-
من أمَّنَك لا تخنه ولو كنت أردوغان
عندما رفعت الولايات المتحدة الأمريكية يدها عن المعارضة السورية في الجنوب السوري، في 2018 إبَّان ولاية «دونلالد ترامب»، تحدث الجميع بأن أمريكا غدرت بالشعب السوري، علماً بأن الأمريكان وقتها لم يطلبوا من قوى الثورة السورية المصالحة مع نظام الأسد، بل على العكس تماماً، أبلغوهم بقطع الدعم وأوضحوا لهم أن بإمكانهم متابعة القتال ضد النظام بما لديهم من عتاد.
فما القول فيما تعرضه تركيا على المعارضة السورية من تصالح مع النظام الذي ارتكب من المجازر ما يصعب توثيقه ويستحيل حصره؟
إنه الغدر التركي الحقيقي بالشعب السوري، فلو فعلت تركيا ما فعلته أمريكا سابقاً لهان الأمر بل إنه غاية المنى أن ترفع تركيا يدها عن الثورة السورية، ليتحرر القرار الوطني الثائر من قبضة المخابرات التركية التي لا تمانع لاحقاً بتسليم أشخاص موضوعين على قوائم الاعتقال من قبل النظام السوري.
لقد حرصت تركيا على مدى سنوات على إبعاد أي جهد عربي عن الشأن السوري، وتحديداً «المملكة العربية السعودية». واستخدمت «الإخوان المسلمين» في تنفيذ تلك الخطة، فضربت بذلك طوقاً من العزلة العربية والدولية على الشعب السوري، وتفردت بقراره، وهي مطمئنة إلى أن الإخوان المسلمين سلَّموا للأتراك قرار تقرير المصير، مقابل استنفاعهم -أي الإخوان- بالمال والمناصب.
وحين أطبق الأتراك على كل شيء في الثورة السورية، واطمأنوا على نجاح فكرة «العزلة» والاستفراد بالقرار، أطلقوا فكرة «تطبيع العلاقات» مع نظام الأسد، وجلب المعارضة إلى حظيرة النظام، كما جلبوهم سابقاً إلى حظيرة روسيا وإيران، عبر تفاهمات «أستانا»، ليخرج الناس في مظاهرات غاضبة رافضين تلك الخطة، ثم تنطلق الحملات الإعلامية، منددة بها، مطلقة هاشتاغ «لن نصالح».
من فهم السياسة التركية المتعلقة بالشأن السوري فلن يتفاجأ بتصريحات مولود جاويش أوغلو، الداعية للحوار بين المعارضة والنظام، ثم الانتقال إلى الشراكة بينهما على مبدأ "أن تحقق المعارضة جزءاً يسيراً من الكعكة بدلاً من فقدان كل شيء"، فتركيا لا مشكلة لها سوى مع «قوات سوريا الديمقراطية» وبمعنى أدق مع «الأكراد»، وهي في خندق واحد مع نظام الأسد، وهو التخندق ذاته مع روسيا وإيران.
المشكلة الحقيقية في الأتراك أنهم أرادوا للثورة السورية أن تتبنى تلك المقاربة فلا تعادي قوى الثورة إلا الأكراد، بل وتتصالح مع النظام المجرم قاتل الأطفال مطلق الكيماوي.
وعلى الرغم من كل التنازلات التي تقدمها أنقرة لموسكو وللأسد، ورغم كل التنسيق الأمني بين أنقرة ودمشق، واللقاءات المتكررة بين رئيس المخابرات التركية «هاكان فيدان» ونظيره السوري «علي مملوك»، فإن نظام الأسد لا يظهر الحماس نفسه لجهة إعادة العلاقات مع تركيا، فقد قال وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد: "إن بلاده لا تجري في الوقت الراهن أي مفاوضات مع تركيا بشأن تطبيع العلاقات بين دمشق وأنقرة". وقال المقداد -في تصريح لوكالة «سبوتنيك» الروسية- إنه ليست هناك اتصالات أيضاً على مستوى وزارتي الخارجية في البلدين.
وشدّد على أن عدم التزام تركيا يعدّ عقبة تعيق التسوية في سوريا بموجب اتفاقات أستانا، وأضاف أن هذه الاتفاقات تمثل الإطار الوحيد القابل للتطبيق لحل الأزمة السورية.
لقد وصل الغدر التركي بالشعب السوري إلى حدّ يفوق الخيال، فتركيا تمارس دوماً دور المنقذ للسياسات الروسية والأخرى الإيرانية، فكلما دخلت هاتان القوتان بمأزق، سارعت تركيا لمد يد النجاة لهما، فروسيا اليوم تمر بمأزق رهيب في ملف «الغزو الروسي لأوكرانيا»، لا سيما بعد الخسائر التي منيت بها القوات الروسية مؤخراً في الحرب الدائرة هناك. وإيران ليست أحسن حالاً من روسيا، في خضم الانتفاضة الشعبية العارمة التي تشهدها المدن الإيرانية.
فلو كانت تركيا التي تقمصت دور «الأنصار» مقابل «المهاجرين» في الثورة السورية، صادقة في دعمها للشعب السوري لاقتنصت أفضل فرصة، لمساعدة الشعب السوري وإنهاء معاناته، بتحقيق الانتقال الحقيقي والتغيير المنشود في سوريا، لكن تركيا استفادت كثيراً من المقايضات مع روسيا، لأن تلك المقايضات كانت من حساب السوريين.
ليفانت - عبد الناصرالحسين
قد تحب أيضا
كاريكاتير
قطر تغلق مكاتب حماس
- November 11, 2024
قطر تغلق مكاتب حماس
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!