الوضع المظلم
الجمعة ٠٣ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
واقع النظام الإيراني ومخاوفه وسيناريو ما بعد السقوط
سامي خاطر

لا يختلف اثنان من أهل الحياد اليوم على قدرات النظام المالية المتعاظمة؛ وهنا نحن نقول النظام وليس الدولة فالنظام يسخر كافة موارد الدولة الهائلة لأجهزته القمعية ومؤسساته المقربة وقادته بينما تعيش البنية التحتية أسوأ حالها ويعيش المواطن أسوأ صور الحياة اليومية.

وبات منطق الكفاف في الحياة مطلباً رفاهياً في ظل سياسة السلب والنهب التي يمارسها النظام منذ عقود وحتى صناديق الزكاة والصدقات التي تنتشر في جميع أنحاء البلاد يتم تسخير أغلب وارداتها لتوجهات النظام وما تبقى لمواليه، وبالتالي أوجد نظام الملالي عدة دول داخل الدولة الواحدة دولة للملالي والمقربين ودولة للحرس ومواطني هاتين الدولتين هم المواطنين وأما الدولة الثالثة فمواطنوها قد خلقوا لأداء الواجبات وتحمل الكوارث والتعرض للقتل والسجن والتعذيب والإعدامات خارج القانون وتحمل كافة تبعات فشل النظام وهؤلاء مواطنون من درجة أدنى فلا يرهق النظام نفسه بآداء واجباته تجاههم.

واقع حال نظام ولاية الفقيه

كنظام دأب على وجود يعتمد على الأزمات استمر حكم نظام ولاية الفقيه في إيران بخلق الأزمات داخلياً وخارجياً وبالتالي لم تقتصر المعاناة على الشعب الإيراني وحده، وما يزال نظام الملالي في غيّه يعيش حالة إنكار لكل ما يجري في البلاد، حتى بعد أن وصلت الاتهامات ضد المتظاهرين إلى المحاكم وتوجيه تهم باطلة بالشغب والتخريب، وما زال ملالي طهران يصرّون على الحل القمعي والأمني معتقدين أنهم قادرون على السيطرة في المرحلة الراهنة على هذا الحراك الشعبي الاجتماعي الذي يضرب البلاد عرضاً وطولاً، ويراهن كما هي عادته على الآلة القمعية والاستعانة بالمليشيات للتنكيل بالشعب، لكن هذه الوصفة التي جربها في سوريا والعراق لن تفلح اليوم بعد أن سقطت الأقنعة عن هذا النظام المتواطئ ضد الشعب، فالانتفاضات قائمة مستمرة واحدة تلو الأخرى وتتصاعد ذروة الحراك الاجتماعي وتتقد على التراكم التاريخي للأحداث، أما وقد كبرت الفاتورة القمعية الإيرانية ضد الشعب، فقد قررت قوى الشباب التحرك ضد هذه السياسة الظالمة على المستوى الداخلي والباغية المدمرة على المستوى الإقليمي.

من المهم فهم ما يجري في إيران من مبدأ الفرز بين الطبقة الإيرانية الحاكمة المؤمنة بمبدأ ولاية الفقيه وبين الطبقات السياسية والاجتماعية الأخرى التي تؤمن بحسن الجوار، إذ لم تكن إيران بهذا المستوى الحاد من العدوانية في وقت سابق، وقد جاءت هذه العدوانية مع نظام خميني وأكمل علي خامنئي المسيرة، ومن هنا لا بد من مواجهة هذه العقلية لتكون إيران ومحيطها بأمن واستقرار.

إن حركة التاريخ الطبيعية لا تسمح باستمرار الحالة الإيرانية الحالية وسياسة القتل والموت والدمار في المنطقة، باستخدام الغطاء الأيديولوجي المذهبي، كما لا يسمح تاريخ إيران بهذه المسرحية الطويلة ضد الشعب وضد شعوب المنطقة، لذا وعلى الرغم من حالة التعبئة الإيرانية واستغلال عامل المواجهة مع العالم الخارجي لجذب الصف الشعبي النافر الرافض أصلاً للملالي نتيجة الظروف السياسية الاقتصادية والممارسات القمعية الفاشية، إلا أن المظاهرات التي تتزايد يوماً بعد يوم تؤكد أن نظام طهران ليس على ما يرام من الداخل وأن هذه الدولة لم تعد كما كانت البعبع الذي يخيف الداخل والخارج على حد سواء، ويستغل نظام ولاية الفقيه البروباجندا الإعلامية وتوظيفها ضمن أطر الحرب النفسية لتصوير إنجازات عسكرية وهمية متعلقة بصناعة الصواريخ والمنظومات الدفاعية والطائرات المقاتلة والأقمار الصناعية وذلك لتلميع صورة النظام في الداخل والخارج تزامناً مع كثرة الاحتجاجات الشعبية.  

يظلّ الفشل ملازماً لملالي إيران في علاقاتهم مع جيرانهم وفي إدارة الدول التّي تدور في فلك مهزلة ولاية الفقيه من سوريا إلى اليمن والعراق ولبنان، وأمّا فيما يخُصّ التصنيع العسكري فحدّث ولا حرج إذ تُطالعنا السلطات الإيرانية كل يوم على أحدث إنجازاتها في هذا المجال من أقمار اصطناعية محمولة على صواريخ غالباً ما تنفجر قبل وصولها إلى مدارها، إلى صواريخها بعيدة المدى التّي تُطلقها على الأعداء فتسقط في أراضيها، إلى الطائرة الأوكرانية التّي أسقطها الحرس الثوري ويقولون أنها كانت بالخطأ ولم تكن كما يدّعون وقضوا على كل ركابها، إلى مُستودعات أسلحتهم المكشوفة في العراق وسوريا أمام الطيران الحربي الإسرائيلي الذّي دمّر معظمها وصولاً إلى كارثة استهداف سفينة الدعم “كوناراك” خلال مُناورات بحرية في خليج عمان بنيران صديقة وإبادة كل طاقمها وعساكرها. فهذه هي قدُرات إيران التّي لا تستحي وهي تتباهى وتتفاخر بها أمام الأمم، فلم يفلح نظام الملالي إلاّ في سرقة أموال الشعب الإيراني وتجويعه وصرفها على مشاريع الخُردة هذه المُسمّاة عبثاً سلاحاً، وعلى مشاريع التخريب في أوطاننا العربية، وما هذه الاستعراضات التّي تنفذها  طهران في البحر إلاّ رسالة للأمريكان بأن لا تأخذونا كثيراً على محمل الجدّ، ولسان حالها يقول شتّان بين الثُرى والثُريّا فلا تخسرونا في لعب أدوار تخدمكم في مياه الخلي، والحقيقة التّي تبرز اليوم للعيان أنّ إيران كصاحب البيت الذّي يكتب على جدار منزله “انتبه هنا كلب” ليُخيف المارّة ولا وجود للكلب في الحقيقة، وهنا نقف لنتساءل مرة أخرى ماذا يكون الوضع لو امتلكت إيران أسلحة نووية؟ ما سبب هذه الأخطاء العسكرية المُتكررّة؟ هل السبب يعود لقلّة الكفاءة والخبرة أم أنّ المنظومة العسكرية الإيرانية مُخترقة؟ وهل تُعتبر هذه الأخطاء طبيعية وتحصل في كل البلدان؟ أليست الأخطاء واردة في كلّ العلوم العسكريّة؟ هل إن ما جرى هو قصف أمريكي والسُلطات تكذب على شعبها أم أنّ الأمر لا هذا ولا ذاك وكل ما في الأمر أنّه تصفية عسكرية لقادة وضُبّاط حاولوا العصيان والتمرّد على نظام ولاية الفقيه؟ وما الذّي صدّرته إيران للعالم سوى مليشيات وعصابات خارجة عن القانون يضاف إليها أسلحة قديمة وصناعات رديئة؟

مخاوف نظام ولاية الفقيه

تتركز مخاوف نظام ولاية في شكلين أساسيين، وهما الشعب الإيراني ومقاومته من جهة، وفقدان أذرعه الإقليمية والسياسات الدولية الحازمة من جهة أخرى لذا فهو حريص تمام الحرص على بقاء أذرعه الخارجية لصناعة الأزمات، ومستعد لكافة التنازلات مقابل تجنب أي قرارات دولية حاسمة بشأنه.

ترسم تقديرات مراكز الفكر والأبحاث العالمية والإقليمية صورة قاتمة للأوضاع الداخلية في إيران وسيناريوهات داكنة وبعضها مخيف لمستقبل النظام إذا لم يشهد سقوطاً مدوياً، بحسب توقعات مستقبلية وتعليقات لمعظم المراقبين المتخصصين في الشؤون الإيرانية.

ويرجح أكثر السيناريوهات تفاؤلاً أن تستمر الاحتجاجات خلال الأشهر المقبلة من عام 2023 مع انعدام فرص الوصول إلى اتفاق نووي بين طهران والقوى الغربية، حتى إن استؤنفت المفاوضات كسبيل لتخفيف التوتر والتصعيد الإقليمي.

كما ترجح جميع التقديرات انكماش الاقتصاد الإيراني وتباطؤ النمو وصعود التضخم، جنباً إلى جنب مع اتجاه المجتمع الدولي إلى إعادة تفعيل نظام العقوبات الدولية والأحادية المفروضة على النظام لمنعه من حيازة السلاح النووي من جهة، ومعاقبته بحجة قمع المتظاهرين من جهة أخرى.

سيناريوهات مخيفة

إن نظام الملالي في طريقه إلى السقوط الحتمي مما يفتح الباب لعودة المعارضة من الخارج ومحاكمة رموز النظام والبدء بتغييرات جذرية في السياسة الداخلية والخارجية الإيرانية، ويقدم هذا السيناريو مشهداً درامياً لعودة المعارضين الإيرانيين من الخارج في مطار "خميني" بطهران على أقصى تقدير خلال مارس 2024 أي مع أعياد الربيع أو "النيروز"، وهو عيد رأس السنة الفارسية والكردية أيضاً، مما يسترجع إلى ذاكرة المعارضين مشهد عودة خميني للبلاد عام 1979 مع الفارق.

السيناريو المرعب الآخر يتضمن فرار قادة النظام الإيراني إلى الخارج، وخاصة إلى بلدان عربية والصين، بينما تتصاعد ذروة الإثارة الدرامية مع هتاف المحتجين بمحاكمة رموز النظام الحاكم وإعدامهم، وسيكون الإيرانيون أقل تسامحاً ولن يرغب كثيرون في التفاوض مع المدافعين عن النظام القديم، إذ سيهتفون (للمحاكمة) فيما يواصل المتظاهرون التجمع في الشوارع، أما بالنسبة إلى بعض الذين حاولوا التفاوض مع المؤامرة المسماة بالإصلاحيين فسيجبرون على الإدلاء باعترافات علنية، وعلى أية حال المسلحين سوف تتقلص فرص إحياء الاتفاق النووي بين إيران والقوى الغربية، ولن يرى النور إذا بقي النظام الإيراني الحالي في السلطة في هاتين السنتين الحالية والقادمة.

هناك سيناريو محتمل يتضمن فرار قادة النظام الإيراني إلى بلدان عربية أو الصين، حيث أن هناك عدد كبير من الظروف الخارجية والداخلية تكاتفت لتجعل 2023 عاماً صعباً على النظام الإيراني، فالمظاهرات التي لا تنقطع وباتت روتيناً يومياً وقوده مجموعات من الشباب ذوي الجرأة على عبور خطوط حمراء كخلع الحجاب أو إطاحة عمائم رجال الدين مما دفع النظام الإيراني وللمرة الأولى إلى الانصياع لمطالب المتظاهرين على مضض بإيقاف احتيالي لعمل "شرطة الأخلاق" وهو القرار الذي من المتوقع أن يبني عليه المحتجون في استمرار تحركاتهم وتطوير أو ابتكار مظاهر رفضهم للسلطة أملاً في تحقيق انتصارات متتابعة.

ما يرفع من حدة المخاوف هو تطوير إيران أخيراً طائرات مسيّرة وصواريخ باليستية يمكنها حمل رؤوس نووية، الأمر الذي يعني في النهاية أن البديل عن "اتفاق نووي" هو ضرب المنشآت النووية الإيرانية، أو ربما تطوير حرب ذات نطاق أوسع ضد إيران لمنعها من مواصلة هذه الأنشطة، وهو سيناريو محتمل تخشى إيران حدوثه، ويقودنا هذا بالتالي إلى ترجيح استئناف المفاوضات النووية (المناورات النووية) خلال الأشهر المقبلة لكسب الوقت.

النظام وخوفه من المقاومة الإيرانية

إن أحد أكبر مخاوف النظام الإيراني هذه الأيام من المقاومة الإيرانية هو تثبيت صور ضوئية لقادة المعارضة الرئيسة في إيران، وهي منظمة مجاهدي خلق الإيرانية على الجدران في المدن الإيرانية، وأثارت التوقعات في طهران قلق النظام ودفعت وسائل الإعلام للكتابة عنها والتحذير من تداعياتها الأمنية إذ قررت حدات المقاومة تحدي شبكة النظام القمعية، وقد خلقت هذه الأعمال الكثير من الإرباك لنظام الملالي في اجتهاده لمنع هذه الأحداث التي لها تأثير كبير على معنويات الشعب الإيراني،  ولهذا يشعر أنصار الحكومة ومستشاروها بالقلق من عواقب مثل هذه الإجراءات التي تقوم بها منظمة مجاهدي خلق حيث تريد المنظمة أن تظهر بأن أنصارها المعروفين باسم وحدات المقاومة جاهزون للقيام بما يشاؤوا من هجمات ولا أحد يستطيع مواجهتهم، ولا يقف الأمر عند هذا الحد فحسب، بل لدى منظمة مجاهدي خلق أيضاً القدرة على التغلغل في كل مفاصل الدولة بما فيها شبكة الإذاعة والتلفزيون والوزارات والهيئات الحكومية ويرى العالم أنها قادرة على اتخاذ أي إجراء داخل إيران من شأنه إضعاف حكومة الجلاد رئيسي ونظامه ومن ثم إزاحته وهذا ما يجعل من المقاومة الإيرانية بديلاً ديمقراطياً مشروعاً لمستقبل إيران.

تُشكل منظمة مجاهدي خلق الإيرانية اليوم عقبة في طريق علاقات الملالي الأروبية، وخاصة بريطانيا وفرنسا وألمانيا. ويخشى نظام الملالي المنظمة لأنها أثبتت طيلة قرابة الـ 60 عاماً من عمرها النضالي ضد الدكتاتورية بأن لديها من الرؤية السياسية الدقيقة والاستراتيجية القويمة والقدرة التنظيمية التي تجعلها محوراً فعالا للنضال ضد النظام في أوساط المجتمع الإيراني وتستطيع أن تقوم بتعبئة جماهيرية عارمة مسلحة تطيح بنظام حكم الملالي الذين يخشون مجاهدي خلق لأنّها حركة وطنية إيرانية وليست حركة قومية، وقد انخرطت فيها منذ البداية جميع القوميات والمكونات داخل الدولة الإيرانية، حيث كان المؤسس الأول للمنظمة الشهيد محمد حنيف نجاد من الأتراك الآذريين، وكانت قافلة شهداء مجاهدي خلق وهم أكثر من 120,000 شهيد، تشمل عدداً كبيراً من الشهداء العرب والكرد والبلوش والآذريين والفرس وغيرهم من المكونات.

سيناريو ما بعد سقوط نظام ولي الفقيه

تمر إيران بمرحلة مفصلية وحاسمة هي الأهم منذ الثورة الوطنية عام 1979، خاصة بعد انتشار أخبار عن الحالة الصحية المتردية لـ ولي الفقيه علي خامنئي وتقدّمه في العمر، وقد تآكل نظام الملالي تدريجياً وبلغ مرحلة التفسخ الداخلي، وقد تحول مشروع ولاية الفقيه من جمهورية توسعية عابرة للحدود تحت غطاء الإسلام إلى جمهورية متهالكة منكفئة ذاتيا على مشاكلها الداخلية.

بعض السيناريوهات المحتملة بدافع الخوف من الزوال وتلاشي امتيازات الحكم هي انقلاب ما يسمى بـ الحرس الثوري علانية على المشهد السياسي الإيراني ودفع الملالي للمقاعد الخلفية فالذي يحكم الأوضاع الأمنية والعسكرية في كل المحافظات الإيرانية هم كوادر الحرس الثوري المتوارين عن الأنظار خلف عمامة الولي الفقيه، وإذا تفاقمت الأوضاع الاقتصادية والأمنية أكثر يُرجح كثيرون أن يتولي جنرالات الحرس بأنفسهم السلطة ويحكمون بشكل مباشر دون مواربة وبتنسيق غربي أيضاً وتصبح إيران دولة ذات نظام عسكري بحت؛ ومن غير المستبعد أن تفرط مؤسسة الحرس وجنرالاتها في السلطة والهيمنة على القرار السياسي والاقتصادي مهما كانت التبعات.

والحقيقة أن كل السيناريوهات تتوقف على الموقف الشعبي الثوري المتوثب لإسقاط النظام على الدوام وأن أقرب حماقة مسلحة يرتكبها النظام في مواجهة الشعب ستكون هي البداية المرعبة للنهاية الحتمية.. والشعوب دائماً تنتصر.

ليفانت - د. سامي خاطر  

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!