الوضع المظلم
الأحد ٢٢ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
مَن أوصل برلماني يوناني لتمزيق العلم التركي؟
مَن أوصل برلماني يوناني لتمزيق العلم التركي؟

إعداد وتحرير: أحمد قطمة

أقدم النائب اليوناني لدى البرلمان الأوروبي، يوانيس لاغوس، على تمزّيق العلم التركي خلال جلسة حول "الوضع الإنساني في الجزر اليونانية" ببحر إيجة، حيث قال البرلماني اليوناني أن المهاجرين الذين يصلون إلى جزر بلاده، يعتدون على السكان المحليين، متهماً في الوقت ذاته، تركيا بفعل "ما بدا لها"، ما دفع رئيس البرلمان التركي مصطفى شنطوب، في الواحد والثلاثين من يناير، لإدانة تمزيق علم بلاده، داعياً في تغريدة نشرها على حسابه بموقع التدوينات "تويتر"، إلى محاسبة النائب اليوناني "العنصري" لاغوس.


وفي الوقت الذي قد يبدو فيه بالفعل تصرف النائب اليوناني مشيناً بعض الشيء لرمز دولة مجاورة لأوروبا، يبقى من المهم البحث عن الأسباب والدوافع التي أوصلته إلى درجة تمزيق الرمز الوطني التركي، إضافة للسؤال عن الرضا الذي استجلبه ربما ذلك التصرف لدى الأوروبيين عامة واليونايين خاصة.


ابتزاز تركيا لـ أوروبا


لعل مُفردة الابتزاز هي الأقرب للسياسة التركية المُتبعة مع الاتحاد الأوروبي، فالملفات الشائكة بين الجانبين كثيرة، وهي تتزايد وتتعقد بشكل متواصل، فيما يسعى الجانب التركي لاستخدام أوراق قوة هي قائمة أساساً فيما يظهر على الابتزاز، من خلال استغلال القوانين الأوروبية التي تُجبر السلطات المحلية لها على استقبال اللاجئين الواصلين إلى برهم، والتعامل الإنساني معهم.


فلطالما هدد رجب أردوغان الاتحاد الأوروبي بفتح الحدود أمام اللاجئين السوريين ما لم يحصل على مراده منهم، وهو ما تكرر كثيراً إبان الحرب السورية المندلعة في العام 2011، والتي كانت ذروتها في فتح الحدود التركية أمام اللاجئين للمرور نحو أوروبا خاصة في العامين 2014 و2015، والتي تم إنهائها في العام 2016، من خلال اتفاقية اللاجئين الموقعة بين بروكسل وأنقرة، والتي نصت على السماح بإعادة كل مهاجر وصل إلى الجزر اليونانية بشكل غير مشروع، إلى تركيا مجدداً، كما استوجبت على السلطات التركية منع المهاجرين من العبور إلى اليونان بالقوارب، لقاء مساعدات مالية لأنقرة من جانب الأوروبيين.


إقرأ أيضاً: هل يحق لأنقرة اتهام باريس بزعزعة الاستقرار في ليبيا؟


لكن الأمور لم تنحصر في الجانب التركي على ذلك، حيث أعجب الرئيس أردوغان بفكرة دفع الأوربيين إلى الزاوية وإجبارهم على دفع رسوم لقاء خدمات أنقرة أو خططها حتى، وهو ما أشار إليه في السابع والعشرين من أكتوبر 2019، عندما هدد بفتح الحدود أمام اللاجئين السوريين ما لم تحصل أنقرة على الدعم المالي المطلوب لإقامة المنطقة الآمنة شمال سوريا، ووقال أردوغان: “إن لم نحصل على دعم لمشروعاتنا التي نطورها من أجل عودة 1-2 مليون لاجئ سوري كمرحلة أولى من 3 ملايين و650 ألف سوري لدينا، لن يكون أمامنا خيار آخر غير فتح الحدود أمامهم، سنفتح الحدود وسيذهبون إلى أوروبا”.


تنديد من الداخل السوري


تلك الدعوات التركية لأوروبا بمساندتها في تمويل ما تسمى "المنطقة الآمنة" اعتبرت من قبل قوى سورية بأنه محاولة تغيير ديموغرافية وهندسة لها، حيث قالت "الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا" "إن هجمات الدولة التركية هي مشاريع مهددة لسوريا والمنطقة وكذلك لا تحمل في توجهاتها سوى سياسات الاحتلال والتفرقة، والعمل على تقديم مشاريع راديكالية بهدف خلق الفوضى، وكذلك العمل على تغيير هوية المناطق الأصلية عبر ممارساتها في التغيير الديموغرافي".


متابعةً: "في حال كان هناك إصرار أممي على حل قضية اللاجئين فيوجد الملايين من الذين هم خارج سوريا، ويمكن للأمم المتحدة والقوى الفاعلة في سوريا إعادة الأهالي إلى مناطقهم بعد تأمين الاستقرار فيها، حيث سبق وأعلنت الإدارة الذاتية عن أهمية وضرورة عودة الأهالي إلى مناطقهم بما فيهم شعبنا من مناطق الهجوم التركي الأخير وعفرين وجرابلس وعزاز والباب، وأبدت الدعم اللازم في ذلك لكن بشرط أن يكون الملف بيد الأمم المتحدة، ويعيد الأهالي الأصليين إلى مناطقهم لا بيد تركيا الساعية لتحقيق أهدافها السياسية في منطقتنا تحت حجة إعادة اللاجئين وما شابه ذلك".


إقرأ أيضاً: تركيا الرافضة لإقرار ترامب بيهودية “القدس” أقرت قبله بذلك!


وكان واضحاً من رد "الإدارة الذاتية" إنها لا تُمانع في عودة السوريين إلى مناطقهم التي ينحدرون منها، على أن لا ينحصر ذلك في يد أنقرة، وأن يكون تحت إشراف دولي، والأهم أن يعود الأهالي إلى المناطق التي ينحدرون منها بالأساس وليس إلى المناطق التي تحددها لهم تركيا، وهو ما يبدو منطقياً، فكيف يمكن لأبناء محافظات حمص وحماه وحلب وأرياف دمشق الحياة والعيش في مناطق لا ينتمون إليها، فيما يجري تهجير سكانها الأصليين بفعل العمليات العسكرية للقوات التركية والمليشيات السورية المسلحة المحسوبة على المعارضة، وهو ما تكرر في عفرين ورأس العين وتل أبيض، وربما غيرها.


العزوف عن اتفاقية اللاجئين


الابتزاز التركي لأوروبا، يجد صداه أولاً في اليونان، باعتبارها البلد الأوروبي الملاصق لتركيا، والذي من المفترض أن يستقبل أي موجات لجوء جديدة من سوريا أو غيرها عبر الأراضي التركية، وهو ما دفع رئيس وزراء اليونان، كيرياكوس ميتسوتاكيس، في السادس عشر من ديسبر العام 2019، للقول بإن تركيا لا تُطبق اتفاقية اللاجئين الموقعة مع الاتحاد الأوروبي.


وقال كيرياكوس ميتسوتاكيس، أن بلاده بلغت طاقتها الحد الأقصى لاستيعاب اللاجئين، مطالبًا في حوار مع صحيفة “بيلد” الألمانية، برلين استقبال المزيد من اللاجئين من بلاده، وأوضح أيضًا في حواره أن حدود بلاده تستقبل بين 400-500 لاجئ يوميًا، قائلًا: “على الجميع أن يعرف أن القادمين إلى حدودنا ليسوا لاجئين جميعاً، وإنما من بينهم الفارين من الأوضاع الاقتصادية”.


وكان واضحاً أن هؤلاء اللاجئين الذين يصلون إلى اليونان، هم رسالة من تركيا للحصول على مساعدات مالية، وإجبار الاتحاد الأوروبي على عدم المضي قدماً في تنفيذ عقوبات عليها فيما يتعلق بأنشطة التنقيب في البحر المتوسط التي تعترض عليها اليونان وجمهورية قبرص.


تحميل أوروبا وزر إدلب


وعاد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لتحذير الأوروبيين في الثالث والعشرين من ديسمبر، من أن بلاده لن تواجه وحدها تدفق موجة جديدة من اللاجئين السوريين الذين يفرون من بلدهم مع اشتداد القتال في إدلب، وصرّح إن "تركيا لا يمكنها أن ترحب بموجة جديدة من اللاجئين من سوريا"، مشيراً إلى أن أكثر من 80 ألف سوري، من أصل ثلاثة ملايين تكتظ بهم محافظة إدلب، فروا باتجاه مناطق تقع قرب الحدود التركية، منوهاً إلى أنه في حال زاد عدد هؤلاء المهجرين فإن "تركيا لن تتحمل هذا العبء وحدها"، محذراً مما أسماها "الآثار السلبية لهذا الضغط الذي نمر به، ستشعر بها جميع الدول الأوروبية، بدءاَ من اليونان".


ويبدو أن الرئيس التركي حاول في ذلك التحذير تحميل الأوروبيين وزر العمليات العسكرية التي تخوضها روسيا وقوات النظام في المحافظة الخاضعة لتنظيمات جهادية متطرفة كـ جبهة النصرة المسماة بهيئة تحرير الشام، فيما تجاهلت تركيا تماماً أنها الجار الملاصق لإدلب، والمسؤول الفعلي والعملي عن تمرير السلاح والمقاتلين للمحافظة السورية من جهة، وتهجير أهالي مناطق سورية كثيرة إليها بالتوافق مع الجانب الروسي، وبالتالي فإن الجانب التركي هو من يفترض به أن يسعى لحل سياسي في المحافظة يحفظ دماء أهلها، لكنه تخلى عنهم كما هو واضح، مع استمرار تقدم قوات النظام المرافق بصراخ تركي إعلامي، هدفه المعلن دعم المسلحين، والخفي ربما خداعهم ودفعهم إلى محرقة خطط لها مع الروس!


دعوات أوروبية للصرامة مع أنقرة


وبالعودة إلى تمزيق العلم التركي في البرلمان الأوروبي، والذي رافقه دعوة البرلماني اليوناني للصرامة مع تركيا، فتلك لم تكن الدعوة الأولى إذ سبقتها دعوات أخرى كدعوة المستشار النمساوي سباستيان كورتس في الخامس من يناير، إلى إتباع نهج أكثر صرامة في مواجهة استخدام الرئيس التركي رجب طيب ملف اللاجئين لابتزاز أوروبا، حيث قال لصحيفة “بيلد” الألمانية: “صفقة تركيا (مع الاتحاد الأوروبي) لا تعمل بما يكفي، واليونان تستحق دعمنا الكامل”.


إقرأ أيضاً: مؤتمر برلين: محاولة تركية لكسب الوقت ودعم طرابلس بـ”المرتزقة”


وأكد المستشار النمساوي أنه يجب ألا تسمح أوروبا لأردوغان بابتزازها، موضحاً: “في بلده (تركيا) يتم اضطهاد أي مختلفين في الرأي على المستوى السياسي، ويتم حبس صحفيين بصورة متكررة- وتركيا تحاول استخدام اللاجئين والمهاجرين كسلاح”،  وحول ما إذا كان هناك حاجة لفرض عقوبات على تركيا، رد كورتس: “هناك دائماً الكثير من السبل، واحد منها أن يعمل من خلال التعاون، والآخر من خلال الضغط، الاتحاد الأوروبي لديه الكثير من الإمكانات، للضغط على أردوغان. ويتعين علينا التفكير فيها أيضاً”، وبحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، جاء العام 2019، أكثر من 73 ألف مهاجر من تركيا إلى اليونان بشكل غير شرعي، ويزيد هذا العدد مقارنة بعام 2018 ،بإجمالي حوالي 23 ألف شخص.


لكن الجانب التركي لا يبدو أن يصغي لتلك الدعوات، إذ عاد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، في الثالث والعشرين من يناير إلى القول بإن الاتحاد الأوروبي لم يدفع نصف تعهداته تجاه اللاجئين السوريين المقيمين في تركيا، والمقدرة قيمتها 6 مليارات يورو، زاعماً لذات الصحيفة وهي "يبلد" الألمانية، أن الاتحاد الأوروبي كان قد تعهد بدفع 3 مليارات يورو نهاية 2016، ومثله في نهاية 2018، وأضاف قائلاً: "ها نحن الأن في عام 2020، والاتحاد لم يسدد الدفعة الأولى بشكل كامل، فمن خالف بوعده، تركيا أم الاتحاد الأوروبي".


وتابع قائلاً: "انظروا إلى موجات اللجوء التي كانت تنتقل من تركيا إلى الجزر اليونانية، فقبل الاتفاقية كان العدد يصل إلى 7 آلاف يومياً، بينما تراجع هذا العدد بعد الاتفاقية إلى حدود 57 يومياً، ومن هنا يمكنكم أن تدركوا الجهة التي صدقت بوعدها والجهة التي أخلفت"، مردفاً: "كنا نستطيع فتح حدودنا مع أوروبا أمام اللاجئين، نظراً لوجود بنود في الاتفاقية لم تلتزم بها أوروبا، مثل رفع تأشيرة الدخول وتحديث الاتفاق الجمركي وغيرها، لكننا التزمنا بالإتفاقية ولم نفسح المجال للاجئين بالتوجه نحو أوروبا".


التهديدات التركية تصل أوروبا من بوابة ليبيا


وإلى جانب التلويح التركي بإمكانية فتح الحدود أمام اللاجئين السوريين، ومع تمدد النفوذ التركي إلى ليبيا، يبدو أن التهديد التركي وجد لنفسه مكاناً لتحذير أوروبا من هناك، إذ حذّر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في الرابع والعشرين من يناير، بما وصفه بحالة من الفوضى ستؤثر على حوض البحر الأبيض المتوسط بأكمله، في حال لم يتم تحقيق التهدئة في ليبيا، وأضاف أن تركيا ستواصل دعمها لحكومة السراج.


التحذيرات التركية تلك، والتي يفهم منها مطالبة أنقرة للأوروبيين بمساندة موقفها من الصراع الليبي، أو تحمل التبعات الناتجة عن ذلك، والتي لن تقتصر على فتح باب الهجرة غير الشرعية نحو أوروبا إنطلاقاً من ليبيا، وليس انتهاءاً بعمليات إرهابية قد ينفذها المتسللون من ليبيا إلى أوروبا، خاصة أن المسلحين المنتقلين من سوريا إلى ليبيا هو في غالبهم من خلفيات متطرفة وجهادية، دفعت مصادر دبلوماسية لتحذير الاتحاد الأوروبي من أن يدفع أموالاً إضافية لتركيا في ملف اللاجئين، وذلك في ظل مساعي أنقرة للحصول على المساعدات ينعش بها اقتصاده المتعثر.


وفي السياق، نشرت صحيفة “دير شبيغل” الألمانية أنّ “الرئيس التركي يشتكي كثيراً من أن الاتحاد الأوروبي لا يمنح بلاده مساعدات مالية لمواجهة أزمة اللاجئين”، كما نقلت المجلة عن مصادر دبلوماسية أوروبية لم تكشف عن هويتها أنه “لم يتم التخطيط داخل المؤسسات الأوروبية، لدفع أي مبالغ إضافية لتركيا”، كما نشرت الصحيفة : “هذا ليس صحيحاً، فالاتحاد الأوروبي وعد تركيا بموجب اتفاق اللاجئين، بمساعدات ٦ مليارات يورو، دفع منها بالفعل ٣ مليارات، فيما تذهب ٣ مليارات أخرى لتركيا في صورة مشاريع إغاثية للاجئين، منها بناء مستشفيات ومدارس وهو ما يجري بالفعل”، وأوضحت أنه “ليس هناك رغبة بين دول الاتحاد الأوروبي لدفع مساعدات لتركيا، لأن الكثيرين يخشون أن يسيء الرئيس التركي استغلال أموال اللاجئين في دعم اقتصاده المتعثر”.


إقرأ أيضاً: تركيا لا تتعظ من سليماني.. وترسل مرتزقة إلى ليبيا


فيما حمّل خبير الشؤون الخارجية في الحزب الديمقراطي الحر الألماني، “ألكسندر جراف لامبسدورف”، الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” مسؤولية تردي ملف حقوق الإنسان في تركيا، وطالب ميركل عدم الخضوع لابتزاز الرئيس التركي في ملف اللاجئين.، كما اتّهمه بعسكرة الأزمتين الليبية والسورية، وذلك بالتزامن مع زيارة للمستشارة أنجلا ميركل إلى إسطنبول، كما أوضح في تصريحات لوكالة الأنباء الألمانية إنه “على مستوى السياسة الداخلية، يطيح أردوغان بحقوق الإنسان والحقوق المدنية، البرلمان مجرد من السلطة، والقضاء يخضع لسيطرة الحكومة، وكذلك الإعلام”، مطالباً لمستشارة ميركل بعدم الخضوع لـ”ابتزازات” تركيا في قضية اللاجئين، موضحاً أن “تركيا تستفيد من الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي، وكذلك الاتحاد، لا أحد من الطرفين لديه مصلحة في تصعيد”.


ومن الواضح أن السياسات التركية المُتبعة مع الجانب الاوروبي ومُحاولة ابتزازه لهم في الملفات الشائكة بين الجانبين وأهمها اللاجئون السوريون والتنقيب عن الغاز شرق المتوسط وأخيراً الملف الليبي ومحاولة فرض الحلول المناسبة لأنقرة فيه على الأوروبيين، كانت في مجلمها تراكمات دفعت البرلماني اليوناني لتمزيق العلم التركي في البرلمان الأوروبي، وهي فعلة قد تبدو سمجة اليوم، بيد أن استمرار تركيا بسياساتها الابتزازية لأوروبا، والتوسعية في الإقليم، قد تدفع أطرافاً أخرى لتمزيق العلم التركي، ما لم تتلمس أنقرة رأسها وتنظر في المرأة بحثاً عن أخطائها!


 

العلامات

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!