الوضع المظلم
الخميس ٢٥ / أبريل / ٢٠٢٤
Logo
هل دخل الاتفاق النووي حالة الموت السريري؟
عمار جلو 

تتآكل الآمال التي نثرتها تصريحات المشاركين في مفاوضات فيينا النووية بعد توقف المفاوضات، في الحادي عشر من آذار الماضي، تلاها تراجع أو فرملة التصريحات الوردية التي أطلقها الجانبان الرئيسان في المفاوضات، بعد تقدم الجانب الإيراني بمطالب تتجاوز حدود الاتفاق المراد إحياؤه، تبعها مطالب مماثلة من الجانب الأمريكي.

بمعزل عن الشروط الروسية التي اعتبرها عميد الدبلوماسية الأوربية، جوزيل بوريل، في تغريدة له على حسابه الرسمي بموقع "توتير"، سبباً لتوقف المفاوضات، إلا أنّ الأسباب الجوهرية لتعقد المفاوضات ووصولها لطريق مسدود لا تتوقف عند ضفاف المطالب الروسية، في ظل انعدام الثقة بين الطرفين الرئيسين، والمضروبة على امتداد العقود الأربعة الماضية، وبالتالي فإن أي قرار مهما علا شأنه، يسهل إصداره في أجواء وجود الثقة، ويقترب صدوره من الاستحالة في ظلّ غيابها.

ظهرت أزمة انعدام الثقة جليةً حيال المطلب الإيراني برفع الحرس الثوري عن قوائم المنظمات الإرهابية الأجنبية في واشنطن، والذي اعتبره البعض بمثابة قنبلة قد تنسف المفاوضات، فيما هو حقيقةً، جانب من جوانب انعدام الثقة بين الطرفين، والتي تصّعب التوصّل وفق أجوائها لاتفاق بينهما وتلغي ثمار أي اتفاق إن تم إنجازه. وفي ضوء الحديث عن استثمارات أمريكية - أوربية في السوق الإيرانية البكر وحاجة واشنطن لإدخال موارد الطاقة الإيرانية في السوق العالمية، بعد الهزة التي أصابت أسواق الطاقة جراء الحرب الروسية الأوكرانية وما تلاها من عقوبات غربية غير مسبوقة على روسيا، طال بعضها قطاع الطاقة الروسية، الشريان الرئيس لسوق الطاقة العالمي. 

فيما يخصّ موارد الطاقة الإيرانية، تتبنى واشنطن سياسة تطويق ومنع إدماج إيران في سوق الطاقة العالمي، من خلال معارضتها مرور مشروع الإمداد العالمي (الأمريكي) نابكو في الأراضي الإيرانية، والذي لم يحدث أي تغيير في خرائط عبوره لصالح إيران خلال شهر العسل الأمريكي الإيراني إثر توقيع الاتفاق النووي عام 2015.  وتأتي المتغيرات السياسية والجيوسياسية التي ضربت المنطقة لتضاعف تعقيدات إدماج إيران في سوق الطاقة العالمية، إذ نصّ الاتفاق الذي أنهى المعارك في إقليم ناغورنو كرباخ على إنشاء ممر يربط إقليم ناخشيفان بأذربيجان، مما شكّل سداً أذرياً - تركياً في وجه أي مشروع إيراني محتمل لتزويد أوربا بالغاز بعيداً عن تركيا، حيث تعتبر الأخيرة خزان إمدادات الطاقة العالمية، نتيجة موقعها كبوابة لدخول أوربا في جميع مشاريع الإمداد العالمية، باستثناء المشاريع الإيرانية، سواءً عبر أرمينيا أو الخط الإسلامي عبر العراق – سوريا - البحر المتوسط، والذي تقف له كلاً من تركيا وروسيا بالمرصاد.

تشهد السياسة الخارجية التركية استدارة وعودة الدفء لعلاقات مع دول شهدت فتوراً في العلاقة خلال الأعوام الفائتة، ويسهم دفء العلاقة مع مصر وإسرائيل في حلحلة القضايا المتأزّمة بينهما، ومنها موضوع الطاقة، ضمن مساعي أنقرة لتثقيل موقفها في جانبي إمداد الطاقة وخطوطها في مشروع غاز شرقي المتوسط، الذي تتصدّر فيه مصر وإسرائيل مكانة ريادية، بالإضافة للتسريبات الإعلامية التي تحدثت عن المباحثات التي أجراها مؤخراً الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، مع رئيس إقليم كردستان العراق، نيجيرفان بارزاني، بخصوص إمداد أوربا بالغاز العراقي الكردستاني عبر تركيا.

تحدثت تسريبات أخرى عن ضغوط مارستها موسكو على حكومة بغداد لإعادة تفعيل خط النفط العراقي عبر الأراضي السورية الواقعة تحت الوصاية الروسية، مما يؤكد أن موسكو تستثمر في المشاكسة الإيرانية لتعزيز موقعها في مواجهة دول الأطلسي، والتي فتحتها الحرب الأوكرانية على مصراعيها، وتحرص موسكو ضمن هذه النهج على ألا تترك لطهران مساحة للاستقلال بقرارها الذي قد يؤدي إلى انتزاع أوراق الضغط الروسية في مواجهة العواصم الغربية.

يُسقط البعض الوزن الذي تتمتع به دول مجلس التعاون الخليجي في مجال الطاقة، خلال الحديث عن هرولة واشنطن في سبيل الوصول لاتفاق مع طهران يبنى عليه لاحقاً إدماجها في أسواق الطاقة العالمية، ضمن المساعي الأمريكية لتأمين الاستقرار في أسعار وإمدادات الطاقة، وهي قراءة غير دقيقة بالمقارنة بين الإمكانات الطاقوية لإيران ودول مجلس التعاون، بدا ذلك في المحاولات الأمريكية لاسترضاء الرياض وأبو ظبي بعد جفاء العلاقة بين الجانبين مع دخول الرئيس الأمريكي جو بايدن للبيت الأبيض، ناهيك عن الإمكانات اللوجستية الهائلة لدول مجلس التعاون في تسريع مشاريع إمدادات الطاقة إلى أوربا مقارنة بالإمكانات الإيرانية المتواضعة، والتي قد تنتهي أزمة الطاقة الحالية قبل تأمينها وحلحلة عُقدها من قبل حكومة طهران. وبالنتيجة فإن أي مفاضلة بين حلفاء تقليديين على قدر كبير من الإمكانية في مقابل جانب غير موثوق وغير متمكّن هي مفاضلة غير منطقية. هذا من جانب، ومن جانب آخر، لا يمكن إغفال الدور الإسرائيلي والتقارب العربي الإسرائيلي، بالنظر إلى النفوذ الإيراني في المنطقة باعتباره تهديداً وجودياً للطرفين، بما يملكه الطرفان من قوة التأثير في السياسة الخارجية الأمريكية. 

صُمّمت العقوبات الأمريكية القصوى من قبل إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، بطريقة عنكبوتية يستحيل فك جزء من خيوطها دون إحداث الضرر بخيوط أخرى، عبّر عن ذلك مسؤول الملف الإيراني في مجموعة الأزمات الدولية، علي واعظ، بالقول: "إنها مصممة ليكون الرئيس في موقعه الذي هو فيه"، بمعنى تكبيل الرئيس بطريقة لا تمكنه من اتخاذ قرار مؤثر تجاه رفع العقوبات، وإلا فإنه يفتح بيديه أبواب الانتقادات المؤثرة والهزات الحزبية الداخلية.

كنت قد أشرت في مقال سابق لطريقة إعداد العقوبات ووضعها تحت بنود لا علاقة لها بالبرنامج النووي مما يصّعب رفعها جميعاً حسب المطلب الإيراني (الخط الإيراني الأحمر)، وعدم وجود تأثير حقيقي لرفع العقوبات المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني فقط، استشهدت حينها بالبنك المركزي الإيراني، والمعاقب تحت بند الإرهاب، حال الحرس الثوري. وإلى ذلك صرّح المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، نيد برايس، بالقول: "إذا أرادت إيران رفعاً للعقوبات يتخطّى المنصوص عليه في الاتفاق النووي فعليها أن تستجيب لهواجسنا التي تتخطّى الاتفاق النووي". وهو ما تعارضه طهران لما ينطوي عليه من وضع برنامجها الصاروخي وسلوكها الإقليمي على طاولة المفاوضات الدولية.

ضمن رغبة الطرفين الأمريكي والإيراني للوصول للاتفاق، تنشط الدبلوماسية العالمية لتقريب وجهات النظر بين الجانبين، وتتحدث بعض المصادر الإعلامية عن أربع قنوات لتبادل الرسائل بين الجانبين، تشكل مسقط أحد هذه القنوات، غير أنها معنية بمسألة الإفراج عن تبادل الأسرى، فيما تعارض طهران القناة القطرية الراغبة بجلوس الطرفين مباشرة لإتمام الاتفاق، وفق نظرة طهران بأن مسقط هي القناة المعهودة لهذا الدور وليست الدوحة.

وينشط مفوض السياسة الأوربية، أنريكي مورا، على خط تبادل الرسائل بين الجانبين برغبته في الوصول لاتفاق وعدم إضاعة جهود عامٍ من المفاوضات سدى، إلا أن المهمة التي يتصدر لها باتت أكبر من إمكانياته. فيما تبقى جهود الوكالة الدولية للطاقة الذرية محكومة بتعزيز صلاحياتها للإشراف على البرنامج النووي الإيراني أكثر من كونها جهة تتطلع لدور سياسي قد يؤثر على مهمتها.

وعلى ذلك يمكن التخمين بأن الاتفاق النووي المأمول أصبح جثة هامدة تنتظر دفنها، بعد أن أجهزت عليه العديد من العوامل الداخلية والخارجية المتعلقة بطرفي الاتفاق، منها مطالب اللجبة البرلمانية الإيرانية بالتأكيد على مسألة الضمانات، ومنها الحرب الأوكرانية، التي نظر لها البعض كدافع تسريع إتمام الاتفاق، فيما هي في الحقيقة مقبرة الاتفاق، رغم محاولة البعض تعليق الفشل على مشجب الشروط الروسية ومطلب رفع الحرس الثوري عن قوائم الإرهاب، للاستثمار بهما في إحداث شرخ داخلي وخارجي في الساحة الإيرانية، وقد لا يطول الزمن كثيراً حتى تعلن قناة الجزيرة، النافذة الإعلامية العربية لإيران، على أنّ طهران على صفيح ساخن. 

 

ليفانت – عمار جلو

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!