الوضع المظلم
الأحد ١٩ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
نكسات الانتخابات في تونس
نكسات الانتخابات في تونس

إيمان عبد اللطيف _ صحفية تونسية


شتّان بين ما عاشته تونس في انتخابات سنة 2011، وبين ما عاشته في انتخابات سنة 2014، وبين ما تعيشه في هذه الأسابيع من سنة 2019، على وقع الانتخابات الرئاسية في دورتها الثانية والانتخابات التشريعية في 6 أكتوبر الجاري.

ثلاث تواريخ لا تاريخ يُشبه الآخر لا في أحداثه ولا وقائعه وتطوراته السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولا أيضاً في وقعه على نفوس التونسيين.


في سنة 2011 كان التونسييون يتحدثون عن "فرح" انتخابي والواجب الانتخابي والمواطنة والوطنية والتأسيس لجمهورية ثانية خالية من الديكاتورية ومن الحكم الواحد ومن الفساد. فهبّ الناخبون أفواجاً أفواجاً إلى مكاتب الاقتراع منذ ساعات الصباح الأولى حاملين علم تونس بين أيديهم وعلى أكتافهم بأحجام كبيرة وأخرى صغيرة في طوابير الانتظار من أجل الواجب الانتخابي. فنشروا صور سباباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي ملونة بالحبر الانتخابي كدليل على وازعهم الوطني ورغبتهم في إنجاح الانتقال الديمقراطي.


في التاريخ الأول أي إبان اندلاع ثورة 17 ديسمبر 2010 و14 جانفي 2011، كان الشارع التونسي يعيش على وقع أول انتخابات تشهدها الجمهورية التونسية وهي انتخابات المجلس الوطني التأسيسي التي أفرزت انتخاب 217 نائباً كان من المفترض أن يكتبوا الدستور الجديد خلال سنة واحدة. إلا أن هذه المدّة تمّ تجاوزها بكثير، فمن سنة واحدة امتدت الفترة النيابية إلى ثلاث سنوات أفرزت بدورها هزات سياسية فادحة تسببت في شرخ داخل المجتع وكادت أن تؤدي إلى حرب أهلية.


وفي مقدّمة هذه الهزات اغتيالان سياسيان، وموجة من العمليات الإرهابية كانت لها تداعيات وخيمة على الاقتصاد وعلى السياحة وعلى الأمن بسبب التجاذبات السياسية والمحاصصات الحزبية والمصالح الشخصية، والتكالب على المناصب ولانعدام اليقظة وتوظيف المساجد لنشر الفكر المتطرف واستغلال الانفلات الأمني أدى إلى دغمجة الآلاف من عقول الشباب التونسي ومن ثمّة توظيفهم من قبل شبكات التسفير إلى بؤر التوتّر.


فكانت النكسة الانتخابية الأولى للتونسيين، فبعد أن كانت السبابة المكسوة بالحبر الانتخابي رمز للوطنية والرغبة في المشاركة في العملية الانتخابية وفتح الطريق إلى الديمقراطية، تحوّلت هذه الصورة في سنة 2014 إلى كره ونقمة تحت يفطة واحدة "أقصّ أصبعي إذا انتخبت مرّة ثانية".


في التاريخ الثاني أي أكتوبر ونوفمبر 2014 تواريخ إجراء أول انتخابات تشريعية ورئاسية بعد الثورة وبعد كتابة دستور تونس الجديد، تدحرجت الأماني وانهارت بعض الشيء الأحلام فخاب ظنّ الناخبين في النواب وفي النخب السياسية، وتعمّقت هذه الهوّة طيلة قرابة الخمس سنوات الفارطة، وهي نتيجة متوقعة لما سُمي بالتصويت المفيد بين شقّ إسلامي وشقّ علماني خوفاً من تغيير النمط المجتمعي لتونس.


فكانت النكسة الثانية من الانتخابات، إذ ما عاشه التونسيون طيلة هذه الفترة النيابية يُندى له الجبين بسبب "السياحة" الحزبية، وانشقاق الحزب الحاكم وتفككه فيما بعد وبسبب "السيرك" الذي شاهده التونسيون ما أفرز حكومات ضعيفة كُونت على أساس الترضيات لا على مبدأ الكفاءات والاختصاصات، فكانت النتيجة الحتمية تفكك الحزام السياسي لكلّ الحكومات المتعاقبة، وبالتالي انهيار الدينار التونسي وتدهور الاقتصاد وارتفاع الدين الخارجي وتراجع الانتاج ومن ثمة تصاعد وتيرة الاحتجاجات الاجتماعية.


فكانت نكسة ثالثة للانتخابات التونسية، ففي أغلب الديمقراطيات في العالم تكون الانتخابات حدثاً مميّزاً وسعيداً أو على الأقلّ حدثاً ايجابياً، إلا في تونس فإنها تحوّلت إلى نكسة وكابوس بالنسبة للتونسيين، كما تحوّلت على مواقع التواصل الاجتماعي إلى مجال للتهكّم والتفكّه من جهة وإلى باب مفتوح على مصرعيه للسبّ والشتم والشيطنة وتبادل التهم من جهة ثانية.


عاقب التونسيون في الانتخابات الرئاسية في دورتها الأولى النظام القائم أو ما سُمي "بالسيستام" الذي فشل بكلّ مكوناته من بلوغ المرتبة الأولى أوالثانية رغم حجم الامكانيات المادية والبشرية التي سُخّرت في الحملة الانتخابية. فأزيحوا من السباق مما سيؤثّر حتماً على نتائجهم في الانتخابات التشريعية.


لكن هذا العقاب أفرز بدوره صعود غير منتظر لمترشح وُصف ترشّحه بالشعبوي ألا وهو المترشح الحاصد للمرتبة الأولى قيس سعيّد ومرتبة ثانية للمترشح نبيل القروي القابع بالسجن بسبب تهم متعلّقة بالتهرب الضريبي وتبييض الأموال، أي نحن أمام مفارقات عجيبة بسبب اليأس السياسي وحالة من الانهاك الاقتصادي والاجتماعي طيلة ثماني سنوات أدت إلى عزوف الناس وعدم التصويت.


بسبب هذا الانهاك قد يجد التونسيون أنفسهم أمام نتائج للانتخابات التشريعية أغرب من نتائج الرئاسية، وقد يجدوا أنفسهم من جديد أمام تحالفات غير طبيعية وإزاء حكومات محاصصات وترضيات وأمام مساومات وتصفية للملفات تحت الطاولة.


وقد يعيش التونسيون أيضاً وضعاً سياسياً لا مثيل له بسبب ما ستفرزه الانتخابات التشريعية من تفتت وكتل نيابية ضعيفة قد تكون حجر عثرة أمام تكوين الحكومة القادمة. فكلّ شيء ممكن اليوم في تونس أي الشيء ونقيضه بسبب نكسات الانتخابات في تونس.


 


 




النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!