الوضع المظلم
الثلاثاء ٢٤ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
مفهوم التجديد وفق نظرية التحليل والارتقاء النقديّة
سعد الساعدي


لا يعدّ مفهوم التجديد غريباً في كل مجالات الحياة نظراً للحاجة إليه وما تقتضيه دوافع كثيرة، لمسايرة طبيعة الزمن وتطوراته بما يصاحب ذلك من ظروف مختلفة، وليس بعيداً عن كل ذلك المناهج النقدية التي هي أوْلى من يحتاج للتجديد حسب طبيعة الإنتاج الإبداعي المتدفق يومياً، من فنون وآداب واكتشافات علمية تقتضي وقفات طويلة وكثيرة أمامها. التجديد بحدّ ذاته يمكن أن يكون نظريّة جديدة ظهرت للعلن داعمة للفكر، مطوّرة لنظرية المعرفة العامة.


مفهوم التجديد يأتي متوافقاً بحالاته مع مفهومين مهمين هما التغيير والإصلاح، ولا يختلف اثنان على ذلك عقلياً كإدراك واقعي مصاحب للتغيرات المستمرة في كل بقاع الأرض عبر المسيرة الزمنية. وإذا أردنا تحديد زمن ثابت يمكن وصف انطلاقة التجديد منه فلا يمكن ذلك قطعاً طالما أنّ الطبيعة البشرية ذاتياً بحاجة للتغيير الذي ينبثق منه أو خلاله أو بعده التجديد؛ يمكن عدّه حدثاً اجتماعياً قبل أي شيء. ومن يقول إنّ بضع مئات من السنين الماضية هي البداية الفعلية والحقيقية للتجديد، فقد أوقع نفسه في وهم ومغالطة فكرية وتاريخيّة يشهد عليها عمق التاريخ البعيد، منذ رسالات الأنبياء الأولى وبدايات الفلسفة من تأمل للحياة والكون والطبيعية.


إذن، عملية التجديد بمفهومها الكوني العام هي أيضاً متجددة، ليس لها نهاية، مثلما كانت بدايتها مع أول إنسان وُجد حتى وإن اختفى التجديد طويلاً في سبات عميق، أو خنقته شتّى أنواع الصراعات، لكنه يظهر متى توفرت الظروف الملائمة لذلك؛ وقد تكون الصراعات الفكرية والاختلافات المتنافرة في وجهات النظر من الأسباب المؤثرة والقوية جداً في ذلك.


في مدرسة التحليل والارتقاء النقدية، التي نحن بصدد الوقوف عند مفهوم منها وتعريفه بشكل مبسط منمنهج نقدي جديد، غرضه الأول وضع منهجيّة موضوعية يلعب التجديد الدور المهم فيها، ويمكن عن طريقها أن يؤسّس الناقد التجديدي طريقته الاشتغاليّة بكشف الانبعاث الناتج بما يحمل من قيم إنسانيّة قبل كل شيء، ومن ثمّة توثيق حقيقة الإبداع التجديدي تفادياً لمزج وزجّ مفاهيم غامضة جاءت بها المناهج النقدية السابقة، أو التي ابتكرها من سار وفق مسارات تلك المناهج لكنه أضاف إليها المبهم بدلاً عن وضوح الرؤية وإخراج نقد فني هو في حقيقته داعم ومساعد يعاضد المبدعين، لاسيما الجدد، وبذا يكون التجديد هو عملية جديدة، ومفهوم له دلالته المعرفية الخاصة. بمعنى اتحاد التجديد والجديد ضمن مسيرة عامة واضحة محصلتها النهائية وغايتها تقديم الأفضل والمفيد؛ مثل صنع جهاز كومبيوتر كآلة جديدة، لكن تعلّم الكتابة عليها هي طريقة تجديدية للكتابة عبر معرفة الرموز، ومواقع الحروف وطرق النسخ واللصق مثلاً؛ لأنّ الكتابة معروفة أصلاً لمن يريد العمل على ذلك الجهاز.


ولو تساءلنا لماذا دول الغرب ترحب بكل جديد وتجديد ونحن العرب عكس ذلك؟ الجواب باختصار: لأنّ العرب طموحهم محدود وشبه معدوم، وتأصلت لديهم طبيعة محاربة ومعاداة كل جديد نظراً لرواسب الجهل والرجعية لدى الكثيرين منهم؛ فما إن يظهر مجدداً حتى يجد سهام القدح والذم تأتيه من كل مكان قبل فهم ما يدعو إليه وينادي به؛ فقط لأنّ ما تبناه يحمل صفة الجديد، أو الدعوة للتجديد.


من هنا يتضح أنّ التجديد هو عملية فكرية تساهم في بناء معرفي نتيجة وجود إبداع منبعث، مهما كان هذا الانبعاث، وفي أي مجال من مجالات الحياة المختلفة، وأهم دافع له هو خلق تفاعل بشري بعيداً عن كل أنواع الضعف لخلق حالة تسمو بالفكر وطبيعته القابلة لقبول الجديد، وإن اكتنفته الصعوبات أحياناً عبر ما توفر من وسائط مساعدة، وما دمنا هنا ندعو لتشكيل مدرسة عربية نقدية تجديدية فإنّنا لا نجد صعوبة مطلقاً بذلك بما لدى العربية من مساحات واسعة لا حدود لها إذا ما تبناها ناقد يعي ما بين يديه،يريد الوقوف عندها بإخلاص للغته وواقعه وانتمائه الحقيقي، لا الانتماء البعيد جداً عنها.


عن كتاب نظرية التحليل الارتقاء، مدرسة النقد التجديدية

د. سعد الساعدي، دار المتن للطباعة والنشر، ٢٠٢٠


ليفانت – سعد الساعدي








 




كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!