الوضع المظلم
الأربعاء ٢٥ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
ميساء آق بيق وكلمتها حول سوريا وأسباب اللجوء
ميساء آق بيق وكلمتها حول سوريا وأسباب اللجوء

ميساء آق بيق وكلمتها حول سوريا وأسباب اللجوء







نص الكلمة التي ألقتها الإعلامية ميساء آق بيق حول سوريا

وأسباب اللجوء وكيف يتعامل سكان ألمانيا مع اللاجئين الجدد

وذلك في مدرسة مدينة إيزرلون الثانوية في ألمانيا بتاريخ 21/12/2015

 

ميساء آق بيق وكلمتها حول سوريا وأسباب اللجوء ميساء آق بيق وكلمتها حول سوريا وأسباب اللجوء

الأحبة الطالبات والطلاب
تحية قلبية أهديها لكم
سنتحدث اليوم عن سوريا واللاجئين، ولكن قبل ذلك أود التعريف بنفسي

اسمي ميساء آق بيق صحفية سورية وأقيم في ألمانيا منذ يوليو/تموز 2012.

أنا من مدينة دمشق عاصمة سوريا، العاصمة الأقدم في العالم. يقول العلماء إن

الأرض السورية مسكونة من البشر منذ الألف الثامنة قبل الميلاد على الأقل.

وهناك يجد المرء مدنا عريقة في التاريخ مثل تدمر أو مدينة حلب التي تعتبر

المدينة المأهولة الأقدم في العالم من دون انقطاع. في سوريا اخترع الإنسان

الأبجدية ونزلت الديانات السماوية الثلاث، حيث يعيش السكان من جميع الأديان

بسلام منذ الأزل. هي أرض لها تاريخ عريق وبيئة جميلة شكلت أرضا خصبة

للزراعة واستنباط الطعام الشهير اللذيذ منها، وهناك يعود أصل كثير من الشخصيات

الشهيرة في العالم ومنها خرج أشهر فناني الدراما في العالم العربي.

 

أنتقل الآن إلى النقطة المهمة:


لماذا يرمي الناس بأنفسهم في رحلة خطيرة ويتركون

سوريا للبحث عن وطن بديل، ليس كمهاجرين بل كلاجئين؟


سأطرح أمامكم مثالا صغيرا.


العملة السورية تسمى ليرة، وقد كانت في أوائل سبعينيات القرن

الماضي تساوي تقريبا دولار أمريكي، ثم جاء فساد حكم عائلة

الأسد المتمثل في حافظ ومن ثم ابنه بشار ليخرب اقتصاد البلاد

وتنهار العملة إلى مستوى غير مسبوق وترتفع الأسعار بشكل لم

يعد يطيقه المواطن العادي. لقد استولت عصابات الأسد بالعنف

والقوة أو بإرضاء طمع البعض على نحو 95% من ثروات

سوريا، هذا يعني أن الأغلبية حتى بعد التخرج من الجامعات

لا يستطيعون العثور على عمل أو تأمين أهم متطلبات حياتهم.

ولكن أليس هذا الحال ينطبق على كثير من دول العالم؟

بالطبع لكن الفساد والظلم في سوريا نتج عنه انتفاضة شعب ضد

النظام الحاكم، انتفاضة واجهتها قوات الأسد بالقوة والقتل والتهجير

تحت شعار: "الأسد أو نحرق البلد" لمن لا يعلن الولاء، وهو الشعار الذي طبقوه بحرفيته.


ما حدث منذ قيام الانتفاضة هو أن أكثر من ثلاثة ملايين منزل


هدمت بالكامل وبقيت ملايين العائلات بلا سقف يؤويها، وأدى


القصف المتواصل للمدن إلى الشعور الدائم بالخوف والرعب


خصوصا للأطفال، وفقد الناس الأمان ولم يعد هناك معنى عائلة أو أطفال يذهبون إلى مدارسهم.


كان من نتيجة الحرب والفوضى والقتل الجماعي أن وجد التطرف

أرضا خصبة له وبدأت مجموعات متشددة مثل داعش التي صارت

أيضا تقاتل الشعب السوري، تلعب دورا في الفوضى القائمة، وما

زاد الوضع سوءا هو مشاركة الطيران الروسي أخيرا في قصف

المدن لمساعدة نظام الأسد، فوجد الناس أنفسهم يعيشون وسط الموت

فلا هم تلقوا مساعدة من أحد أطراف المجتمع الدولي ولا حصلوا على وقف إطلاق للنار يوفر لهم معيشة هادئة.

كان لدينا أمل في السنة الأولى من الحرب بأن تساعدنا الأمم المتحدة

أو الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي، أو أن يقوموا بأي شيء ما

من شأنه وقف الطيران الأسدي عن قصف المدنيين، غير أن ذلك لم

يتحقق، ووجد السوريون أنفسهم يعيشون في اليأس والإحباط وبدأوا

بالبحث عن مستقبل أفضل في مكان بديل مثل الدول الاوروبية.

وإضافة إلى أكثر من أربعة ملايين إنسان لجأوا إلى دول الجوار

يعيش أكثرهم في الخيام بقي كثيرون في الداخل السوري بلا مأوى

أو سكن. البعض ممن كان لديهم بيوت باعوها أو باعوا أي شيء

يملكونه، والبعض الآخر استدان المال لدفعه لمهربي البشر الذين

رموهم في رحلات خطرة بهدف الوصول إلى بر الأمان في أوروبا

كثير من هؤلاء اللاجئين فقدوا حياتهم في هذه الرحلات غرقا أو ضياعا

ولعل قلة منكم رأت صورة الطفل آيلان الكردي الذي قذفه موج البحر إلى الشواطئ التركية غريقا في رحلة كهذه.

ألقى الناس بأنفسهم وأولادهم في الخطر محاولين إيجاد طريقة لإنقاذ حياتهم!

وجدت الدول الأوروبية نفسها في معضلة: هل نترك هؤلاء اللاجئين

إلى مصائرهم أم نضمهم إلى مجتمعاتنا؟ بعضهم يسأل كيف يمكن أن

نتعايش مع القادمين الجدد وبعضهم أبدى تحيزا وعنصرية تجاههم.

 

أود أن أشارككم هنا بعض المعلومات حول مقاطعة نهر الرور الألمانية:


بحدود عام 1914 وصل نحو 700 ألف شخص من دول أوروبية

كبولندة وهولندة والنمسا وهنغاريا وإيطاليا إلى المقاطعة، وذلك للعثور

على عمل في مناجم الفحم والفولاذ ولبدء حياة جديدة. وفي ستينيات

وسبعينيات القرن الماضي وصل نحو مليون من العمال الجدد، كثير

منهم جاءوا من تركيا وأيضا من جنوب أوروبا. في عام 1850

كان عدد سكان دورتموند 4 آلاف نسمة وهو حجم قرية، وفي حوالي

عام 1900 وصل عدد سكانها إلى 143 ألفا واليوم هم يتجاوزون 580 ألفا.

هؤلاء لم يأتوا فقط للبحث عن عمل، وإنما أيضا لإيجاد حياة طبيعية وجديدة.

ما هو إذن الفرق بين الماضي والحاضر؟ أعتقد أنه الإعلام. ففي الماضي

كانت أخبار ما يحدث في دول العالم تصل إلى الإنسان قليلة ومتأخرة،

أما اليوم فيستطيع المرء أن يعرف ما يحدث في العالم بأسره بالتفاصيل

في ثواني عبر التلفزيونات والانترنت. وعندما تكرر أجهزة الإعلام كل

يوم مئات المرات كلمة لاجئين، وهم كما تعلمون أغلبهم مسلمون، ووسط

كل ذلك تأتي أخبار عمليات تفجيرية وإرهابية من باريس أو لندن أو لوس

أنجلوس، يفترض أيضا أن منفذيها مسلمون، يربط المرء المعلومات ببعضها

تلقائيا، وترتبط الصورة في ذهن الأوروبيين بين الإرهاب ولاجئين جاءوا إلى هنا فقط للهروب من القتل.

أستطيع أن أتخيل أن المهاجرين الذين جاءوا في الماضي إلى

ألمانيا جلبوا معهم مشكلاتهم كذلك، على كل حال لم يكن تأثير

الإعلام قويا كما هو اليوم. صحيح أن بعضهم لم يستطيعوا حتى

الآن الاندماج في المجتمع لكنهم بقوا استثناءا، فالأغلبية وجدوا

أنفسهم جزءا من هذا المجتمع خصوصا من تعلم في المدارس

والجامعات الألمانية ومن نشأ في المجتمع العام، وحتى لو

استغرق الأمر وقتا أطول من المأمول لكنه في النتيجة سيتحقق.

 

الأمل يبقى في الأجيال الجديدة التي ستبني المستقبل، فبمجرد تلقي

التعليم والتدريب سيشكلون مكونا من مكونات المجتمع الألماني

وسيساهمون في بناء البلاد. ومع ذلك فإن لدي اعتقاد بأنه لو

تحسن الوضع في سوريا وعاد إلى طبيعته وهدأت الحرب والفوضى

فسيعود كثير من السوريين إلى بلادهم وربما أكون واحدة منهم.

هؤلاء اللاجئين يحتاجون إلى المساعدة فقط حتى تنتهي هذه الحال المروعة.



آمل أن أكون قد أثرت انتباهكم، وقبل أن أختم أود أن أقتبس

ما كتبته صحفية في صحيفة "دي تسايت" حيث قالت: لماذا نهتم

كثيرا برعاية الحيوانات أكثر ما تهمنا رعاية البشر؟!

على هذا التساؤل ليس لدي جواب.. شكرا لكم

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!