الوضع المظلم
الأربعاء ٠٨ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
منطلقات الاحتلال التركي للأراضي السورية
علي الأمين السويد

منذ انطلاق الثورة السورية شعرت تركيا بتصميم الشعب السوري على المضي قدماً في تحقيق أهداف الثورة، وعلمت أيضاً المدى الذي قد يذهب إليه نظام الأسد في قمع محاولة تحرر الشعب، فاعتمدت تركيا السيناريوهات المتوقعة التي تفضي بتحول سوريا إلى دولة فاشلة.

أن تصبح سوريا دولة فاشلة سيكون ذلك مسوغاً للنظام التركي للتوسع جنوباً على حساب وحدة وسيادة الأرض السورية. فإذا لم تصبح، فعلى النظام التركي أن يفعل كل ما من شأنه أن يقود إلى فشل الدولة السورية. وكان للنظام التركي ما أراد بحكم الظروف الراهنة وبحكم عمله على خلقها في سوريا.

واليوم، يريد النظام التركي المحتل أن يقطف ثمرة جهوده بتوسع بلاده جغرافياً على حساب سوريا من خلال احتلال الشريط الحدودي بعمق 30 كم داخل الأراضي السورية، بحيث تكسب تركيا مساحة تقدر بـ 30 ألف كم مربع.

اتبع رئيس دولة الاحتلال التركي، رجب طيب أردوغان، عدة منطلقات محورية يسوّقها بشكل مستمر. إن ضعف الاهتمام بمنطلق، راح يبرز آخر، ويلعب على أوتاره حتى يفقد بريقه، فينتقل لتضخيم المنطلق التالي، أو أنه يعود للسابق. ومن هذه المنطلقات أو الاستراتيجيات:

أولاً – محاربة الإرهاب

تصنّف تركيا حزب العمال الكردستاني على أنّه منظمة إرهابية، وتعتبر أن وحدات حماية الشعب السورية منظمة تابعة للحزب الكردستاني.

وتدّعي تركيا بأن وحدات حماية الشعب تقوم بالهجوم المسلح على الحدود التركية. والجميع يعلم بأن كلام أردوغان غير صحيح ويحتاج إلى إثباتات مادية، وخصوصاً أنه يكذب تماماً في مسألة هجوم وحدات حماية الشعب على تركيا عبر حدودها. فمن غير المنطقي أن تقوم وحدات حماية الشعب السورية بالسعي للحوار مع النظام التركي، وبذات الوقت تهاجم تركيا، الدولة العضو في حلف الناتو والمفترض أنها حليفة الولايات المتحدة الأمريكية، حليفة قوات سوريا الديمقراطية.

ثانياً – محاربة الإرهاب

هذه استراتيجة مثيرة للسخرية لا تختلف عن دعاوي النظام السوري في محاربة الإرهاب، والفساد، والتعذيب، وتهريب الكبتاغون. فتركيا من يدعم داعش والأوزبك، والشيشان، والطاجيك، والقاعدة، وأحرار الشام، وصقور الشام وجيش الإسلام والإخوان المسلمين. وتركيا تتعامل رسمياً مع هيئة تحرير الشام الإرهابية، وكأنّها فصيل من الجيش التركي.

1- فتركيا تصنّف هيئة تحرير الشام منظمة إرهابية، ولكنها على أرض الواقع تعتبر حليفاً وداعماً لهتش. فهذا التنظيم الإرهابي يقوم بتنفيذ سياسات تركيا الخارجية فيما يخصّ اتفاقاتها مع روسيا وإيران والنظام السوري، فهتش هي من نفذت سحب السلاح الثقيل من جنوب إدلب، وهي من سلمت خان شيخون ومعرة النعمان وأطراف جبل الزاوية للنظام حسب اتفاقات أستانا.

2- هتش الإرهابية تحرس النقاط المراقبة التركية حين كانت على خط مدينة مورك، وحين انتقلت إلى جبل الزاوية.

3- وزير الداخلية التركي يقوم بزيارات تفقدية دورية إلى مناطق حدودية داخل إدلب وبحماية هتش أو جبهة النصرة الإرهابية.

4- الشركات التركية تمدّ إدلب بالكهرباء وجبهة النصرة تجبي المال.

5- قامت تركيا وهتش بفرض تداول العملة المتداولة في الشمال السوري.

6- ففي تشرين الأول من العام 2019، قامت الولايات المتحدة الأمريكية بتصفية الإرهابي "أبو بكر البغدادي" في المناطق التي تعتبر تحت سيطرة تركيا، وعلى بعد أقل من خمسة كيلومترات من الحدود التركية.

7- وفي آذار 2022، قامت الولايات المتحدة الأمريكية بتصفية خليفة البغدادي، التركي الجنسية، "أبو إبراهيم القرشي" في مناطق سيطرة هتش، وعلى مقربة أقل من خمسة كيلومترات من الحدود التركية.

8- وفي حزيران 2022 قامت الولايات المتحدة الأمريكية بتصفية هاني الكردي الذي تقول عنه أمريكا بأنه من قيادي داعش في المناطق التي تحتلها تركيا والتنظيمات الموالية لها المسماة الجيش الوطني.

9- وخلال الأسبوع المنصرم من هذا الشهر، نجحت تركيا في إطلاق سراح الإرهابي محمد علي أوزتورك من سجون الإمارات العربية المتحدة. وأوزتورك 54 عاماً، من ولاية مرسين، أنشأ وأدار شبكة جهادية في عام 2012 في تركيا وسوريا، وله علاقات مع تنظيم القاعدة.

10- ومؤخراً، بدأت كتائب من هتش تدخل إلى ما يسمى مناطق الدرع لتنفيذ مهمات تدريبية للفصائل الموالية لتركيا وللاندماج التدريجي بهدف توحيد القوة المسلحة التي ستحكم الشمال السوري.  

ثالثاً – دعوى إقامة منطقة آمنة في الشمال السوري

يروج الاحتلال التركي فكرة إقامة منطقة آمنة في الشمال السوري لحماية السوريين من النظام الأسدي، ولمنع تدفق المهاجرين السوريين إلى أوروبا، ولتخفيف الضغط الاقتصادي والاجتماعي المزعوم على الاقتصاد والمجتمع التركي.

وقد نجح أردوغان في ابتزاز أوروبا وسلبها أموالاً طائلة لقاء احتجازه السوريين في تركيا. فإن تأخرت الأموال الأوروبية عليه، سمح للسوريين بالعبور الطوعي إلى أوروبا، وربما أجبرهم أحياناً على ذلك.

أما قضية تشكيل اللاجئين السوريين عبئاً على تركيا، فقد ثبت بأن وجود السوريين في تركيا مكسب حقيقي لتركيا ولاقتصادها الذي دمره أردوغان شخصياً بسبب سياساته الاقتصادية الفاشلة، علماً أنه لا يفتأ يلمح إلى أن الضغوط الاقتصادية على بلاده، والتي من بينها الوجود السوري، كانت السبب في تدهور اقتصاد بلاده.

أما عن واقعية وجدوى إقامة منطقة آمنة في الشمال السوري وإعادة السوريين إليها، فهي ليست سوى ضرباً من الخيال، إلا إذا تمت تسمية الأشياء بمسمياتها. فتركيا تريد إقامة حزام قومي عربي موالٍ لها ضمن الأراضي السورية ليسهل عليها بعد ذلك ضم تلك الأراضي دون مقاومة.

وقد فعلت تركيا كل ما بوسعها لخلق هذا الواقع. فقامت باحتلال مدينة عفرين وما حولها، حتى بلغت المساحة التي تحتلها حالياً أكثر من ثمانية آلاف كيلومتر مربع. وقامت بجريمة طرد ملاكها وسكانها الأصليين منها وتوطين نازحين ومرتزقة من كافة أنحاء سوريا.

وهي تسعى لتكرار هذه الجريمة على طول الحدود السورية في حال استطاعت الحصول على الضوء الأخضر من روسيا ومن الولايات المتحدة الأمريكية، اللتين لم توافقا حالياً على هذه الخطوة بشكل علني على الأقل. وليس من المرجح أن أمريكا ومن ورائها أوروبا ستقبلان بهذه الخطة الإرهابية.

وجدت تركيا في الظرف الدولي الحالي، المتمثل بالغزو الروسي لجمهورية أوكرانيا، ولطلب فنلندا والسويد الانضمام إلى حلف الناتو، فرصة للمساومة والمتاجرة. فعلى ما يبدو أن تركيا تريد أن تحصل على عدة طلبات من الغرب إلا أنها لا تتأمل الحصول إلا على الضوء الأخضر لاحتلال ما تبقى من الشمال السوري بحجة إقامة المنطقة الآمنة المزعومة.

فتركيا تضع في اعتباراتها أن سوريا هي آخر اهتمامات الغرب ولن يكون لدى الحلف مشكلة في قيام تركيا بابتلاع سوريا كلها، كما قال الرئيس ترامب لأردوغان سابقاً.

فأردوغان يضغط باتجاه قبض ثمن قبوله بدخول السويد وفنلندا حلف الناتو من أمريكا وأوروبا بالسماح له بتنفيذ مخططاته. وهو يفاوض روسيا على رفض قبول طلب الدولتين مقابل دعم خطته الإرهابية. إلا أن روسيا ليست في وضع يمكنها من إتمام هذه الصفقة. لا سيما أن الولايات المتحدة وأوروبا تقفان بحزم في وجه سياسات أردوغان العدائية، حتى الآن كما يبدو، ولا تكترثان جدياً بما يريده أردوغان.

موقف السوريين من المنطقة الآمنة

شعر السوريون المقيمون في تركيا، والذين ينوي أردوغان ترحيل مليون منهم إلى الشمال السوري بالغدر التركي من خلال ادّعاء تركيا بأنها تعمل على تهيئة الظروف المناسبة للعودة الطوعية إلى الشمال السوري. فقد حاولت السلطات التركية الضغط بكل الوسائل على المقيمين السوريين في تركيا لترحيلهم إلى الشمال السوري تحت شعار العودة الطوعية.

وفاقم الوضع فضح العمليات التركية التي شرعت بحفر خنادق تفصل المناطق المحتلة من قبل تركيا عن الوطن الأم المحتل من قبل النظام السوري. حيث قام المواطنون السوريون بالاحتجاج على هذه الخطوة بشتى الأساليب، منها نصب خيام اعتصام في وجه آلات الحفر التركية.

توقفت عمليات الحفر بعد فضحها بوقت قصير جداً، ولكن ليس بسبب الاحتجاجات، وإنما بسبب التحذيرات الأمريكية لتركيا من مغبة المضي قدماً في هذه الخطوة.

ولكن ومن جهة أخرى، يحسب لبعض السوريين الذين واجهو الجرافات التركية رفضهم للانفصال أو الانضمام إلى دولة الاحتلال التركي.

فهم السوريون هذه الخطط على أنها إعادة توطين إجباري في الشمال السوري لتحقيق أهداف أردوغان على حساب سوريا، وهو الذي قام بإنشاء مستعمرات بهدف توطين من سيتم إجبارهم على النزوح الثاني من تركيا.

وشعر النازحون السوريون المقيمون على طول الشريط الحدودي بخيبة عظيمة، وفهموا بأن إعادتهم إلى مناطقهم التي استولى عليها النظام هي آخر اهتمامات الدولة التركية التي طالما أطلقت التصاريح الرنانة حول دعم النازحين والسعي لإعادتهم إلى مناطقهم.

ثار النازحون البسطاء ضد هذه الفكرة، وعبروا عن غضبهم من خلال تنظيم مظاهرات تدعو قادات التنظيمات العسكرية المرتزقة والموالية لتركيا لفتح الجبهات ضد النظام لاستعادة المناطق التي استولى عليها بطريقة التسليم التي كانت جبهة النصرة الإرهابية أو هيئة تحرير الشام بطلتها.

وعبّر النازحون عن غضبهم من الاحتلال التركي ومن وجود نقاطه في مختلف أنحاء الشمال السوري، واستطاع بعض الناشطين تمرير شعارات طرد الجيش التركي من سوريا، إلا أن الخوف من الملاحقة والتهديدات الحقيقة لحياتهم أوقف ذلك.

حالياً، ليس من المؤمل أن تنجح هذه الدعوات الشعبية لقتال النظام، وخصوصاً أن قادة الفصائل المرتزقة لا يضعون في أولياتهم التخلي عن عمالتهم للاحتلال التركي خوفاً على مكتسباتهم الشخصية.

ولكن من المؤكد أن تركيا تنتظر، متحفزة، أن تمكنها الظروف الدولية من تنفيذ مخططاتها الاستعمارية دون حروب كبيرة، لأن النظام التركي لا يحتمل أية خسارة عسكرية تؤلب عليه الداخل التركي في هذه الأوقات الحساسة بالنسبة لتركيا.
 

ليفانت - علي الأمين السويد

   

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!