الوضع المظلم
الإثنين ٢٣ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • منظّمات التّوثيق السوريّة تغضّ النظر عن جرائم المرتزقة السوريين

منظّمات التّوثيق السوريّة تغضّ النظر عن جرائم المرتزقة السوريين
رياض علي

كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن ذهاب الكثير من السوريين كمرتزقة إلى ليبيا، سواء من قبل النظام والروس للقتال إلى جانب قوات الجنرال خليفة حفتر أو من قبل "الجيش الوطني السوري" والأتراك للقتال في صفوف حكومة "الوفاق الوطني" برئاسة فايز السراج، وقد تناولت الكثير من وسائل التواصل الاجتماعي والقنوات الإعلامية والمنظمات الحقوقية هذا الموضوع، وتمّ عرض الكثير من الصور والفيديوهات التي توثّق صحة تلك الأنباء، بل إنّ بعض وسائل الإعلام العربية والدولية ذكرت أسماء بعض الجنود والقادة القادمين من سوريا إلى ليبيا لغرض القتال كمرتزقة لصالح هذا الطرف أو ذاك، كما ودخلت في تفاصيل الرواتب الشهريّة لهؤلاء المرتزقة.


ومسألة اللجوء إلى المرتزقة من الخارج من قبل أحد طرفي الصراع أو كليهما ليس أمراً جديداً أو مبتكراً، فقد لجأت إليه الكثير من الأطراف المتحاربة في أوقات سابقة، وقد تمّ تأسيس شركات أمنية وعسكرية خاصة لهذا الغرض وهي مرخصة في الكثير من الدول، وليس مستغرباً أيضاً إرسال النظام السوري وبتوجيه روسي المرتزقة السوريين إلى ليبيا، فهذا النظام له باع طويل وخبرة تُدَرَّس في هذا المجال، ولا سيما تلك الخبرة التي اكتسبها في العقد الأول من هذا القرن من خلال إرسال الجهاديين إلى العراق عبر الحدود، وقد عبَّرَ رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي والرئيس العراقي الراحل جلال الطالباني حينها عن استيائهم من هذا التدخل، وطالبوا الحكومة السورية في أكثر من مناسبة بعدم تسهيل عبور الجهاديين إلى العراق عبر الحدود، وهو نفسه (النظام السوري) من جلب إلى سوريا منذ انطلاق الثورة عام 2011 عشرات الآلاف من الميليشيات الإيرانية والعراقية والشيشانية والأفغانية وحزب الله اللبناني وغيرهم، لمساعدته في قتل وتهجير السوريين الذين طالبوه بتخفيف سطوته الاستبدادية ومنحهم حقوقهم المنصوص عليها في الشرائع السماوية والمواثيق والاتفاقيات الدولية.


لكن ما يثير التساؤل هو قيام قوى وفصائل تدّعي بأنها تمثل الثورة السورية، وبأنها تقاتل في سبيل تحقيق أهدافها المتمثلة بالحرية والكرامة، بإرسال المقاتلين السوريين المحسوبين على المعارضة إلى ليبيا للقتال هناك، بناء على توجيهات الحكومة التركية المرتبطة باتفاقيات مع حكومة "الوفاق الوطني" والتي لا ناقة للسوريين فيها ولا جمل، والهدف الوحيد من ذهابهم هو كسب المال الموعودين به، وكذلك الجنسية التركية وفقاً لبعض المصادر، "فالجيش الوطني السوري" المتورّط في هذا الفعل الارتزاقي تمّ تشكيله من قبل الحكومة السورية المؤقتة عام 2017 ، وفي عام 2019 صرّحت الأخيرة بأّنه تمّ اندماج فصائل "الجيش الوطني" العاملة في منطقتي "درع الفرات" و"غصن الزيتون" بريف حلب مع فصائل "الجبهة الوطنية للتحرير" العاملة في محافظات إدلب وحماة وحلب وريف اللاذقية تحت مظلّة عسكرية واحدة تابعة لوزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة التابعة للإئتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، ومع ذلك فإن الحكومة المؤقتة والإئتلاف وقفتا موقف المتفرج من هذه الأعمال ولم تحاولا منعها أو حتى التبرؤ منها، وهي نفسها التي كانت تتهم النظام السوري بجلب المرتزقة من كل أصقاع العالم، وتطالب تلك الميليشيات بالخروج من الأراضي السورية. منظّمات التّوثيق السوريّة


ووفقاً لاتفاقيّة الأمم المتحدة لمناهضة تجنيد المرتزقة واستخدامهم وتمويلهم وتدريبهم لعام 1989 والتي انضمت إليها الدولة السورية عام 2008، فإن التعريف الوارد للمرتزقة في هذه الاتفاقية ينطبق تماماً على السوريين الذين تمّ إرسالهم إلى ليبيا للقتال، كون هؤلاء السوريين ليسوا من رعايا الدولة الليبية ولا من المتوطنين فيها، وهدفهم الرئيس من القتال هو الحصول على المغريات المادية والمعنوية لا أكثر، كما ذكرنا أعلاه، إن هذا الفعل ووفقاً لهذه الاتفاقية يشكل جريمة تستوجب المحاسبة والعقاب، ولكن ما يؤخذ على هذه الاتفاقيّة إنّها لم تنصّ على إنشاء محكمة جنائية دولية خاصة للنظر بهذه الجريمة، بل تركت الأمر للقضاء الداخلي للدول الأطراف في هذه الاتفاقية، ولم تتناول أيضاً موضوع الشركات الأمنية والعسكرية الخاصة، كما إنّ نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998 لم يدرج هذه الجريمة ضمن اختصاصها الموضوعي، على الرغم من جسامة هذه الجريمة وتهديدها للسلامة الإقليمية للدول، واستخدامها كوسيلة لانتهاك حقوق الإنسان وإعاقة الشعوب من ممارسة حقها في تقرير مصيرها، وفقاً لما أورده الأمين العام للأمم المتحدة في مذكرته المقدمة إلى الجمعية العامة بتاريخ 20/8/2009.


والأكثر لفتاً للانتباه، إنّ بعض منظمات المجتمع المدني السوري ولا سيما تلك التي تزعم بأنّها تعمل بهدف توثيق الجرائم التي تنتهك حقوق الإنسان وحرياته الأساسية بغض النظر عن هوية مرتكب الجرم وتوجهاته، وتدّعي الحيادية والوقوف على مسافة واحدة من الخصوم في سوريا وبأنها تسعى للوصول إلى وضع ملف العدالة الانتقالية على طاولة الاتفاق السياسي، وضروة وضع حدّ للإفلات من العقاب، لم تقم بتوثيق هذه الجريمة وغضت الطرف عن مرتكبيها وأخذت وضعية المزهرية حيالهم، ومن يقرأ تقارير تلك المنظمات سيظن للوهلة الأولى وكأن هذا الجرم لم يقع في سوريا ولا من قبل السوريين، فحين تدّعي بأنها تمثل السوريين وتعمل لأجل قضيتهم العادلة، فيفترض بها أن توثّق كل تلك الانتهاكات التي وقعت في سوريا طوال السنوات السابقة بغضّ النظر عن هوية الفاعلين، لا أن تعتمد في عملها على الانتقائية ووفقاً لاصطفافات سياسية تخدم وجهة نظر الجهة المانحة وسياساتها، ولا يمكن التحجّج هنا بأنّ الجريمة وقعت على الأرض الليبية وبالتالي فهي تقع خارج إطار الملف السوري، لأن الأعمال التحضيرية لتجهيز المرتزقة وتدريبهم وإرسالهم قد تمت على الأرض السورية، وقد اعتبرت الاتفاقية الدولية التي ذكرناها أن الشروع في ارتكاب هذه الجريمة (البدء والتحضير لتنفيذها) يعتبر بمثابة الجريمة التامة. منظّمات التّوثيق السوريّة


فهذه المنظمات التي تزعم بأنّها تمتلك الآلاف من الوثائق والشهادات التي تدين النظام السوري والميليشيات التي حاربت إلى جانبه وقتلت وهجَّرَت ملايين السوريين طوال السنوات التسع الماضية، يفترض بها توثيق الانتهاكات من أي طرف كان، وأن تعمل على أساس  جسامة الجرم وفظاعته لا على أساس هوية المجرم وهوية داعميه، وذلك كي لا تكون تلك الانتقائية وسيلةً ودافعاً للتشكيك بكل تلك الجهود التي بذلت من قبلها طوال سنوات النزاع في عمليات التوثيق المذكورة، صحيح إنّ عملية التوثيق تتطلب دقة المعلومة وصحتها، لكنها تتطلب فوق هذا وذاك الحيادية والنزاهة والسعي الجاد لتطبيق العدالة للجميع وعلى الجميع. منظّمات التّوثيق السوريّة


ليفانت - رياض علي ليفانت

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!