الوضع المظلم
الإثنين ٢٣ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • واشنطن تُسابق الزمن للخروج من الوحل الأفغاني بأيّ ثمن

واشنطن تُسابق الزمن للخروج من الوحل الأفغاني بأيّ ثمن
طالبان

عقب 19 عاماً من الحرب والصراع فيها، يبدو أنّ الإدارة الأمريكية التي تتعامل مع الأزمات المختلفة حول العالم من منطلق الصفقات التجاريّة، القائم على حساب الربح والخسارة، بقيادة رئيسها الملياردير، عازمة على الخروج من الوحل الأفغاني في أسرع وقت، وأيّاً كانت التكلفة، حتّى ولو لم يحقّق الأمريكان في تلك المعادلة أي هدف، كانت قد وضعت لنفسها إبّان غزو كابول للقضاء على طالبان، ليضحى معها عقب كل خسائرها، الخروج نفسه هو المكسب.


من هي طالبان ولماذا هاجمتها واشنطن؟


تطرّق تقرير لهيئة الإذاعة البريطانيّة، في الثاني والعشرين من أغسطس العام 2017، إلى ظهور حركة طالبان، حيث أشارت أنّها كانت في أوائل التسعينيات من القرن الماضي، شمالي باكستان، عقب انسحاب قوّات الاتّحاد السوفيتي السابق من أفغانستان، إذ سطع نجم طالبان، وأكثر عناصرها من الباشتون، في أفغانستان في خريف عام 1994، وقد تعهدت طالبان، التي توجد في مناطق الباشتون المنتشرة في باكستان وأفغانستان، بإحلال السلام والأمن وتطبيق صارم للشريعة بمجرّد وصولها للسلطة، لكنّها طبّقت في كلا البلدين، عقوبات صارمة تمثّلت في الإعدامات العلنية للمدانين بجرائم القتل أو مرتكبي الزنا أو بتر أيدي من تثبت إدانتهم بالسرقة، كما أمرت الحركة الرجال بإطلاق لحاهم والنساء بارتداء النقاب، مانعةً مشاهدة التلفزيون والاستماع إلى الموسيقى وارتياد دور السينما، رافضةً ذهاب الفتيات من سن العاشرة إلى المدارس.


 


أما الهجوم الأمريكي على أفغانستان، فقد دشّن أولى عملياته الحربيّة عقب شهر من هجمات سبتمبر/أيلول 2001، الذي اتّجهت أصابع الاتهام في تنفيذها إلى القاعدة التي كانت تنشط قيادتها في أفغانستان، حيث بدأت الحرب حين رفضت طالبان تسليم الرجل الذي وقف خلف تلك الهجمات، وهو أسامة بن لادن، وسرعان ما تمكّنت الولايات المتّحدة ضمن تحالف دولي من الإطاحة بحكومة طالبان التي كانت تحكم أفغانستان، لتتحوّل معها الحركة إلى تمرّد وتشنّ هجمات دامية، مزعزعةً الحكومات الأفغانيّة المتلاحقة، ومتسببةً بقتل نحو 3500 عنصر من قوّات التحالف الدولي في أفغانستان منذ 2001، بينهم 2300 جندي أمريكي، ولا تزال هناك قوّات أمريكية تقول تقارير إنّ قوامها يصل إلى نحو 12000 جندي متمركزة في البلاد، فيما تعهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بوضع حدّ لذلك الصراع. ورغم ذلك، واصلت طالبان في كسب الزخم، وفي 2018 وجدت “بي بي سي” أنّهم ينشطون في 70 بالمئة من أفغانستان.


اتّفاق سلام بين حركة إرهابيّة وواشنطن


وقّعت الولايات المتّحدة وحركة “طالبان”، يوم 29 فبراير 2020، في العاصمة القطرية “الدوحة”، أول اتّفاق سلام بعد 18 عاماً من الحرب بين الجانبين، تضمنت انسحاب القوّات الأجنبية من أفغانستان بعد 14 شهراً، وإطلاق حوار أفغاني داخلي، في شهر مارس من العام ذاته، بعد عقد صفقة حول تبادل الأسرى، نصّ على أن تفرج الحكومة الأفغانية عن 5000 مسلّح معتقل من الحركة، مقابل إخلاء سبيل 1000 عسكري تابع للسلطات في كابول من قبل “طالبان”.


 


ولعلّ الطامة الكبرى التي وقعت فيها الولايات المتّحدة الأمريكية من خلال الاتّفاق مع طالبان، هي إحياء الأمل في نفوس التنظيمات الإرهابيّة للقتال لسنوات طويلة، مُعشمةً ذاتها بسيناريو طالبان، فالممارسات التي كان يقوم بها التنظيم هي ذاتها الممارسات التي انتهجتها داعش في سوريا والعراق، أو جبهة النصرة وتنظيمات راديكالية أخرى في سوريا إبّان بدء الصراع المسلّح في البلاد عقب حراك شعبي بدء العام 2011.


وعليه، لا يبدو أنّ الدواعش قد يتوانون عن التفكير في فرضيّة تكرار نموذج طالبان معهم، وهو ما قد يدفع بمتزعميهم لضرب مثال طالبان وأمريكا أمام مسلحيهم، ليكون ذلك دافعاً لديهم للقتال على مدار سنوات طويلة، بحثاً عن اتّفاق مماثل.


أمريكا تترك الحكومة الأفغانيّة في منتصف الطريق


وعقب تلك السنوات من الصراع الدامي، وفشل الولايات المتّحدة الأمريكية في استئصال التنظيم الإرهابي من جذوره، وازدياد الحاضنة الشعبية المحيطة بالتنظيم، قد لا يكون قرار واشنطن بالانسحاب إلا بمثابة نحر للحكومة المشكّلة في كابول، والتي أضحت بين ليلة وضحاها بلا سند يمكّنها من مواجهة المتطرّفين، إلى درجة التصعيد في لغة الخطاب من طالبان تجاه كابول، وهو ما يمكن ملاحظته من تصريحات المتحدّثين باسم الحركة، والتي قالت، في السابع من أبريل، إنّها ستوقف مشاركتها في محادثات “عقيمة” مع الحكومة الأفغانية بشأن تبادل السجناء الذي شكّل بنداً أساسياً في اتّفاقها مع الولايات المتّحدة، إذ دوّن حينها المتحدّث السياسي باسم طالبان، سهيل شاهين، في تغريدة نشرها على حسابه في تويتر يلقي فيها اللوم على إدارة الرئيس الأفغاني، أشرف غني، في تأخير عمليّة إطلاق سراح السجناء: “لن يشارك فريقنا الفني في لقاءات عقيمة مع الأطراف ذات الصلة اعتباراً من الغد”.


 


فيما بدى الاستعجال الأمريكي من الجانب الآخر واضحاً أيضاً بأنّه ينوي الخروج من أفغانستان أيّاً كانت العواقب، حتّى لو أدّت إلى عودة حكم طالبان ذاتها، وهو ما يستشفّ من حديث المبعوث الأمريكي الخاص إلى أفغانستان، زلماي خليل زاد، في الثالث عشر من أبريل، عندما وصف تبادل أول للأسرى بين حركة “طالبان” وكابول بالـ”خطوة المهمة” نحو السلام، مغرّداً في حسابه على “تويتر”: “تبادل الأسرى خطوة مهمة في عملية السلام والحدّ من العنف”، مطالباً الطرفين إلى “تسريع الجهود لتحقيق الأهداف المنصوص عليها في الاتّفاق بين الولايات المتّحدة و”طالبان” “بأسرع وقت ممكن”.


وعليه، يبدو أنّ المستقبل الأفغاني لن يكون كما ابتغاه الأفغانيون غير المتطرفين، إذ أنّ مقدرة الحكومة الأفغانيّة المنقسمة على ذاتها إلى تيار الرئيس أشرف غني وتيار منافسه عبدالله عبدالله واللذين اتفقا للتوّ عقب تهديد أمريكي بقطع المساعدات الاقتصادية عن أفغانستان، (مقدرة الحكومة) مشكوك فيها، كونها لم تتمكن من ضبط الأمن إبّان وجود الآلاف من الجنود والمعدّات الأمريكية، ليطرح السؤال نفسه: كيف سيغدو حال الحكومة الأفغانيّة عقب خروج الأمريكيين، وهل ستبقى كابول ذاتها في أيديها، أم أنّ طالبان لن تتوانى في الانقلاب على بنود الاتّفاق مع الأمريكيين، والسيطرة على الحكم في كابول من جديد؟.


ليفانت-خاص


إعداد وتحرير: أحمد قطمة 

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!