الوضع المظلم
الخميس ٠٢ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
وا عرباهُ.. مات معتصماه ودعوة للقلم
إبراهيم جلال فضلون (1)

هل لنا وقفة بالقلم.. دعوة للكتاب والصحف أن نجعل الجمعة القادمة أقلاماً لا تكتب إلا لفلسطين، ودعوة لصحفنا وقنواتنا.. وقفة لأولى القبلتين زثالث الحرمين.

فوا.. معتصماه.. لم تكن صرخة في واد، بل كانت بنبراتها صدى عابرًا للأزمان، تخطت حدود المكان، وما يزال يتردد وهجها في مسامع كل إنسان، يسير في فلك التاريخ وأحداث الأيام ومصائبها، ليستقر في رئة الإباء العربي والنجدة الإسلامية.. التي ماتت فيها النخوة، وهلكت وهلكنا معها بكرامتنا التي داس عليها أدنس خلق الله، في طرائق لا رحمة ولا عبرة من دروس مرت بآبائهم وأجدادهم لكن لا حياء ولا اعتبار، ولا أقول ماتت بل قد توجد فيها إيمان وخير ليوم الدين، لكن أين وكيف، وأطفال غزة وبناتنا يُساقون للموت بلا سابق إنذار، ولا تقول لي الأعراف الدولية وقوانين الأمم المتحدة التي لم تُخلق إلا لهم، لنا نحنُ العرب قانون واحد هو الإسلام وسماحتة التي يتبعها رؤساؤنا وملوكنا الكرام ولكن إلى متى؟ ونحنُ منذُ رحيل الخليفة العباسى الشهير المعتصم بالله، يوم 5 يناير عام 842 م، والذي شرف أمتنا العربية وخير الأرض بصرخة مدوية لامرأة نادت فقط "وا معتصماه".. فى عمورية (إحدى مدن محافظة "أفيون قره حصار" بتركيا الآن)، ومسلمونا كل لحظة يصرخون بها فيا الله الله الله عليكم يا عرب، أتصمتون حتى تأكل النيران بناتكم، وتصل إلى بلدانكم، فلا والله قد صدق محمد بن عبدالله رسولنا الكريم نصهُ: عن ثوبان مولى رسول الله ﷺ قال ﷺ: يُوشِكُ الأممُ أن تداعَى عليكم كما تداعَى الأكَلةُ إلى قصعتِها. فقال قائلٌ: ومن قلَّةٍ نحن يومئذٍ؟ قال: بل أنتم يومئذٍ كثيرٌ، ولكنَّكم غُثاءٌ كغُثاءِ السَّيلِ، ولينزِعنَّ اللهُ من صدورِ عدوِّكم المهابةَ منكم، وليقذِفَنَّ اللهُ في قلوبِكم الوهْنَ. فقال قائلٌ: يا رسولَ اللهِ وما الوهْنُ؟ قال: حُبُّ الدُّنيا وكراهيةُ الموتِ صحيح أبي داود، ورواه  الألباني

وتقول القصة "يحكى فى الأثر أن رجلا قدم للمعتصم، قال له "يا أمير المؤمنين كنت بعمورية فرأيت امرأة عربية فى السوق مهيبة جليلة تسحل إلى السجن فصاحت فى استغاثة "وامعتصماه وامعتصماه"، وحركت مشاعر النجدة في الخليفة العباسي المعروف بالإباء والعزة والقوة البدنية، حتى وصفه بعض خاصته بأنه كان يضع ذراع الرجل بين أصبعيه ثم يكسره. فأرسل المعتصم رسالة إلى أمير عمورية قائلا: من أمير المؤمنين إلى كلب الروم  كلب الروم.. كلب الروم- أخرج المرأة من السجن، وإلا أتيتك بجيش بدايته عندك ونهايته عندى، فلم يستجب الأمير الرومي وانطلق المعتصم بجيشه ليستعد لمحاصرة عمورية فمضى إليها لصرخة، فاختار المعتصم لغزوته أمنع وأصعب مدن الروم -كما يروي ابن كثير في تاريخه- فتوجه إليها لأنها قلب مدائن الرومان وقلعة مجدهم الذي لم يستطع أي غاز ولا فاتح أن يقترب منها، سائلًا الأمراء: أي بلاد الروم أمنع؟ قالوا: عمورية، لم يعرض لها أحد منذ كان الإسلام، وهي أشرف عندهم من القسطنطينية.

فقد تجهز المعتصم للحرب جهازا لم يجهزه أحد كان قبله من الخلفاء، في مواجهة قوية مع إمبراطور الروم ثيوفيلوس الذي يسمى في المصادر العربية توفيل بن ميخائيل، يوم 20 من شعبان سنة 223 هـ، ليُزم الروم عائداً إلى القسطنطينية لتدارك ما يمكن من خسائر بدا في الأفق أن سقفها وفضاءها يتمدد تحت أقدام المسلمين، فقُتل الإمبراطور وتم أسر رُسل النجدة.. لكنه اعتذار متأخر، غير أن الحديث أُكرره كي نعي أن صرخة امرأة مسلمة هدت أسوار أعظم مدائن الروم، فما بالكم بأولى القبلتين وثالث الحرمين الذي يضم مسجد قبة الصخرة والذي صلي به نبينا بالأنبياء والمرسلين.. فلكم الله يا أهل الأرض الطاهرة فقد مات مسلمونا، وخلدها أبو تمام الشاعر الحكيم الطائي الذي رافق الجيش الفاتح، من التخطيط إلى التنفيذ، وهي تضج في الدواوين وعلى ألسنة الخطباء، وفي رنين القصص عند حدوث المصائب على العرب ومسلمينا: 
السَّيفُ أصدقُ أنباءً من الكُتبِ .. في حَدِّه الحدُّ بين الجِدِّ واللَّعِب

ولإسرائيل أقول.. أنتم لا تهتمون بشعبكم فإن مات منكم من مات فأنتم تعتبرونهم حيوانات بشرية كما أسميتمونا نحن في غزة، ولا تخشون أنهم أسرى لحماس، إنكم ترتعدون خوفاً من حجارة، والآن تموتون رعباً من أشباحها، تضربون مستشفى عتيق تأسس فيها المستشفى الأهلي المعمداني  في ثمانينيات القرن التاسع عشر على يد البعثات الإنجيلية المسيحية، وسط قطاع غزة وتقتلون ما فيه من أبرياء، وأنتم تجرون هلعاً من صاروخ وبارود من الرئيس القاتل للجندي الغاشم، حتى كلاب الماسونية خافت أن تأتي فألغت حضورها، بايدن وكل الدول المريضة الىتي لها عالم وتاريخ من الوساخة والقذارة، ولم يتعلموا النظافة إلا من الإسلام، يجتمعون دعماً لكلاب صهيون ونحن هنا واقفون لا تعليق وا معتصماه. 

لنقع جميعاً في مستنقع أميركي جديد خليجي وشرق أوسطي مخذول، فقد ضاعت سوريا وأُحرقت لبنان ودُمر العراق وليبيا وقد يكون حلماً لروسيا والصين وتحويل مجري الحرب من أوكرانيا للشرق، وبما يخدم بكين الحليف أكثر، ويترك لها المجال لتغيير موازين القوة في منطقة شبه جزيرة تايوان، فيخفف من عليها الضغط الكائن في مياه المحيط الهادئ من جهة، ويعزز قبضتها الحديدية في مياه بحر الصين الجنوبي من جانب آخر، لكن من لأهل غزة؟.

لقد انتقل الطهاة إلى مطبخ جديد في الشرق الأوسط، وسؤالي الهام هل العرب ودول الشرق مستعدون لما هو قادم؟ أعتقد لا رغم التطمينات والتسليحات والعتاد وغيره، لكني لا أستبشر إلا في حالة واحدة أن نقف معاً وقفة رادعة لكرامتنا التي ضاعت، وأن نمنع كل مصادرنا ومواردنا مهما كانت خسارتنا عن كلاب الغرب والأمريكان، فوا لله هم لا شيء بدوننا والله ناصرنا إذا اتفقنا، كما اتفقنا في حرب السادس من أكتوبر1973، وحركتنا حرب السابع منه 2023 بين الإسرائيليين والفلسطينيين في قطاع غزة، وقد تمتد موائدها للاعبين جدد، فلحظة الحرب فرضت قواعدها، وحددت أطرافها، وهل تتحرك بيادق السباق الثلاثي إلى المنطقة؟ الدعم العالمي لإسرائيل كشف عن هواجس الغرب من اللاعبين الجدد في الشرق الأوسط، لذا سارعت واشنطن بإرسال أحدث حاملة طائراتها في رسائل تحمل أكثر من معنى، إلى معارضيها في المنطقة، ويفهمها الدب الروسي، ويُراقبها التنين الصيني، فهل نحنُ مستعدون؟؟!!

إذن، هذه الجولة التاريخية والمحرقة العالمية التي مقرها غزة، لن تنتهي من دون (وقفة ومن أول السطر) بإعادة ترسيم حدود التوازنات والقوى الدولية من جديد، ليكتب التاريخ «طبعة جديدة» من النظام العالمي.

وأختم بأبيات شاعرنا أبو تمام: 
ضوءٌ مِن النارِ والظَّلْماء عاكفةٌ .. وظُلمةٌ مِن دُخانٍ في ضُحًى شَحِبِ
فالشمسُ طالعةٌ مِن ذا وقد أَفلَتْ .. والشمسُ واجبةٌ مِن ذا ولَم تَجِب

ليفانت - د. إبراهيم جلال فضلون

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!