الوضع المظلم
السبت ٢٠ / أبريل / ٢٠٢٤
Logo
هل المشكلة في شخص الدكتاتور؟
كفاح محمود كريم

صحيح أن آلاف الجنود يقتلون ولا يتم ذكر بطولة أي منهم أمام بطولة قائدهم الذي تتكثّف حوله ظاهرة التوصيف والمديح والتوثيق، وتنفرد وسائل الإعلام في الشرق والغرب على القيام بهذه المهمة لتظهر بطل القصة دون الخوض في التفاصيل الأخرى.

وتبدو هذه الثقافة جلية في الشرق الأوسط، عموماً، والدول العربية، خاصة، حيث شماعة الدكتاتور العملاقة التي تتحمل أوزار كل ما يحصل في تلك المجتمعات، وكأنما منظومة الحكم وملحقاتها وثقافتها الاجتماعية والسياسية التي تتحكم في كل مفاصل المجتمع والاقتصاد بريئة مما تفعله تلك الأنظمة الشمولية، وبذلك تجري عملية تقزيم لمأساة تمتد لعشرات السنين، منذ تأسيس كثير من هذه الأنظمة على أسس بدوية عشائرية لا تمت بأي صلة للعالم الجديد وحضارته في الفكر والسياسة والاقتصاد، حتى لكأنك تشعر وأنت تقرأ التاريخ الغابر، ما زلتَ تعيش في القرون الوسطى، بل وإن كثيراً من الأجواء حول بعض الرؤساء الطغاة ترحلُ بك إلى فضاءات وأجواء خلفاء بني أمية والعباس وحتى ورثتهم من بني عثمان.

في دمشق كما في بغداد قبلها، وما يحصل الآن من صراع دموي عنيف في اليمن وليبيا، ليس كما تسوّق له بعض وسائل الإعلام من أنه صراع بين بشار الأسد والشعب السوري، أو قبله بين صدام حسين والعراقيين، وكذا الحال في ليبيا واليمن وغيرهما، إنه صراع بين الشعوب ومنظومة الدكتاتوريات المؤدلجة ونظمها الفكرية والثقافية والاجتماعية، التي كثفت كل مساوئ التاريخ وعفونته، صراع بين أنظمة استقطبت حولها كل مظاهر التسلّط الاجتماعي والقبلي والديني المتطرف والفردية والنرجسية وإلغاء الآخر وتكميم الأفواه وإشاعة العبودية، وسخرت لأجل ذلك كل ما على الأرض وباطنها في تلك البلاد من بشر ومال وثروات وقوة وسلاح، حتى غدت إمبراطوريات بوليسية تحكمها مجاميع من الغرائزيين والوصوليين والساديين والفاشلين وأعداد أخرى من أصحاب أنصاف المهن والثقافات والمعرفة والرتب من نواب الضباط والعرفاء والمفوضين الذين أصبحوا يحملون رتباً فلكية من قبل فريق ومشير ومهيب وفيلد ماريشال.

لقد شهدنا نهاية صدام حسين وسقوط هيكل دولته كأشخاص، لكننا أيضاً شهدنا ونشهد الآن استمرار ذلك النهج المتخلف في السلوك والممارسة لدى الكثير من القيادات الحالية على المستوى الحكومي أو البرلماني أو الفعاليات السياسية، وحتى في المجتمع، والتي تتكثّف في حلقات الانتهازيين والوصوليين واللصوص والطبقات الرثة التي تم إعدادها وتربيتها من قبل النظام طيلة أربعين عاماً، لكي تبدأ هي الأخرى مرحلة جديدة مع الاحتلال  وأخطاء الحاكمين الجدد، وكذا الحال في مصر بعد شخص مبارك وفي تونس بعد زين العابدين، إنها نسيج من الثقافة الأحادية والسلوك المنحرف والطبيعة العدوانية لمجاميع من الموظفين والعسكريين وقوات الأمن الداخلي التي تمثّل بقايا تلك الأنظمة المتساقطة.  

إنّ المشكلة في سوريا ليست بشخص رئيسها فقط وإنما بالمنظومات التي أنتجها النظام السياسي وحزبه، سواء كانت على شكل سلوك أو ثقافة أو تقاليد، أو منظمات استقطب فيها النظام مجاميع كبيرة من اللصوص والقتلة والانتهازيين ونكرات المجتمع وسقط المتاع طيلة حقبة حكمه، وهذه الأنماط البشرية المنحرفة تفعل كل الأفعال الشنيعة دون وازع من ضمير أو عرف أو قانون، لأن النظام نجح في انتزاع إنسانيتها وأخلاقيات مجتمعها، وحولها إلى حيوانات كاسرة، كالتي شهدناها بين عامي 2004 و2008 في العراق، وما كانت تفعله من عمليات قتل جماعي وسادية مفرطة في الذبح والتعذيب والحرق، امتداداً لما فعلته هي ذاتها في حلبجة والأهوار والأنفال.

وفي سوريا شهدنا مجاميع مما عرف بـ (الشبيحة) تقوم بقتل أفراد الشرطة والعسكر والهجوم على المقرات الحكومية وقتل من فيها وإحراقها، على أن ذلك من أعمال المتظاهرين، مما يعطي شرعية ويتيح لقوات حكومية بتنفيذ مذابح في قرى ومدن أخرى، كما حصل في درعا وحماة وحمص وريف دمشق، وهو بالتالي أيضاً يأتي امتداداً لذات السلوكية الإجرامية التي فعلها النظام في حماة قبل أكثر من عقدين من الزمن.

عاجلاً أم آجلاً ستسقط هذه الأنظمة الدكتاتورية، وكما قلنا ذات مرة، إن سقوط نظام صدام حسين لم يكُ على أيدي الأمريكان وقواتهم، بل إن نظامه سقط يوم قرر إهانة شعبه وقتله، سواء في كردستان أو في الأهوار أو في الرمادي أو حتى مع جناح من أجنحة حزبهم، وكذا الحال في نظام سوريا، فهو سقط يوم قرر أن يدمر حماة ويستحوذ على السلطة لوحده، ويورث الحكم ويهين شعبه ويقتل المئات من خيرة أبنائه لأنهم أرادوا أن يعبروا عن آرائهم بحرية وسلام.. إنهم ساقطون ساقطون عاجلاً أم آجلاً.
 

ليفانت - كفاح محمود

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!