-
وزير دفاع الحكومة المؤقتة لم يحترم تضحيات السوريين
كم كانت أحلامنا كبيرة عندما هتف الشارع السوري بالحرية والكرامة ضد طاغية دمشق عام 2011، وكبرت معنا تلك الأحلام يوماً بعد يوم، رغم التضحيات التي قدّمها السوريون طوال السنوات العجاف التي أعقبت تلك الهتافات والاحتجاجات السلمية، كبرت معنا تلك الأحلام بحجم حبنا لسوريا التي حلمنا بها، سوريا خالية من الاستبداد والطغيان.
ولم نفقد الأمل بأنّ سوريا التي نتمناها سنراها يوماً ما، على الرغم من ظهور بعض الفصائل المسلحة التي انتهجت سلوكيات راديكالية متطرّفة، وكنا نمنّي أنفسنا بأنّ تلك التصرفات هي عبارة عن أخطاء فردية سنتخلّص منها بمجرد التخلص من الأسد وأركانه الداعمة، وأعتقد بأنّنا لم نكن مخطئين في ذاك التصوّر، لأنّ الأصوات المنادية بالحرية والمساواة لكل السوريين، كانت أعلى وأكثر بكثير من الأصوات النشاز والتصرفات العرجاء التي كانت تعكر صفو أحلامنا بين الفينة والأخرى، ولكن مع تفشّي المال السياسي والدعم المالي واللوجستي للمعارضة السياسية “الرسمية” وللفصائل العسكرية، وتعدّد مصادر ذلك الدعم، ظهرت الاصطفافات لدى الكثير من الأشخاص المنتمين لتلك الجهات السياسية والعسكرية على حدّ سواء، ولم يتوقّف الأمر عند السياسيين والعسكر فقط، بل حتّى إنّ الكثير من منظّمات المجتمع المدني السوري لم تسلم من تلك الاصطفافات، وبات عملها “الطوعي والإنساني” منصبّاً على ما تمليه عليها الدول أو الجهات المانحة، حتى إنّ بعض المنظمات المتخصّصة بتوثيق الانتهاكات باتت تأخذ وضعية المزهرية عندما تسمع أو ترى الانتهاكات في بعض المناطق، إن شعرت بأنّ هذا التوثيق قد يزعج الجهة المانحة أو حتى أصدقاء وحلفاء الجهة المانحة، وهذا ما زاد من المساحات السوداء على لوحة أحلام السوريين.
وما زاد الأمر سوءاً، هو تخفيف أو تجفيف أو تحويل منابع الدعم عن بعض الأجسام والهيئات المحسوبة على المعارضة السورية، ولا سيما العسكرية منها، مما جعل الكثير من تلك الفصائل تبحث عن مصادر تمويل ذاتية، تمثّلت في أغلب الأحيان بفرض الأتاوات على المدنين، وخطف واعتقال البعض بغرض طلب الفدية الماليّة من ذويهم، وما رافق تلك العمليات من ممارسات التعذيب وانتهاك الحقوق والتي وصلت في بعض الأحيان إلى القتل دون سبب مشروع، وتخلّت تلك الأجسام عن الهدف الذي أُنشِئت لأجله وهو مقارعة النظام السوري، بل إنّ بعضها لم يعد يخجل من التعاون مع النظام أو مع الميليشيات الداعمة له في سبيل تحقيق أهدافه الرخيصة، وهذا ما أجهض أحلام الكثير من السوريين بسوريا جديدة خالية من الممارسات والانتهاكات التي عرفها السوريون، طوال العقود الماضية من حكم حزب البعث.
فأيّ أمل سيعقده السوريون على أجهزة المعارضة عندما يصدر وزير الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة التابعة للائتلاف السوري، قراراً بتعيين قضاة عسكريين بناءً على تزكية من الفصائل العسكرية المنضوية تحت راية ما يسمى “بالجيش الوطني السوري”، والقرار مذيّل بتوقيع ممثلي تلك الفصائل؟، ولم يعد خافياً على أي متابع للشأن السوري، حجم الانتهاكات التي مارستها تلك الفصائل في المناطق “المحررة”، وخاصة في مناطق “درع الفرات وغصن الزيتون”، تلك الانتهاكات التي قد ترقى إلى مستوى جرائم الحرب، وجرائم ضد الانسانية، وفقاً لنظام روما للمحكمة الجنائية الدولية، ناهيك عن جرم الارتزاق العابر للحدود والذي تمارسه تلك الفصائل في ليبيا.
وما كنا نعانيه في سوريا، هو تدخل السلطة التنفيذية، ممثلة برئيس الجمهورية، في أعمال السلطة القضائية وتسمية القضاة وعزلهم، إذ إنّه وفقاً للقواعد القانونية المتعارف عليها، فإنّ من يملك سلطة التعيين يملك سلطة العزل والإقالة، ويبدو أنّ الوضع في المناطق “المحررة” ليس أفضل مما كان عليه حال السلطة القضائية في مناطق النظام السوري، قبل وبعد الثورة، إذ إنّه لو كانت السلطة القضائية تتمتع بالاستقلالية وعدم التدخل في شؤونها من قبل السلطة التنفيذية، لما وصل الحال بسوريا إلى ما وصلنا إليه، وأعتقد بأنّه ما كانت لتقوم الثورة في سوريا أصلاً، وهذا موضوع يطول شرحه، وسبق أن أثير في مناسبات كثيرة.
وفي المناطق المسماة “بالمحررة”، نجد أنّ وزير الدفاع في الحكومة المؤقتة، يحذو حذو النظام السوري، بل ويتفوّق عليه، في مسألة إذلال السلطة القضائية، ويصدر قراراً بتسمية القضاة، ويعتمد على تزكيةٍ من بعض العسكر المتّهمين بارتكاب الانتهاكات التي حصلت وتحصل في المناطق التي يسيطرون عليها، ومن الممكن أنّ البعض منهم لا يجيدون القراءة والكتابة ولا يفقهون غير لغة الرصاص، ومع ذلك يقيِّمون من يولُّونهم سلطة القضاء، والبتّ بحياة الناس وحرياتهم وممتلكاتهم، ويتّضح من حيثيات القرار المذكور أنّ هؤلاء العسكر هم من قابلوا المرشحين للمنصب وقيَّموهم، ألم يسأل السيد الوزير نفسه، كيف سيقوم هؤلاء “القضاة” بمحاكمة قادة وممثلي تلك الفصائل العسكرية الموقّعة على القرار في حال تجرّأ شخص ما على الادّعاء بحقّهم بخصوص الجرائم التي يرتكبونها أثناء الليل وأطراف النهار؟، أم أنّه يعلم سلفاً بأنّه لن يغامر أحد بمصيره ويتقدّم بالادعاء؟ والأسوأ من ذلك كيف سيتجرّأ “القاضي” نفسه من استدعاء أحد هؤلاء “القادة المبجَّلين”، أو حتى أحد عناصرهم، للمثول أمام “المحكمة” ولو كان ذلك بغرض أداء شهادة ما، وهم أولياء نعمة القاضي وأصحاب القرار في تعيينه وعزله.
وقبل أن نختم القول، نرى بأنّ الاعتماد في التعيين على كلمة الثورية، ومنحها 40 % من درجات التعيين، البالغة 100 درجة، يعتبر نسخة مستنسخة عن الدراسات الأمنية التي كان يقوم بها النظام السوري على السوريين، بهدف معرفة مدى إيمان المواطن السوري بأفكار حزب البعث ومنطلقاته النظرية، وأهداف الثورة (ثورة الثامن من آذار)، والذي يُقيِّم ثورية أو عدم ثورية “القاضي” هنا، هو ذاك المسلح الذي جعل من الثورة وسيلة للارتزاق ومطية لارتكاب الجرائم والانتهاكات بحقّ السوريين المدنيين، وبات ينطبق على السوريين الهاربين من ظلم الأسد، وأصبحوا تحت حكم تلك الفصائل، المثل القائل “كالمستجير من الرمضاء بالنار”.
ما فهمته من هذا القرار، هو أنّ وزير الدفاع يسعى إلى توفير الحماية والحصانة من المحاكمة لقادة الفصائل العسكرية التي عاثت فساداً في الأرض السورية، ويُعلم القاضي قبل ممارسة عمله بأنّه تحت حكم ورحمة هؤلاء العسكر، بل إنّ السيد الوزير يشجعهم على ارتكاب المزيد من الجرائم، وهذا ما يجعله شريكا ومحرضاً على ارتكابها، ولا سيما أنّ القرار قد مضى على صدوره فترة زمنية طويلة كونه مؤرّخ في 24/12/2019، وأقلّ ما يمكن قوله هنا، هو أنّ السيد الوزير لم يحترم تضحيات السوريين ودماءهم ودموعهم ولا كراماتهم التي انتهكت من قبل الأسد وحلفائه طوال السنوات الماضية، الأمر الذي يقتضي التدخل الفوري من رئيس الحكومة المؤقتة والائتلاف السوري لإلغاء القرار المذكور وعزل وزير الدفاع ومحاسبته على هذا التصرّف، إن كانت الرغبة موجودة لديهم بالحفاظ على ماء الوجه، وعلى ما تبقى من أحلام السوريين الطامحة للوصول بسوريا إلى دولة العدالة والكرامة والحريات، وإن كانت ماتزال جادة في مطالبها بضرورة عدم إفلات كُل مرتكبي الجرائم في سوريا من العقاب.
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!