الوضع المظلم
الجمعة ٠٨ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
نووي كوريا الشمالية مسمار جحا الذهبي
/نووي كوريا الشمالية بسمار جحا الذهبي Image by Gerd Altmann

ليفانت_ تحليل إخباري

 

تجري مؤخراً تحركات دولية لإعادة ضخ شحنة إيجابية في مسيرة المباحثات المجمّدة بين الولايات المتحدة و كوريا الشمالية. وتقود كوريا الجنوبية هذه المساعي بإشراف "كيم يون-تشول" وزير الوحدة الكوري الجنوبي المعين في هذا المنصب الجديد في آذار الماضي من قبل الرئيس مون جيه.

الوزير كيم يون قال يوم الثلاثاء المنصرم بأن كوريا الجنوبية تعمل جاهدة للمساعدة على استئناف المحادثات النووية المتوقفة بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة، مضيفا أن التقدم في المفاوضات سيكون مفتاحا لتحسين العلاقات بين الكوريتين. كما أكّد في مؤتمر صحفي في سيؤول أن "استئناف المفاوضات بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية يعد أكثر الأولويات إلحاحا بالنسبة لنا".

وصرح مسؤول في المكتب الرئاسي للصحفين يوم أمس الجمعة رداً حول إمكانية عقد قمة رابعة بين الكوريتين قال "بأن المحاولات مستمرة للاتصال مع كوريا الشمالية".

جهود مستمرة

تبذل كوريا الجنوبية جهوداً حثيثة و تعمل مع كل الأطراف الدولية الفاعلة لإتمام المباحثات بشأن نزع السلاح النووي من كوريا الشمالية و إحلال السلام.

وسبق أن زار مستشار كوريا الجنوبية للأمن القومي دولة الصين حليفة كوريا الشمالية في 12 و13 مارس/ آذار من عام 2018 واجتمع بالرئيس الصيني شي جين بينغ وأطلعه على كل المعلومات وعن مخطط القمة بين الكوريتين، وكذلك القمة الأولى بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة و طلب منه المشورة والمساعدة.

كما خطط نفس المسؤول لزيارة روسيا في 14 مارس/آذار لنفس الأسباب. في المقابل زار مسؤول كوري جنوبي آخر دولة اليابان وتشاور مع رئيس الوزراء شينزو آبي في مجموعة من المواضيع بما في ذلك نزع السلاح النووي والبحث عن سلام دائم في شبه الجزيرة الكورية.

معطيات إيجابية وشروط كورية قبل القمة الأولى

بُعيد المحادثات، توضع التصريحات في ميزان التأويل أيضا لما تحمله من المجاز والاقتضاب و هو ما يمكن أن نبني عليه توقعنا في الجدية والسرعة المرتجاة والواضحة في مساعي الطرف الكوري، إذا ما عدنا إلى تصريحات الزعيم كيم في القمة الأخيرة عندما قال " ما كان ليحضر قمة فيتنام مع ترامب لو لم يكن مستعدا لنزع الأسلحة النووية من شبه الجزيرة الكورية" كما عبّر عن ترحيبه بفتح مكتب إتصال أميركي في العاصمة الكورية الشمالية بيونغ يانغ.

إلى ذلك، عرضت كوريا الشمالية في 10 نيسان إبريل 2018 خمس التماسات للقمة الثنائية الأولى كشرط لتخلي الشمالية عن الصواريخ الباليستية العابرة للقارات ذات الرؤوس النووية وتضمنت:

1-ضمان أن الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية لا تضعان أسلحة نووية استراتيجية بالقرب من شبه جزيرة كوريا.

2-وقف تطوير أو تشغيل الممتلكات النووية الاستراتيجية خلال التدريب العسكري للقوات الامريكية فى كوريا وقوات كوريا الجنوبية.

3-ضمان أن الولايات المتحدة لن تهاجم كوريا الشمالية بالأسلحة التقليدية أو النووية.

4-تحويل إتفاق الهدنة في كوريا 1953 إلى معاهدة السلام في شبه جزيرة كوريا.

5-بدء علاقات دبلوماسية بين كوريا الشمالية و الولايات المتحدة الامريكية.

هذه الالتماسات من الطرف الكوري التي قٌدّمت في زيارة لمسؤول أمني كوري شمالي رفيع إلى واشنطن في نيسان إبريل 2018 تؤكد على مناخ إيجابي ونية جادة للوصول لتسوية سلمية مهما بدا أن المحادثات ستقطع شوطاً طويلا. فملف الكوريتين ملف يخضع لضغط الجيوسياسي والجيوبولتيكي الدولي وعليه يتم تصفية الحسابات الكبرى بين الأقطاب الدولية الصيني الروسي و الأميركي. 

الثلج الروسي يبرد النووي العالق بين كيم و ترامب

يحضر الوسيط الروسي في هذا الملف، لتهب اليوم رياح باردة من الشمال لتبرّد الأجواء الساخنة والجامدة في ملف المحادثات الكورية الأميركية. لقد صرّح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اليوم الجمعة 7 آيار/مايو على هامش المنتدى الاقتصادي الدولي في سان بطرسبرغ بأن روسيا ستحاول مساعدة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون على استئناف المحادثات في محاولة لتحقيق تقدم في خلافهما بشأن برنامج بيونجيانج النووي.

يندرج تصريح بوتين في ميزان تصفية الحسابات والتأكيد على الدور الروسي الفاعل في ملف الكوريتين وضرورة التعاطي الأميركي مع القطب الروسي الصاعد على أساس الشراكة في حل المشاكل الدولية و جاهزيته لمساعدة أميركا في إفراغ حمولاتها الزائدة من المسؤوليات التي انخرطت فيها ووضعتها على عاتقها.

في وقت سابق، أجرى بوتين أول محادثات مباشرة مع كيم في أبريل/نيسان الماضي في جزيرة قبالة مدينة فلاديفوستوك الروسية المطلة على المحيط الهادئ وقال "إنه يرحب بمساعي زعيم كوريا الشمالية لتطبيع العلاقات بالولايات المتحدة، بالرغْم من فشل القمة الأخيرة بين كيم وترامب".

وأوضح بوتين للزعيم كيم، أنه يريد دعم جهود "إيجابية" على شبه الجزيرة الكورية، مشيراً إلى أن موسكو وبيونغ يانغ لديهما "الكثير من العمل" لتعزيز العلاقات الاقتصادية. وأشار كيم إلى أنهما "ناقشا طرق التسوية السلمية"، ثم أن "نقاشهما كان مثمراً للغاية".

ماذا يريد كيم و ترمب؟

لم تصل القمة الثانية التي انعقدت بين ترامب و كيم في هانوي بتاريخ 27 شباط/فبراير الماضي إلى اتفاق، في وقت صرح فيه البيت الأبيض في اليوم التالي 28 شباط/ فبراير 2019، في بيان، بأن الرئيسين عقدا لقاءات جيدة وبنّاءة للغاية" فإنه "لم يتم التوصل إلى اتفاق في الوقت الحالي" بعد أن رفضت واشنطن مطالب الشمالية برفع العقوبات قبل خطواتٍ جادةٍ من الطرف الكوري يمكن أن يتم بعدها تخفيف العقوبات.

ومن جهة أخرى، فإن مخرجات القمة التي عقدت في العاصمة الفيتنامية لم توحِ بحركة واعدة في المدى المنظور فيما يتعلق باستئناف المحادثات وقتئذ. بيد إن بعض التصريحات المستجدة من الأطراف المؤثرة وهي الجارة كوريا الجنوبية وروسيا والصين،  ورغبة ترامب و إدارته بتحقيق قفزة في هذا الملف قبل موعد الانتخابات. كل هذا يعزز إمكانية تجدد المحادثات والعمل على قمة ثالثة على الرغْم من التصريح البارد للرئيس الأميركي في مؤتمره الصحفي حول "عدم وجود خطط لعقد قمة لاحقة" وذلك في معرض رده على سؤال حول ما إذا تم الاتفاق على قمة ثالثة مع كيم، وقال ترامب للصحفيين "لا لم نتفق سنرى إن كانت ستحدث" وفي مكان آخر قوله أنه غير مستعجل.

لم يكن ملف التنمية الاقتصادية والأمن الغذائي وسيلة ضغط ذهبية من طرف الرئيس ترامب وكرت جوكر، وقد تمسك الطرفان بمطالبهما التي تلخّصت من قبل الزعيم الكوري الشمالي برفع العقوبات الأميركية في وقت تمسكت أميركا بضرورة حصول خطوات جادة بشأن نزع السلاح النووي لتخفيف العقوبات بشكل متزامن. وقال ترامب "لقد طلبنا المزيد من كيم لكنه غير مستعد للقيام بذلك". بينما يستمر الزعيم كيم بالقول إنه يريد الآن التركيز على بناء اقتصاد بلده، ويريد تخفيف العقوبات المفروضة عليه وجلب الاستثمارات الدولية.

دانك النقاط الثلاثة

ترامب الذي كان يتوجه إلى القمة الأولى في سنغافورة التي انعقدت بتاريخ 12 حزيران يونيو 2018 بآمال تحصيل "الإنجاز" دفعة واحدة خلال مدة قصيرة و هو ما لم يحصل، وهي الاستراتيجية المعاكسة لكوريا الشمالية التي ستعتمد على النفس الطويل في المحادثات كما تشي مخرجات العملية حتى الآن.

ليس من السهل والمنطقي أن تسلّم ما عملت عليه لعشرات السنوات بهذه البساطة وقد يستغرق الأمر سنوات للانتهاء بشكل كامل من الملفات العالقة و إحلال السلام في شبه الجزية الكورية.

الصين بين العرقلة والدفع في الملف قدما

في مؤتمر صحافي في 28 شباط الفائت، قالت الصين الحليف الأهم لكوريا الشمالية والشريك التجاري الأبرز على لسان المتحدّث باسم الخارجية الصينية لو كانج أن مشكلة السلاح النووي في شبه الجزيرة الكورية متواصلة منذ سنوات عدّة، وبالتأكيد فإن حلّها لا يمكن أن ينجز بين ليلة وضحاها".

عن العاقة الوطيدة نقرأ لقاء الزعيم كيم بالرئيس الصيني شي جينبينج أربع مرات العام الماضي، آخرها في يناير كانون الثاني من هذا العام. وفي خضم المعركة المستمرة بين الصين وأميركا ومحاولات هذه الأخيرة للتأثير على الصين لتخفيض العجز في الميزان التجاري بين البلدين إلى مئتي مليار دولار، يبدو الصيني وسيطاً ضاغطاً و مؤثراً في الملف النووي الكوري.

أيضا، رفضت الصين خفض الرسوم الجمركية الصينية على البضائع الأمريكية إلى المستوى الذي تعتمده واشنطن، والعقوبات الجديدة على الشركات الصينية التكنولوجية كالعملاق الصيني هواوي وموانع طالت شركات البرمجيات الكبرى وتصنيع الهاي تك العالي في أميركا.

هناك عَلاقة شديدة التوتر بين البلدين وليست في أفضل حالاتها ولاشيء لتخسره الصين إذا دفعت بعجلة الحل في ملف الكوريتين في حال انتزاع ضمانات وتخفيفات مشروطة أو كلية في ملف أو عدة ملفات عالقة.

كسر العزلة و سباق كسب النقاط

ومع لقاء القمة الأول بين كيم و ترامب تنكسر العزلة عن الزعيم الكوري الذي يترأس نظاما عسكرياً استبدادياً هو الوريث الثالث للحكم عن والده كيم جونغ إيل. وهو بذلك يخطو خطوات مهمة لاكتساب شرعية دولية ونزع صفة الدولة المارقة عن كوريا الشمالية بشكل تدريجي، والتعامل معه كرجل دولة يتطلع لحل سلمي للملف النووي ونية معلنة للسلام والانفتاح ضمن شروط مرضية.

ستكون السنة القادمة بالنسبة لإدارة ترامب ماراتونية لتحقيق قفزات مرضية للشعب الأميركي في الملفات العالقة، بدءً من كوريا الشمالية إلى فنزويلا وكوبا والأهم ملف العلاقات التجارية الأميركية الصينية وصولاً إلى البريكست. فالمعركة الانتخابية الرئاسية على الأبواب وتحصيل تقدم ملموس في هذه الملفات وعلى رأسها مسألة نزع السلاح النووي، ستشكل رافعة انتخابية مهمة للرئيس الأميركي.

التحديات كبيرة أمامه وتسجيل الثلاثيات وكسب النقاط في الأوقات الحرجة سيزيد فرصته لدورة رئاسية قادمة في حال بقيت الفضائح التي لاحقته على نار هادئه.

 

ليفانت نيوز إعداد: وائل سليمان

نووي كوريا الشمالية مسمار جحا الذهب

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!