الوضع المظلم
الخميس ٠٢ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
وجهاً لوجه.. مع الكاتب والشاعر الأمازيغي بلقاسم إدير
وجهاً لوجه.. مع الكاتب والشاعر الأمازيغي بلقاسم إدير

خاص ليفانت إعداد : حسين أحمد 


بلقاسم إدير كاتب وشاعر من مواليد 1965 بأغادير الهناء - طاطا – المغرب ,حيث دوّن الكثير في سبيل أن يجسّد دور المثقف المغربي - الأمازيغي - بكل تجلياته القديمة والحديثة. فهو سليل أرض مصلوبة تاريخياً ولا تزال إلى هذه اللحظة. بلقاسم الذي تمرّد على مسيرته الحياتية اليومية حتى بات كاتباً مشهوداً له في الأوساط الثقافية المغربية والكردية أيضاً. كتب بغزارة في سبيل صياغة تاريخ شعبه المبعثر ويجمعه شعراً ونثراً, وحكايات جلها سطرت بألم لذيذ.


حيث أنه يدوّن سيرته الذاتية كـ تجربة ثرية متنقلاً من حالة لأخرى, لعله يساهم في تغيير واقعه من خلال لغته الثقافية, نشيطاً فوق خشبة المشهد الثقافي المغربي - الامازيغي - بطوله وعرضه، ليظهر دوره الثقافي والإنساني للأخر.


للحديث أكثر عن حياة الكاتب والشاعر الأمازيغي بلقاسم إدير وحول تجربته الأدبية التي خاضها لسنوات عديدة, أجرينا معه الحوار التالي:


س- من هو بلقاسم إدير ...؟


بلقاسم إدير مغربي أمازيغي أب لثلاثة أولاد من عائلة أمازيغية اسمها آيت يدير من العائلات التي كانت تقطن المنطقة قبل حوالي أكثر من ثلاثة قرون. الطلاق المبكر لأمي من أبي بعد سنة فقط من ولادتي . وفقر عائلة أمي جعلني فريسة تربية غير سوية. و في ظل الفقر والبؤس ترعرعت, ومن غير حنان الأم التي كان لها أبناء آخرون من زوجها الثاني.، أصبحت مثل لقيط أو بالأحرى شبه مشرد. كانت دراستي خلال كل المستويات دون دعم من أحد. درست معتمداً على ذاتي وجهودي الفردية، تخطيت كل المراحل. إلى غاية حصولي على الباكالوريا. سنة 1987. وفشلي في إحراز أي شهادة جامعية غادرت الجامعة . ومن مدينة أغادير عاصمة سوس توجهت إلى مدينة بني ملال المدينة الأطلسية وسط المغرب جربت كل المهن من تجارة والبيع في الأسواق ومهن كالخياطة إصلاح الأجهزة الإلكترونية وبيع التبغ بالتقسيط ومهنة والمواد الغذائية. ومهن وضيعة جداً كالشعوذة في مرحلة ما. حيث امتهنت لسنوات مهنة استخراج الكنوز عن طريق الشعوذة. لكن كل محاولاتي باءت بالفشل ولم أستطع أن أحسن من طريقة عيشي. الآن أعمل مدرساً لمادتي الرياضيات والفرنسية في مدرسة خصوصية في الدار البيضاء.


س- ما حكاية مجموعتك الشعرية " ذرو الغبار " ولماذا تراجعت عن نشرها ..؟

وهل لنا أن نعرف الأسباب الحقيقية التي تكمن وراء ذلك؟!


درست الأدب العربي واللغة خارج أسوار المدرسة وتمكنت من كتابة الشعر الموزون أولاً ثم قصيدة النثر لاحقاً كتبت الكثير في ما بين 1996 و2010 تحولت شيئاً فشيئاً إلى كتابة القصص ثم الرواية. وأحياناً أدرب خيولي على " تبويدة ( الفانتازيا ) المقالات السياسية. وظّفت ما تعلمته في الأدب العربي لتقعيد الشعر الأمازيغي بداية من سنة 2010. كنت أسعى إلى التفرّد ومندفعاً إلى رؤية جديدة للإبداع الشعري وذلك كله بعد أن قضيت سنوات في تقليد أشكال ورؤى كانت موجودة في الساحة الأدبية حتى نهاية التسعينيات؛ بعد اهتمامي المبكر بالشعر العربي المقفى تحول اهتمامي إلى الشعر الحر الذي أسسه بدر شاكر السياب ونازك الملائكة تأثرت بهما و ب "أمل دنقل" للشبه الكبير بين سيرتيهما وسيرتي.. قرأت لأدونيس وأنسي الحاج ومحمود درويش وكانت قصيدة النثر مرتعي الخصب والتي وجدت فيها ما أصبوا إليه بعيداً عن قيود شعر التفعيلة ونمط شعر الحر الكئيب. تحولت سريعاً إلى إبداعات المغاربة الحديثين والمتأثرين جداً بحداثة الأدب الغربي الفرنسي منه على الخصوص شكلاً ومضموناً منهم على الخصوص الشاعر "محمد الأشعري", عشقت طريقة كتابته للقصيدة شكلاً ومضموناً. على أي بدأت الكتابة على منواله إلى أن اكتشفت الشاعر الكوردي "سليم بركات" وبالرغم من أن سليم يغلب على قصائده الطويلة طابع الغموض والمعجمية الغرائبية للفظ، إلاّ أن الصورة الشعرية في قصائده كانت عميقة ومركزة إيحائية بشكل كبير. لكن هاجسي دائماً هو تأسيس مساري الخاص في الكتابة الشعرية فكان ذاك سنة 2009 وكان ديواني "ذرو الغبار" الذي لم ينته وهو لن ينتهي أبداً حيث كان يحتوي على قصيد بعنوان "قصائد لا تنتهي" مجزأة.. في قصائد لا تنتهي ثورة ومساءلة للعالم المفترض .القصيدة في تلقائية واضحة يأتي الوزن أحياناً في بعض الأشطر ليتناغم في غنائية جميلة وموسيقى داخلية عذبة . بعيداً عن الغموض والتكلف. لم أتراجع كلياً عن فكرة إصدار الديوان لكن بعد إعادة صياغته وفق معايير شخصيتي الجديدة.


س- من الشعر إلى القصة ومن ثم الرواية أين يجد بلقاسم إدير ذاته الأدبية بين كل هذه الأجناس الأدبية ..؟؟ ولماذا هذا التنقل ألا يعلم بلقاسم بأن لكل جنس بيته وحضوره المدهش؟


أظن أن اختياري التحول من الشعر إلى السرد القصصي كان نابعاً من قناعة شخصية مفادها أن الشعر يقتضي آليات معينة لا يملكها العموم وبالتالي فإن فضاء المتلقي للشعر لا يسكنه إلا النخبة المتحكمون بآليات التحليل الخاصة بميكانيزمات معينة ترتبط بالضرورة بآليات الانتاج ...فالشاعر ليس عداء يمكن له تحقيق فوز ما في كتابات المسافات الطويلة ...سنة 2007 كنت على موعد مع أول كتاب للروائي الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز (خريف البطريق) فكانت الصدمة. قلت في نفسي هذا الكولومبي هو أنا بالضبط ليس أنه كان يكتب ضمن المواضيع التي أحبها .. لكن الآليات التي يسخّرها في تحديد مستقبل أبطال روايته كانت تراودني منذ 2003 حين كتبت قصًصا طويلة على منوال ما كتب هو دون أن يكون لي علم بكتبه ولا بحصوله على جائزة نوبل للسلام 1982 على روايته مائة عام من العزلة. لم أقرأ أبداً لكاتب يضاجع اللغة دون أن يعريها إلا ماركيز. كتاباته كانت كاريكاتورية لكنه وكما كان يفعل بأبطاله حين يمرغهم في وحل الهزائم والنكسات كان صادقاً في جلد ذاته أحياناً وهو يعريها ويفضح تعلقها بالأسوأ الأسوأ.


س- روايتك المعنونة بـ "الطيور لا تتحمل القفص" رواية تنفذ إلى المسكوت عنه في الأدب المغربي والأمازيغي هل لك أن تكشف لنا فحوى هذه الرواية وما المسكوت عنه؟ وهل تعتقد بأنك لامست حجرة الخطر في راهن لا يقبل النقد حتى ولو كان نقداً أدبياً؟


رواية "الطيور لا تتحمل القفص" كتبت أجزاء منها في الفايسبوك كتجريب لا بد منه فقط لجس نبض القراء لكني وجدت نفسي غارقاً في رواية. كنت أنا بصيغة المتكلم بطل الرواية اخترت الأمكنة واقعياً حتى الزمان كان أيضاً واقعياً بحيث جعلت الأحداث والرواية ككل تكتسي طابع السيرة الذاتية ,فعلاً هناك بعض القواسم المشتركة بين ما أسرده وما عشته في نفس الأمكنة التي وقعت فيها الأحداث في الرواية لكن هي في الحقيقة متخيلة, في الرواية من أولها إلى آخرها البطل بطل كما في أفلام الإثارة والإباحة تارة وتارة كما في أفلام السجون والقتال دائما ما يخرج سالما وتارة أخرى رجل صالح مخلص لزوجته ولأولاده وفي نفس الوقت يخون شريكة عمره .. رواية الطيور لا تتحمل القفص تدخل إلى عالم الرشوة وفساد السلطة وعلاقتها بعالم الجنس, أيضاً الرواية تكشف عن عالم الدعارة في الأطلس الأمازيغي وعن تفسخ الاقتصاد الجنسي الذي تعيشه قرى الفقر والبؤس في الأطلس الأمازيغي المغربي، رواية الطيور لا تتحمل القفص تدخل إلى عالم تجارة الدين والسلوك المنافق للفقهاء وخاصة الأمازيغ وأغلبهم كذلك.. وتفضح لوبيات الشعوذة المنتشرة بفعل تراكم غبار الجهل والأمية على عقول المغاربة أيضاً، الرواية كما عنوانها الإنسان الحر لا يمكن أن يقبل القيد, وهنا القيد مطلق على عواهنه. كل بطلات الرواية مثلاً من بنات أسر ملتزمة بالتقاليد المحافظة هن عاهرات وأغلبهن يحترفن الدعارة ليس بدافع مادي لكن بدافع نفسي محض يصب في أن المرأة والنساء على العموم كما الرجال أيضا هم طيور لا تتحمل القفص.


س- ما سبب توقف بلقاسم إدير عن النشر في الجرائد الوطنية المغربية مثل ( العلم ) جريدة حزب الاستقلال وجريدة ( أنوال ) التابعة لحزب يساري؟ هل لإدراكه متأخّراً أن السياسة تقتل الأدب الذي يدوّنه بلقاسم؟


نعم صحيح السياسة تقتل الأدب الجاد الهادف والأدب الثوري المتمرد على الشائع. أولاً لم تنشر لي أية جريدة بطلب منها أو بطلب مني، زمن الجرائد الحزبية أعني زمن التسعينيات في المغرب ينذر أن تنشر جريدة ما لأي كاتب كان دون أن يزكيه إطار من أطر الحزب الثقافية أو السياسية, الملحق الثقافي لجريدة العلم والذي يصدر أسبوعياً كل سبت ويهتم فقط بإنتاجات الشعراء وأدباء المغرب وبعض الكتاب العرب البارزين عادة لا تجد على صفحاته إلا نفس أسماء الذين يكتبون فيها منذ سنوات وبالتالي يصعب أن يتزحزحوا من أمكنتهم ويعطوا فرصة لغريب مثلي أو غيري لا علاقة له بالحزب حتى ولو ضاجع اللغة على ظهر جواد طائر. حين نشرت لي جريدة "العلم" كنت على علاقة ود مع شاعر له أيضاً علاقة ما مع صحفي بالجريدة.. تواصل معه وتوسل إليه أن ينشر لي قصيدة كان قد طلب مني أن أكتبها دون أن أطلب منه أن يرسلها حتى تفاجأت بأنها نشرت بعد أيام من إرسالها .. ثم حصل نفس الأمر مع جريدة "أنوال" و حصل أيضاً مع جريدة "الحركة" التابعة لجزب الحركة الشعبية. المحسوبية والزبونية كرّهتني النشر في الجرائد فاقتنعت بالاحتفاظ بما أكتب في الخطاطات حتى أدركني الحاسوب فبدأت أجمع وأنقح ما كتبته.


س- ما الذي جذبك في الشعب الكردي وقضيته القومية والسياسية كي تتعاطف معه وتهتم به كل هذا الاهتمام؟


في سن متأخرة أدركت أن النضال إلى جانب حزب سياسي في إطار برنامجه المعلن لم يكن أبداً اختياراً موفقاً في أحسن الأحوال، وكنت دائماً بعيداً عن الطروح السياسية لا لليسار ولا لليمين ولم أكن متحمساً للاشتراكية حتى قبل انهيار الاتحاد السوفياتي كما لم أكن أبداً متحمساً لليبرالية الرأسمالية، فعلاً كنت متحمساً لبعض الثورات مثل ثورة غيفارا وثورة مانديلا وكنت في وقت من الأوقات معجباً بعبد الله أوجلان الذي كانت تسوّق له بعض الأحزاب اليسارية العربية على أنه ثوري مثل الآخرين في الوقت الذي. لم أسمع فيه أبداً بمصطفى البارزاني وفي الوقت الذي كان صدام حسين وياسر عرفات وجمال عبد الناصر يصدعون سماعنا طيلة عقود، لكن الانترنت كشفت حقائق كبيرة. فاكتشفت القضية الكردية عندما انضممت إلى الحركة الأمازيغية متعاطفاً وناضلت من أجل القضيتين كتابياً في كل المواقع التي كنت أكتب فيها. اهتممت أولاً ببعض التقاليد الكوردية وأنماط عيش الشعب الكردي لكني لاحقاً اكتشفت أن الشعبين الكرد والأمازيغ كانا ضحيتي التعريب. الذي أثّر في إلى حد بعيد هو محو تاريخ هؤلاء الشعبين وتزوير حقائقهما وطمس هوياتهما بتعمد بالغ وهو ما جعلني أتضامن مع الشعب الكوردي وما زاد من تضامني أيضاً مظلوميته على أيدي البعث العربي الصدامي والآن السوري البشاري والأردوغاني التركي وعند دراستي للحروب التي واجه فيها الكرد صدام انبهرت بهم وبتضحياتهم والتي كان يقودها الملا مصطفى البارزاني ونجليه مسعود وإدريس .. أي دارس للشعب الكردي تاريخه ثقافته تراثه لا يستطيع مقاومة الانجذاب وحب هذا الشعب الرائع.


س- نريد أن نعرف رأيك حول النقاط المشتركة التي تربط الشعبين الكردي و الأمازيغي.


خلال دراستي لبعض مناحي حياة الكورد ومعرفتي بحياة الأمازيغ بشمال أفريقيا وجدت أن الشعبين يلتقيان في كل شيئ يفترقان فقط في اللغة والجغرافيا؛ طريقة العيش اليومي واحدة، فأغلب الأمازيغ من سكان الجبال كذلك الكورد، طريقة طهي الأطعمة وتناولها متشابهة تماماً يعتمد كثير من الأمازيغ في كسب قوتهم على الفلاحة البورية والرعي كذلك الكورد، أما فن الرقص الجماعي وخاصة الدبكة الكردية فهي نسخة من أحواش وأحيدوس الأمازيغي مع اختلاف طفيف؛ الألبسة الملونة والمزركشة النسائية لدى الكرديات تشبه كذلك لباس النساء الأمازيغيات، كذلك تحتفظ نساء الأمازيغ بالصفاء العرقي مثلهن في كذلك مثل الكرديات حتى تكاد لا تميز بين كوردية وأمازيغية في مستوى الملامح والقسمات. تاريخياً قاوم الأمازيغ كل أشكال الاحتلال العربي والفرنسي والإسباني منطلقين من الجبال فكان لهم النصر كذلك، كان الكرد قبل 100 سنة موضوع القواسم المشتركة يحتاج فعلاً إلى دراسة ميدانية. وقد تكلفت بايجاد صيغة لجمعية ثقافية مغربية كردية للتلاقح الثقافي وتبادل الزيارات بين الإقليم وحتى بين كل كرد آسيا الصغرى والمغرب لكني مازلت آمل أن أجد من يتعاون معي.


س- كيف ترى المثقف الكردي؟ - أقصد هنا المثقف الملتزم – هل ترى بأنه مواكب للحدث مقارنة بمن يرى نفسه مثقفاً رمزياً لا يعني كل ما يدور من حوله؟


المثقف الكردي الملتزم هو ذاك المثقف الذي يجسّد هموم الشعب الكردي ويناضل بقلمه من أجل قضية الشعب التاريخية، ومواكب أيضا لصيرورة الأحداث السياسية من حوله. الشعب الكردي في أمس الحاجة إلى مثقفيه في هذه اللحظة التاريخية الحرجة، وخلال قراءتي ومتابعتي لبعض ما يكتبه المثقفون الكرد بكل تلاوينهم الثقافية الأدبية والفنية ورغم بعض الحزازات و الآراء المعاكسة إلا أن الوعي بجوهر القضية يسم كل جهود مثقفي الكرد والأمل كل الأمل في توحدهم وتجسيدهم لنضالات الآباء والأجداد . حقيقة هناك خلافات في المشهد الثقافي الكردي لكن الجميل والرائع أنهم قوميون ويعون الواقع السياسي والثقافي لدولتهم المنتظرة وكلهم أوفياء للقضية الوطنية.


 

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!