الوضع المظلم
الخميس ٢٥ / أبريل / ٢٠٢٤
Logo
هل ينقذ الحراك الأخضر الديمقراطية في تركيا؟
احتجاج على مشروع قناة اسطنبول في كوتشوك تشكمجة ، اسطنبول. لافتة إعلانية في 22 تموز (يوليو) 2020

 


ترجمات/ليفانت اللندنية

كارينغي/أوروبا
فرانشيسكو سيكاردي
مدير برنامج رئيسي 

نشط المجتمع المدني عالمياً مع ظهور النشاط المناخي. ومع توضح عواقب تغير المناخ عمت الاحتجاجات مطالبة بتغيير فوري. بيد إن الحكومات استجابت عموماً بمزيد من العنف تجاه المتظاهرين ومزيد من التشريعات التعسفية ضد الاحتجاجات المناخية. كما قللت الأنظمة الاستبدادية مساحة الحرية للمجتمع المدني ونشاطه.

يعد الاستبداد عائقاً كبيراً أمام الحركات المناخية في العديد من الدول زادها عدم اكتراث الطغاة بالقضايا البيئية. في مثل هذه الحالات تثور الشعوب من أجل رزقها ثم تتحول ثورتها إلى منصة للنضال السياسي. علينا إذاً أن نعرف كيف يمكن للحراك المناخي تعزيز الحراك الديموقراطي.
 



تمثل تركيا مثالاً جيداً لما تعانيه من قمع يفوق غيرها من الدول وبحراكها الشعبي لمقاومة هذا القمع، إضافة إلى كون القضاياً البيئية والمناخية ملحة وخطرة.

بالاعتماد على سلسلة من المقابلات الفعلية التي أُجريت في مارس وأبريل 2022 مع نشطاء المناخ الأتراك وخبراء الحركة الاجتماعية، تقدم دراسة الحالة هذه نتائج مهمة ودروساً للمسارات المستقبلية للنشاط الأخضر في البيئات الاستبدادية.

ملامح الحركة الخضراء التركية

يعتبر النشاط الأخضر من أكثر المنصات شعبية لتعبئة المواطنين في تركيا، لكنه ليس الوحيد. فحركات السلام وحقوق الإنسان نشطة نسبياً، وأقواها في حشد الجماهير هي الحركة النسوية. وله ميزات ثلاث:

أولاً، طبيعة التهديدات البيئية التي تعبأ المواطنين عن بيئاتهم ضد التلوث والتدهور البيئي وتغير المناخ. فظهرت الجماعات المحلية المقاومة لمشروعات البنية التحتية الكبيرة والتهجير البيئي كعناصر نشيطة في الحركة الخضراء التركية في السبعينيات والثمانينيات رداً على التحول الصناعي للدولة على حساب الموارد الطبيعية.

ثانياً، الحركة الخضراء التركية لها امتدادات متنوعة. وتتألف من مجتمع مدني بيئي محترف في التسعينيات، كفرع الصندوق العالمي للطبيعة (WWF) وغرينبيس في تركيا، وأنشأت المؤسسة التركية لمكافحة تآكل التربة (TEMA). كما رفدتها بمنظمات غير حكومية أصغر للأنشطة المحلية والتنسيق مع الخارج لمناهضة استخدام الطاقة النووية والفحم.

ثالثاً، تتجاوز الاحتجاجات البيئية هدفها الأساسي في نظام استبدادي مستشرٍ كالذي أنشأه حزب العدالة والتنمية في تركيا كونه يستغل السياسات البيئية السيئة لإحكام قبضته على السلطة فيعطي حركة الاحتجاج الخضراء لتكون منصةً أكبر يمكن للقوى الاجتماعية الأخرى أن تلتف حولها.

يرتبط الكثير من النشاط الأخضر اليوم بالمشاريع الحكومية العملاقة. فالاحتجاج على التدهور البيئي ينطوي على احتجاج على فساد سياسي أدى إليه.

تقلص مساحة المجتمع المدني

شهدت الحركة تنوعاً في بدايتها. ولكن العقد الماضي كان عقد التداعي التدريجي نظراً لتفكك سيادة القانون في البلاد. إذ أصدرت الدولة سلسلة من القوانين عززت قدرتها على منع وقمع الاحتجاجات بكل أشكالها، حسب تقرير مشترك صادر عن ثلاثة مراكز بحوث. فتوترت الأجواء السياسية واعتقل النشطاء وأعلنت حالة الطوارئ فتقلص نشاط حماة البيئة عملاً ومضموناً فتخلوا عن المظاهرات لمصلحة المستوى المحلي.

تمثل احتجاجات عام 2013 في جيزي بارك في إسطنبول والانقلاب العسكري الفاشل عام 2016 نقطتي تحول في هذا الصدد. أدت الأولى إلى تسريع حاسم في تفكيك الحكومة لنظام الضوابط والتوازنات في تركيا. فكان الاحتجاج أحد أكبر التظاهرات المناهضة للحكومة في التاريخ التركي. فضربت الحكومة بيد من حديد فاعتقلت وضايقت النشطاء.

أما الانقلاب العسكري الفاشل في تموز (يوليو) 2016 فكان مسماراً آخر في نعش هندسة سيادة القانون في تركيا. وما حدث بعده من اعتقالات ومحاكمات قلص مساحة منظمات المجتمع المدني للالتقاء والتظاهر.

حتى بعد انتهاء حالة الطوارئ في عام 2018، ما تزال الحكومة قادرة على التدخل القاسي. بعد الانقلاب أغلق أكثر من 1500 مؤسسة وجمعية في تركيا، وفي ديسمبر 2021 جمدت أصول 770 منظمة غير حكومية بتهمة تمويل الإرهاب.

ثلاثة اتجاهات تشكل النشاط الأخضر التركي

أولاً: المقاومة، تقليد مستمر في الكفاح المحلي

بدأ الأتراك التحرك ضد مشروعات البنية التحتية الاستغلالية في السبعينيات والثمانينيات. عمت أرجاء تركيا كلها. في جرزها على البحر الأسود إلى سوما على ساحل البحر الأبيض المتوسط إلى الحركة الشعبية المناهضة لسد "إليسو" وفيضان مدينة "حسن كيف" القديمة جنوب شرق تركيا. الاحتجاجات البيئية المحلية هي واحدة من أكثر أشكال الاضطرابات الاجتماعية ديناميكية في تركيا تشمل كل الأعراق واللغات الموجودة في تركيا. 

إحدى الحركات المحلية حركة حماية جبال "إيدا" الواقعة 30 ميلاً جنوب مضيق الدردنيل على ساحل المتوسط في تركيا. في يوليو 2019، تجمعت قلة من النشطاء للاحتجاج على مشروع استخراج الذهب الذي سيزيل الغابات ويلوث التربة والمياه ويدمر النظام البيئي المحلي.

مع تنسيق من منصة (أخوية جبال إيدا) استعر الاحتجاج ليشمل عشرات الآلاف من المتظاهرين بحلول أغسطس. لمعت الحركة بعد نجاح أكرم إمام أوغلو رئيساً لبلدية إسطنبول، وانضم إلى الحركة سياسيو المعارضة. والنتيجة كانت عدم تجديد الحكومة لامتيازات شركة "آلموس جولد" الكندية بالرغْم من استمرار وجودها إلى الآن.

مثال آخر وبأهمية سابقه هو التعبئة ضد قناة إسطنبول، مشروع هائل روّجه أردوغان. مشروع يربط البحر الأسود وبحر مرمرة، مما يخلق طريقاً بحرياً بديلاً إلى مضيق البوسفور. فرد النشطاء بإنشاء منصة (إما القناة أو إسطنبول). تدعم هذه المنصة ما يقرب من 150 منظمة تابعة للمجتمع المدني، التي تقدم أفضل مثال على كيف يمكن للتعبئة ذات الدوافع البيئية أن تشجع الجهات المدنية الأخرى خارج دوائر النشاط الأخضر.

لا يطرح شعار المنصة المطالب البيئية ضد تدمير النظم البيئية البحرية والمناطق الزراعية فحسب؛ بل يطالب أيضاً بالشفافية في التحقيق في قضايا الفساد والعدالة الاجتماعية.

في معظم الحالات، قد يرفض المتظاهرون المحليون أي ارتباط بحركة خضراء وطنية خوفاً على مجتمعاتهم. لكنهم تعلموا عبر الزمن أنه فقط بواسطة الاتصال بالمنصات البيئية والمناخية الوطنية يمكنهم رفع قضاياهم وإبرازها وتأمين نتائج ناجحة. ولكن حتى مع ذلك يحرص المتظاهرون على الحياد بعيداً عن الحكومة والمعارضة.

ثانياً: التكيف. أن تصبح أكثر توجهاً نحو المجتمع أو احترافاً

نتيجة تقييد الحريات المدنية أوائل 2010، صارت تحركات المعارضة أكثر حذراً على الأرض أو الإنترنت. لذلك توجهت مجموعات الناشطين نحو المبادرات المحلية الصغيرة تكيفاً مع هذه الظروف.

قدمت الخبيرة السياسية أوزجي زيني أوغلو لمحة من استراتيجيات التكيف تلك منذ احتجاجات جيزي بارك. فتقول: “مع أنّ النشطاء يؤكدون على أهمية اجتماع الناس معاً من أجل قضية ما، كثير من الناس لن ينضموا إلى الجماعات المدنية لمجرد المشاركة في الاحتجاج”.

وخير مثال على هذا الاتجاه في الحركة البيئية هو الدفاع عن الغابات الشمالية (KOS)، وهي منظمة غير حكومية ولدت من احتجاجات جيزي بارك وتركز على حماية الاستدامة البيئية للمنطقة الواقعة شمال إسطنبول. استمر أعضاء KOS في أنشطتهم بتنظيم رحلات المشي لمسافات طويلة في الغابات لعرض معركتهم على مجموعات جديدة.

أما الأجزاء الأخرى من المجتمع المدني الأخضر في تركيا صارت أكثر احترافاً نتيجة لتدهور سيادة القانون الذي تزامن مع تركيز عالمي غير مسبوق على الدعوة للمناخ. بعد مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ في ديسمبر 2015 (COP21) في باريس، وسعت منظمات وشبكات المجتمع المدني الدولية العاملة نطاق عملياتها للتنسيق محلياً ودولياً.

كانت تركيا هدفاً طبيعياً لهذا التواصل كونها تستخدم الفحم كمصدر أساسي للطاقة ولها تاريخ طويل من التظاهرات المناهضة لاستخدام الفحم. أنشأت منظمات مثل شبكة العمل المناخي في أوروبا والمؤسسة الأوروبية للمناخ فروعاً لها في تركيا، وبالرغم من صغر عملياتها، كان وجودها حافزاً لمنظمات المجتمع المدني الخضراء لتوجيه عملها نحو أهداف تركيا المناخية.

رمزياً، جرت آخر تظاهرة مناخية كبيرة في تركيا في مايو 2016 في مدينة علي آغا على ساحل البحر الأبيض المتوسط، تحت شعار الحملة الدولية “تخلوا عن الفحم”، التي نظمتها منظمة 350 العالمية. منذ ذلك الحين، أنشأت وعُززت الشبكات المناهضة للفحم بفضل الخبرة المهنية الخارجية والتمويل أحياناً. وقد أدى هذا بدوره إلى زيادة الاحتراف في صفوف النشاط المناخي التركي.

ثالثاً: الارتباط بالموجة الخضراء العالمية

ظهرت أشكال جديدة من المشاركة المناخية كجزء من اتجاه عالمي بدأ في عام 2018، عندما أُسست حركتان الأولى إضراب مدرسي من أجل المناخ على يد الناشطة السويدية غريتا ثونبرغ (حملة أيام الجمعة من أجل المستقبل) والحركة البيئية “تمرد ضد الانقراض (XR)”. وسرعان ما حققتا انتشاراً عالمياً وكلاهما ممثل اليوم في تركيا.

سارع الطلاب الأتراك للانضمام إلى ثونبرغ، ونُظم 134 يوم “جمعة من أجل المستقبل” في تركيا منذ آذار/مارس 2019. ومع ذلك، بعد ثلاث سنوات، خبا نشاطها لذلك تكافح الحركة للاحتفاظ بالمشاركة الجماهيرية والعودة إلى نشاط عام 2019.

تبقى المجموعات الطلابية جزءاً مهماً من حركة المناخ التركية. ظهرت منصات شبابية جديدة، مثل “شباب من أجل المناخ تركيا”، التي ارتبطت بأجزاء أخرى من المجتمع المدني الأخضر كتنظيم حملات حول مواضيع مثل الحد من استخدام الفحم.

أنشأ المتطوعون الفرع التركي لمنظمة “تمرد ضد الانقراض” وبدأوا ترجمة مواد المنظمة إلى اللغة التركية بعد وقت قصير من ولادة المنظمة أواخر عام 2018. حدد النشطاء أهداف المنظمة بزيادة الوعي بحالات الطوارئ المناخية وجعل الحكومة تسير نحو إلغاء انبعاثات غازات الدفيئة بحلول 2030.

مثل حركة ثونبرغ فقدت XR تركيا بعضاً من دافعها الأولي وطاقتها. قد يكون أحد الأسباب هو صعوبة التكيف مع البيئة القمعية في تركيا. يقول نشطاء: “قد يلقى احتجاز عدد كبير من النشطاء صدىً واسعاً في إنكلترا، ولكن ليس في تركيا”. لهذا السبب، وجهت شركة XR Turkey أعمالها نحو الفن والموسيقى ونظمت تظاهرات إبداعية لمساعدة المواطنين على فهم عواقب أزمة المناخ.

في جميع المجالات، يبدو أن المجموعات المناخية المحلية والعالمية الممثلة داخلياً هي الأكثر جاذبية للفئات الشبابية. لهذا السبب، وبفضل استخدامهم لوسائل التواصل الاجتماعي، تحقق هذه المجموعات النجاح الفوري ورؤية واضحة ولكنها تخبو بسرعة.

الحزب الحاكم والبيئة

في الأنظمة الديمقراطية، تعتبر الحكومات أحد الأسباب في تدهور البيئة. فهم مسؤولون عن إدارة سياسات البيئة والطاقة في بلدهم؛ يوقعون على مشروعات البنية التحتية الكبيرة؛ ويمكنهم التنازل عن امتيازات لشركات خاصة لاستغلال الموارد الطبيعية للبلاد.

أما في الأنظمة الاستبدادية، يقوي الافتقار إلى البدائل السياسية العَلاقة بين الحكومات والتدهور البيئي. إن الفساد في منح التراخيص والتصاريح عادة ما يكون عاملاً مقوياً للتدهور. زيادة على ذلك، فإن تقلص مساحة المجتمع المدني يعزز ديناميكيات المعارضة بين المواطنين المعبئين والحكومة. وبتقليص مساحة حرية التعبير ستنظر الحكومة إلى كل اعتراض على القرارات العامة -بما فيها الضارة بالبيئة- على أنه تطرف.


Turkey environmental movements density analysis, 2009–2019.

تلعب كل هذه الديناميكيات دوراً في تركيا حيث تسيس الحكومة الأجندة الخضراء وتقمعها لأنها، أي الحكومة، تصور نفسها كملجأ وحيد لحماية البيئة.

للعلاقة بين التدهور البيئي والاستبداد المتزايد في تركيا ثلاثة جوانب رئيسية.

الأول، هو الارتباط القوي بين السياسات البيئية والتحول الاجتماعي الذي أدى إلى ظهور وتوطيد حكم حزب العدالة والتنمية من أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين فصاعداً. كان جزء من النجاح الأولي لحزب العدالة والتنمية هو توفير أسلوب حياة حديث لملايين المهاجرين الريفيين الذين يعيشون في المدن التركية. على ذلك، شرعت الحكومة في عملية واسعة للتحول والتجديد الحضري التي غيرت مظهر العديد من المدن. بنيت مئات الآلاف من المنازل الجديدة والمطارات والطرق السريعة والسكك الحديدية عالية السرعة والمستشفيات والجامعات والمتاحف. غيرت العديد من القوانين لتسريع هذا التحول.

ثانيا، للحفاظ على قاعدته الانتخابية سعيدة والحفاظ على صعوده الاجتماعي المستمر، اتبع حزب العدالة والتنمية سياسات تنموية بشكل ملحوظ لتعزيز نمو تركيا.

القرارات الحاسمة، كالدفع لإنتاج واستهلاك الطاقة من الفحم والاستثمارات في الطاقة النووية والكهربائية على حساب النظم البيئية المحلية وفتح الأراضي العامة للتنمية الخاصة كان لها آثار مدمرة على بيئة البلاد. لم تكن المدن التركية وحدها هي التي غيرت مظهرها في ظل الحزب الحاكم: فقد قطعت الغابات وجوفت الجبال وحرفت الأنهار لمصلحة مشروعات البنى التحتية الحكومية.

ثالثا، استخدم حزب العدالة والتنمية موارد هذا التصنيع المتسارع لإحكام قبضته على السلطة. خلق الحزب الظروف لإعادة توزيع ثروة كبيرة على شبكة صغيرة ومتماسكة من مؤيدي الحزب وحلفائه من طريق “تشويه قواعد وإجراءات الشفافية” والاعتماد المفرط على الشراكات بين القطاعين العام والخاص لبناء بنية تحتية شاملة واستخدام الامتيازات التي تسيطر عليها الدولة. تلوثت معظم مشروعات البنية التحتية العملاقة من مطار إسطنبول الثالث والجسر إلى قناة إسطنبول بالفساد وسوء السلوك. يبدو أن العديد من حلفاء أردوغان قد ازدادوا غنىً بفضل المناقصات والحوافز التي تلقوها في مجالات البناء والتعدين والطاقة.

معالجة النشاط الأخضر وجها لوجه

عام 2013 قرر أردوغان مواجهة الحركة الخضراء. في ذلك الصيف، عمت التظاهرات البلاد احتجاجاً على نموذج الحكم لحزب العدالة والتنمية بعد عقد من تولي الحزب السلطة. على حد تعبير مارك بيريني من جامعة كارنيغي، “طُلب من الحكومة التركية أن تأخذ في الاعتبار التداعيات البيئية والاجتماعية والاقتصادية لأعمالها وأن تمنح الناس صوتاً محلياً أكبر في عملية صنع القرار”. هكذا بدأت الحركات البيئية تقض مضجع القيادة التركية.

لم يترك رد الحكومة مجالاً للشك حول موقف “الحزب” من البيئة ومن حقه في السلطة. في ظل المناخ السياسي المتزايد الاستقطاب في البلاد قدم أردوغان نفسه أنه يمتلك ناصية الحركة البيئية الحقيقية، وصوّر التعبئة على أنها مجرد حيلة لمهاجمة الحزب الحاكم ووصف النشطاء بالإرهابيين وأكد على شرعية إجراءات الحكومة مستنداً إلى النجاح الساحق لحزبه في الانتخابات العامة عام 2011.

بدأ بعدها تقلص دور المجتمع المدني سياسياً. والمفارقة أن تركيا كانت تعمل على تحسين سجلها كجزء من عملية انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي. بدأت الحكومة تنظر إلى منظمات المجتمع المدني، وفيها المنظمات البيئية، بشكل متزايد من منظور حزبي وتجاهلها كعملاء للمعارضة، وتجاهل الأدلة العلمية أو اقتراحات السياسة وتحويل التمويل بعيداً عن الجهات الفاعلة الحاسمة.

"التمويل، نقطة مركزية وقناة أخرى تقيد الأنظمة الاستبدادية بها مثل هذه الحركات. إذا واجه النشطاء صعوبة في جمع الأموال محلياً، فسيبدأون في الاعتماد على الخارج مما يعزز ادعاء الحكومة بأنهم عملاء أجانب يعملون على إسقاط النظام."

عانت الحركة الخضراء التركية من تقلص مساحة المجتمع المدني تماماً كأي حركة اجتماعية أخرى في البلاد – تكافح لنموها وتماسكها وحصر منظورها لتصبح قوة تعبئة، ومع ذلك تسعى جاهدة لتؤدي دوراً فعالاً سياسياً. اتخذت الحكومة محلياً إجراءات محددة لمنع إنشاء حزب الخضر التركي. في الماضي، فشل حزبان تركيان من حزب الخضر في التغلب على العقبات التي وضعها قانون الانتخابات التركي لتجنب ظهور أحزاب أصغر.

والجدير بالذكر أن الحزب يجب أن يفوز بما لا يقل عن 10 في المئة من الأصوات -وسيُخَفَضُ إلى 7 في المئة في أوائل عام 2023- في انتخابات برلمانية لدخول المجلس التشريعي ويجب أن يكون قد أسس وجوداً في ما لا يقل عن نصف الولايات التركية البالغة 81 ولاية قبل ستة أشهر في الأقل من الانتخابات.

اقرأ المزيد: تقرير حقوقي يوثق التعذيب في تركيا.. بالأرقام شهادات وجناة هاربون من العدالة

قد يواجه الحزب الأخضر التركي الثالث، المؤسس في سبتمبر/أيلول 2020، نفس العقبات. لكن هذه المرة، اتخذت وزارة الداخلية قراراً فعلياً بعدم الموافقة على تسجيل الحزب -وهو شرط أساسي لعمله في تركيا. السبب غير واضح. فقد طلبت أطراف أخرى لها نفس التسمية التسجيل وحصلت عليه في غضون أيام أو أسابيع. لما كانت الحكومة لم تقدم أي تفسير حتى الآن؛ فالخوف من احتمال نجاح حزب الخضر بين شباب الناخبين يبدو أوضح سبب للقرار.

هل ينقذ النشاط الأخضر الديمقراطية في تركيا؟

في الاستبداد السياسي المستشري في تركيا، ما يزال المجتمع المدني الأخضر ناقلاً للاضطرابات الاجتماعية. هذا مع أنّ القيود التي تفرضها الحكومة، التي تبين أن مثل هذا النشاط ممكن في السياقات المتشددة والاستقطابية.

يزدهر النشاط الأخضر بسبب طبيعة التهديدات البيئية: يرى الأتراك غاباتهم تحترق وجبالهم مجوفة ووديانهم مغمورة. فيحتشدون من منطلق الاهتمام الأساسي لديمومة مجتمعاتهم. ولكن بسبب الصلة بين سوء الإدارة البيئية والحكم المستبد، يمكن أن تصبح الاحتجاجات الخضراء منصة لمنافسة تتجاوز البيئة وتشمل مطالب بحوكمة أكثر شمولاً وشفافية.

اقرأ المزيد: كلا. الغرب ليس مضطراً لاسترضاء أردوغان

ومع ذلك، تمنع العقبات التي وضعتها الحكومة التركية في طريق المجتمع المدني الحركة الخضراء من أن تصبح أكثر تماسكاً وفعالية. حتى إذا استمر النشطاء الخضر في التعبئة والمطالبة بمستقبل أكثر خضرة وعدلاً لبلدهم، فإنهم لن يوقفوا السقوط في دوامة الاستبداد.

لكن في الفترة التي تسبق الانتخابات العامة المقبلة في تركيا قد يوفر الناشطون البيئيون بعض الطاقة والأدوات لمواجهة الحكومة التركية بشأن القضايا التي تهم المواطنين. قد لا ينقذ النشاط الأخضر الديمقراطية التركية لكن من الضروري إبقائها حية.


ترجمة: وائل سليمان_فادي حسن

 

 

 

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!