظلة السلطان التركي المُظفر، الذي فتح سوريا للسوريين، أو على الأقل لمؤيديه منهم.
لكن يبدو أن الأمور قد اختلطت على البعض، عندما قرر السلطان المظفر أن من حقه كما دخل سوريا أن يدخل غيرها، كـ ليبيا، فهنا له مؤيديه الذين يبيحون له ذلك، وهناك له مؤيديه الذين يفعلون الأمر ذاته، ولا بأس إذاً، إن نقل بعض مؤيديه من هنا إلى هناك أو بالعكس حسب اقتضاء الحاجة المذكورة آنفاً.
الحياد عن النظام..
من المعروف أن "الجيش الوطني السوري" قد أسس من الجانب التركي من بقايا مجموعات مسلحة كانت تطلق على نفسها مسمى "الجيش الحر" المعارض للنظام السوري، لكن ومنذ تأسيس ما يسمى "الجيش الوطني"، لم يخض عملياً الأخير أي معارك حقيقة مع النظام السوري، واقتصرت عملياته على القتال إلى جانب تركيا، ما منحها الحجة للعبور إلى داخل سوريا، بحجة حماية السوريين من القصف الذي كانت تمارسه روسيا حليفتها في الأستانة إلى جانب إيران.
ونفذ مسلحو "الجيش الوطني" ثلاث عمليات عسكرية كانت أولها "درع الفرات" في أغسطس آب العام 2016، والتي سيطرت من خلالها على جرابلس والباب وإعزاز، وباتت عملياً تحت الوصاية التركية، ومن ثم عملية "غصن الزيتون" التي تمت في يناير العام 2018، وجرى عبرها السيطرة على مدينة عفرين ذات الغالبية الكردية شمال سوريا، ومن ثم عملية نبع السلام في أكتوبر العام 2019، والتي سيطرت بذريعتها تركيا على قطاع ممتد بين مدينتي تل ابيض ورأس العين.
ورغم إدعائها معارضة النظام، تلقى مسلحو "الجيش الوطني" تعليمات تركية صارمة بمنع الاشتباك مع قوات النظام، وهو ما دفع "أبو خولة الموحسن" القيادي في مليشيا "شهداء الشرقية" إلى الاعتراض إبان الهجوم على درعا، إذ قام بمهاجمة قوات النظام في تادف الملاصقة لمدينة الباب، لكنه تلقى أوامر تركية بالانسحاب، وجرت معاقبته.
الإفراج عن عناصر النظام..
وكان لافتاً إنه وإبان الهجوم التركي على مناطق شرق الفرات في أكتوبر الماضي، ورغم أن مسلحي "الجيش الوطني" يقاتلون "قوات سوريا الديمقراطية" بحجة أنه موالي للنظام افتراضياً من جانبهم، أن الجيش التركي قد أبرم صفقة مع روسيا أفضت إلى تسليم 18 عنصراً من قوات النظام، عبر معبر الدرباسية "دون مقابل"، رغم أن المقاتلين ضمن "قسد" يلقون الويل ويجري التمثيل بجثامينهم عندما تقع بين أيدي مسلحي الجيش الوطني، حيث قام هؤلاء بتصوير أنفسهم في كثير من المرات وهم ينكلون بالمقاتلين والمقاتلات.
وقد قال حينها وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، أن عناصر من قوات النظام السوري جرى تسليمهم للروس، وأن اثنين منهم تلقيا العلاج في مستشفى تركي، ليضع ذلك إشارات استفهام حول طبيعة عمل هؤلاء المسلحين الذين يدعون أنهم يعارضون النظام ويسعون لخلاص السوريين، رغم أن الوقائع تبرهن ما هو مُعاكس لذلك.
توقف الدعم..
ومع ظهور المشاهد المروّعة لتصفية السياسية الكُردية السورية "هفرين خلف"، على يد مليشيات "الجيش الوطني"، توجهت 21 دولة أوروبية وفق تسريبات من المعارضة ذاتها في العشرين من نوفمبر الماضي، لاتخاذ موقف موحد بوقف جميع أنواع الدعم وعلى مختلف المستويات سواء أكانت سياسية كانت أم طبية أم تعليمية، مع تهديدات بفرض عقوبات على المليشيات، وقالت مصادر المعارضة إن الدول الأوروبية إلى جانب الولايات المتحدة الأميركية قررت سحب دعمها للمعارضة السورية بعد انطلاق عملية "نبع السلام"، إذ اعتبرت الدول أن الائتلاف إضافة إلى "الجيش الوطني" قد شاركا ودعما عملية عسكرية غير قانونية، إضافة إلى ارتكاب مليشيات "الجيش الوطني" لانتهاكات.
وأشارت المصادر المعارضة إلى أن واشنطن استندت في تهديداتها إلى بيان الائتلاف المؤيد لعملية نبع السلام، والذي رأت فيه أنه يوافق على الحرب ضد أميركا، وقال مبعوث واشنطن، تبعاً للمصادر، في تهديداته: إنه سوف ينهي العملية السياسية ولن ينجّح الأميركان اللجنة الدستورية، وطلب منهم سحب البيان، وبعد هذا التهديد بيوم واحد تم سحب منحة ألمانية معطاة للائتلاف، تتكفل بمصاريف اجتماعات وسفر الائتلاف في الجنوب تلاها إيقاف دعم ما تسمى "الحكومة المؤقتة" الموعودة به مع بدء تشكيلها، أما الرئيس التركي، فأكد خلال لقائه له مع حزب العدالة والتنمية في البرلمان التركي بالتاسع عشر من نوفمبر، أن "الجيش الوطني السوري" يقاتل من أجل محاربة الإرهاب في بلده، ولا يمكن تصنيفه على أنه إرهابي (مما لمح إلى جدية تلك التسريبات، رغم أنها لم تتحول إلى إجراءات عملية حتى الآن).
اللوموند وكلاب الحرب..
وفي مقتطف من مقال نشرته جريدة اللوموند الفرنسية في الثاني والعشرين من نوفمبر الماضي، بقلم: بنيامين بارثي وآلان كافال، جاء فيه: "ارتعدت المرأة التي كُلِّفت بغسل جثة هفرين، فوجه هفرين محطّم وممزوج بجمجمتها، وفروة رأسها مُقتلعة، كأنما تمّ سحلها من شعرها. وجسمها مُغطّى بالكدمات، وثمة حروق على مناطق كثيرة من جسمها"، حيث يظهر التقرير الطبي الذي أعلن في إكتوبر/ تشرين الأول، والمتعلق بتشريح جثة السياسية الكردية الشابة، هول العنف المفرط الذي ترتكبه الميلشيات التي تدعمها تركيا.
وأشار المقال أنه "وفقاً للحكومة السورية المعارضة المؤقتة، ومقرها غازي عنتاب، في جنوب تركيا، فإن اثنين من رجال الميليشيات المتورطين في الإعدام المصور يخضعان للتحقيق، قبل محاكمة محتملة. والغريب أن البيان الذي أعلن عن هذه الإجراءات، برئاسة وزارة الدفاع للمتمردين السوريين، وقعه أبو حاتم شقرا نفسه، زعيم التشكيل الإسلامي أحرار الشرقية".
وأضاف المقال: "الحكومة السورية المعارضة، والتي هي عبارة عن قوقعة فارغة تأتمر بأوامر السلطات التركية، لم تجد هذه الحكومة أي شي تقوله ضد حاتم أبو شقرا"، وكان لافتاً الوصف الذي أطلقه الصحفيان الفرنسيان عندما كتبا: "يمكن لكلاب الحرب التي أطلقتها أنقرة في شمال شرق سوريا، أن تستمر في ارتكاب الانتهاكات. فبعد عشرة أيام من وفاة الشابة، ظهرت مقاطع فيديو جديدة، نشرتها أعضاء من ميليشيا سورية أخرى، و هم يدنّسون جثة مقاتل كردي ويعتدون على آخر بالضرب، كلاهما ما يزالا على قيد الحياة. يقوم الجهاديون بذلك وسط صرخات الابتهاج".
11 مليون ليرة تركية شهرياً..
فيما كشفت كاتبة صحافية أمريكية في الأول من ديسمبر الجاري، أن الحكومة التركية تدفع رواتب شهرية لنحو 35 ألف من مسلحي المليشيات المعروفة بـ "الجيش الوطني" تصل على أقل تقدير لـ 11 مليون ليرة، ولفتت الكاتبة الأمريكية إليزابيث تسوركوف أن الحكومة التركية كانت تدفع 300 دولار شهريًا للمسلحين، قبل "درع الفرات"، مشيرة إلى أن الرواتب تراجعت مع مطلع عام 2019 لتصبح 100 دولار أمريكي شهريًا، على أن تسدد كل شهرين.
وأشارت الكاتبة أن بعض المسلحين يلجأون إلى الاستدانة من أقاربهم بسبب تراجع الرواتب التركية، مشيرة إلى أن المسلحين من القادة لازالوا يحصول على 300 دولار شهريًا كما لفتت إلى أنه في حال حساب أقل راتب 50 دولار شهريًا، تكون تركيا تدفع 11 مليون ليرة تركية شهريًا لنحو 35 ألف مسلح في المليشيات، وأكدت إليزابيث تسوركوف في مقالها، إنها تتواصل مع مسلحين من مليشيات "الجيش الوطني" منذ عام 2014، مشيرة إلى أن الأغلب هؤلاء يعتبر أنه زُجَّ به في الحرب من أجل تحقيق مصالح تركيا، مشيرةً أن بعض المنضمين إلى هذا التنظيم المكون أغلبه من العرب السنة، التحقوا به من أجل القيام بأعمال السرقة والنهب.
الاعتراف بمقتل 250 مُسلح..
حربٌ زجوا فيها لخدمة تركيا، لكن يبدو أنهم قد دفعوا ثمناً كبيراً لها، ففي الخامس من ديسمبر الجاري، تحدثت مصادر من مليشيات "الجيش الوطني"، أن 251 من مسلحيهم قد قتلوا خلال عملية "نبع السلام"، التي انطلقت في 9 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، للسيطرة على شمال سوريا، كما ذكرت وكالة تركية أن 760 مسلحاً آخر قد أصيبوا بجروح.
السمع والطاعة..
وفي دليل واضح على أن قادة المليشيات لا يمتلكون أياً من قرارات السلم والحرب، سوى تلقي الأوامر من تركيا وتنفيذها بحذافيرها، خشية التعرض للعقوبة والفصل من العمل، قالت مواقع معارضة في السابع من ديسمبر، أن "الجيش الوطني" أخلى مواقعه من صوامع العالية غربي تل تمر في محافظة الحسكة، الواقعة جنوب طريق حلب-القامشلي (M4) ليدخلها النظام السوري، في إطار التفاهمات التركية-الروسية على ترسيم حدود منطقة عملية “نبع السلام” الواقعة تحت السيطرة التركية.
تأييد أعمى..
ولا يقتصر الأمر على العسكريين بل يتعداه إلى السياسيين، إذ أعرب رئيس وفد المعارضة السورية لمحادثات أستانا أحمد طعمة، في الحادي عشر من ديسمبر الجاري عن دعمه “بقوة” لتوغل الجيش التركي في شمال بلاده ضمن ما يسمى بعملية “نبع السلام”، مدّعياً أن هذا التوغّل يحقق أهدافاً استراتيجية بسوريا، حسب زعمه، وقالَ أحمد طعمة في تصريح نشرته وكالة “سبوتنيك” الروسية، على هامش محادثات أستانا حول سوريا: «نحن دعمنا بقوة عملية نبع السلام»، وادّعى طعمة أن هذه العملية تحقق أهدافاً استراتيجية بالنسبة لهم، «تتمثل بوحدة الأراضي السورية، وتحقق عودة أكبر قدر ممكن من اللاجئين السوريين إلى مناطق سكنهم، وتساهم في عملية الحل السياسي والانتقال السياسي في سوريا».
وتجاهل طعمة أن المناطق الخاضعة للسيطرة التركية باتت تركية أكثر من كونها سورية، فيما يعجز مسؤولو المعارضة عن إبداء أي موقف مناوئ لتركيا، حتى لو مثلت الأفعال التركية تهديداً لسلامة الأراضي السورية، في ظل مخاوف بعض السوريين من تكرار أنموذج لواء الاسكندون، عبر طرد السكان المحليين وتوطين آخرين يوالون أنقرة، والذين قد يصوتون لضم المناطق التي يعيشون فيها إلى تركيا على أنهم سكانها الأصليون، أو إنشاء كيان منعزل عن سوريا ومرتبط بتركيا كالوضع القائم فيما تسمى "جمهورية شمال قبرص".
ليبيا وشمال سوريا..
كل تلك المعطيات وغيرها، دفعت صحيفة "ديلى ميل" البريطانية في السابع والعشرين من ديسمبر، لاعتبار إعلان الرئيس التركى رجب طيب أردوغان إرسال قوات إلى ليبيا لحماية حكومة فائز السراج "اعتداءاً عسكرياً ثانياً بعد ثلاثة أشهر من شن غزو مدان على نطاق واسع للمناطق التي يسيطر عليها الأكراد في شمال سوريا بعد انسحاب القوات الأمريكية".
ورغم أن الاختلاف الوحيد كان المكان، بين سوريا وليبيا، والذي أيقظ حمية بعض المعارضين السوريين، من أن ذاك بات "أرتزاقاً" وليس "ثورية".. لكنها حمية يبدو أنها قد تأخرت، حيث لم يبدي هؤلاء أيٌ اعتراض على شن جيش غريب لحرب على جزء من بلادهم، أو رفعه علمه فوق ترابهم.
ليقلب إرسال المسلحين من مليشيات "الجيش الوطني السوري" إلى ليبيا، تصورات البعض منهم خاصةً ممن هم خارج إطار "الائتلاف المعارض" وتدفعهم بالتالي لوصف من كانوا حتى وقت قريب "وطنيين" بالـ "مرتزقة"، فتتلبد معها تصورات السوريين عامة، ويحق معها السؤال من عموم السوريين: ماذا أبقيتم لنا من وطن؟
ليفانت-خاص
متابعة وإعداد: أحمد قطمة
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!