الوضع المظلم
الخميس ٢٥ / أبريل / ٢٠٢٤
Logo
مناطق الإدارة الذاتية ومعركة
عبير نصر

لا شك أنّ سوريا اليوم، وبكلّيتها، تشهد انزياحات أو إعادة تموضع على أقل تقدير، ومن ضمنها انفتاح بعض الأطراف العربية على النظام السوري، في الوقت الذي تنسج فيه علاقات جيدة مع تركيا. وبحسب محللين يمكن أن تتأثر أنقرة بأي تغيّر جذري في مشروع يتعلق بـ"قوات سوريا الديمقراطية"، ولكن موقفها لن يتغيّر بسبب تغيّر المواقف العربية تجاه النظام السوري.

في وقتٍ أكد فيه مراقبون أنّ اللقاءات الأمنية لم تنقطع بين النظام السوري وتركيا أبداً، بينما تناقلت وسائل إعلام عربية وتركية تسريبات عن تقارب بين حكومة النظام السوري والحكومة التركية، على ضوء المستجدات الأخيرة في الساحة الدولية، انطلاقاً من "الغزو" الروسي لأوكرانيا وسياسة تركيا في تصفير المشكلات قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة في عام 2023. مشدّدين على أنّ اللقاء بين النظام السوري والحكومة التركية، في حال حدوثه، لا يعني تحولاً في المواقف بالضرورة، حيث لا تبدو أنقرة في عجلة من أمرها بخصوص إعادة العلاقات مع دمشق. بينما انشغال روسيا في صراع أوكرانيا قد يُشكّل فرصة لتركيا لفرض شروطها في أيّ حوار سياسي محتمل مع النظام، لكن الظروف الحالية ما تزال غير مناسبة لرفع مستوى المحادثات من أمني إلى سياسي.

في المقابل، من مصلحة النظام السوري أن ينسج علاقات طبيعية مع تركيا، لكونها من الدول المهمة المسيطرة عسكرياً، والتي ما زالت لا تعترف بشرعية الأسد الذي يرى أنّ التعامل الطبيعي بينه وبين الجار اللدود، قد يكون مقدمة لمطالبته إياه بسحب قواته من سوريا. ولهذا السبب تحديداً لا يبدو أنّ تركيا ترى مصلحة جوهرية لها في الاعتراف بالنظام كحكومة شرعية لسوريا، وهي ليست جاهزة لذلك حتى اللحظة، فضلاً عن موضوع اللاجئين ومواضيع أخرى كثيرة. بالتالي ما زالت حريصة على إبقاء هذه العلاقة بالمستوى الأمني وبالحد الأدنى.

على صعيد متصل، ينعكس التقارب التركي - الأمريكي المحتمل بعد عدّة سنوات من الخلاف على ملفات عدّة، أبرزها قضية وجود قوات سوريا الديمقراطية المسيطرة على مناطق شمال شرقي سوريا المتاخمة للحدود التركية، إذ ترى أنقرة أنّ "قسد" امتدادٌ لحزب "العمال الكردستاني"، المحظور والمصنّف إرهابياً في تركيا، ولا يمرّ حديث المسؤولين الأتراك حول علاقاتهم مع واشنطن دون إثارة قضية دعمها الكرد في سوريا، بينما تدّعي واشنطن أن دعمها لـ"قسد" هو في إطار محاربة تنظيم الدولة الإسلامية. وفي الحقيقة أيّ تقارب بين الدول الإقليمية والعالمية لا بدّ أن يؤثر على الفواعل ما دون الدولة، وهو ما شهدته الحالة السورية بشكل مكرر جداً، سواء كان التقارب الروسي- التركي، أو الأمريكي- التركي، وحتى الروسي- الأمريكي في مرحلة إنهاء الثورة منتصف العام 2015.

ولا شك إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، اتخذت نهجاً مختلفاً عن الرئيس السابق، دونالد ترامب، في مسألة دعم "قسد" وأعادت إحياء العلاقة الوثيقة معها. وهذه القضية تمثّل أولوية بالنسبة لتركيا، وستسعى للضغط على واشنطن لتغيير سياستها إزاء "الوحدات الكردية"، إذ لن يكون بالإمكان توقع عودة طبيعية للعلاقات التركية - الأمريكية دون معالجة هذه القضية الشائكة. ورغم دعم واشنطن، فإنها تغضّ النظر عن الضربات التركية بين الحين والآخر ضد "الوحدات الكردية" في سوريا، وهو الأمر الذي قد يتيح لأنقرة فرصة لانتزاع تنازلات من الأمريكيين بهذا الخصوص.

بطبيعة الحال تشكّل مناطق شمال شرقي سوريا نموذجاً مصغّراً للصراع الممتد على الخارطة السورية، والتي تتداخل فيها قوات أجنبية وأذرعها من ميليشيات وفصائل محلية. ما يزيد الطين بلّة التوترات الأمنية والعسكرية التي لم تنقطع يوماً، بينما تشهد هذه المناطق، حالياً، تصاعداً غير مسبوق في حدّة التوتر والفلتان الأمني، نتيجة الغضب الشعبي تجاه ميليشيا "قسد" وانتهاكاتها المتزايدة ضد السكان ولا سيما بمناطق دير الزور الشمالي، في حين خسرت "قسد" عدداً جديداً من صفوفها بضربات وقعت بمناطق مختلفة على مواقعها العسكرية، نتيجة حملات اعتقال كبيرة نفذتها وطالت عشرات الشبان، في قرى برشم وحريزة والتوامية شمال دير الزور، تحت ذريعة البحث عن أشخاص قاموا بتخريب أعمدة الكهرباء في تغذية محطة مياه ريّ الخابور، ما دفع الأهالي لإغلاق بعض الطرقات والهجوم على عدد من الحواجز العسكرية وإحراق بعضها.

في سياق متصل شهدت الرقة استنفاراً عسكرياً لميليشيا "قسد"، جاء بعد محاولة اغتيال مسؤول جهاز (الجريمة المنظمة) في ميليشيا (الأسايش) المدعو أسمر جريمة، بعد إطلاق نار على سيارته في شارع الباسل وسط المدينة. وإلى الحسكة، تزايدت نسبة الفلتان الأمني في مخيم الهول الخاضع لسيطرة "قسد"، حيث عُثر على جثة امرأة سورية ثلاثينية، مقتولة على يد مجهولين ومرمية قرب أحد خطوط الصرف الصحي داخل المخيم بعد اختفائها لأيام، كما عُثر أيضاً على جثة رجل عراقي، في العقد الخامس من عمره، مشنوقاً في ظروف غامضة في القطاع الأول داخل المخيم. من جهة أخرى، قُتل عدد من عناصر "قسد" بقصف مدفعي من مواقع الجيش الوطني السوري وبدعم من الجيش التركي، استهدف مواقع الميليشيا بقرى التوخار والجات شمال منبج، إضافة لتدمير موقعين في القصف ذاته، في حين أعلنت وزارة الدفاع التركية تحييد عنصرين من الميليشيا بقصف على مواقعها في المنطقة.

نافل القول.. في بقعةٍ سورية ملتهبة تعاني الانقسام السياسي ضمن نزاع مسلح غير دولي، قد يطرأ على بال الكثير من المتابعين التساؤل التالي: من الطرف الفاصل الذي يشكل، مجازياً، "بيضة القبان" في منطقة تحكمها سلطات الأمر الواقع، التي تشكّلت نتيجة عمليات عسكرية عنيفة، بينما يرافق مشروع بناء "ميثاق" من قبل "الإدارة الذاتية"، التي تسعى إلى تشكيل مظلة سياسية تمكّنها من الحصول على الشرعية، مجموعة من الإشكاليات، أبرزها محاولاتها في الحصول على قبول مجتمعي بمناطق مختلفة معروفة بتنوعها البشري، والعرقي، والثقافي، والديني، واعتراف سياسي بمشروعها من قبل أطراف النزاع السوري؟. إذ يعتبر دعم واشنطن لـ"قسد" أشبه بصمام أمان كونها تشكل هدفاً دائماً لأنقرة.

وإن كانت دمشق، التي تحمل على الأكراد لتحالفهم مع الأميركيين وتتهمهم بالسعي نحو الانفصال، لم تعلن حتى الآن حرباً مفتوحة عليها، لكنها ترفض بالتأكيد الاعتراف بالإدارة الذاتية. وحين ظنّ الأكراد أنّ الأمريكيين تخلوا عنهم بقرار الانسحاب، دخلت روسيا التي تجمعها اتفاقات تهدئة مع تركيا في سوريا، على الخط. وبوساطة روسية، نشرت دمشق، وبطلبٍ كردي، قوات في مناطقهم الحدودية، لمنع أي توسّع تركي. ويصعب فعلياً توقّع ما ستؤول إليه الأمور في نزاع لطالما كان مليئاً بالمفاجآت.

وفي ظلّ حماية قوات سوريا الديمقراطية، تحاول الإدارة الذاتية البقاء على قيد الحياة، رغم حالة عدم الاستقرار المستمرة. وعليه شهدت العلاقات الخارجية للإدارة إخفاقات متعددة، وعانت من نكسات بالجملة، كخسارة عفرين وتل أبيض ورأس العين، إضافة إلى العجز في بناء مسار دستوري والضعف الإداري. كما أدت سوء الخدمات والتقارير المتضاربة عن انتهاكات حقوق الإنسان إلى زيادة استياء الرأي العام المحلي، حيث يرى منتقدو الإدارة الذاتية أنّ اتصالاتها الاستراتيجية غير شفافة، ما يعمّق من قلق الجمهور بشأن المستقبل، ويكرس عدم ثقتهم في الهيئة الحاكمة.

ليفانت - عبير نصر

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!