الوضع المظلم
الثلاثاء ٢٤ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
معركة التبشير الإيراني في اللاذقية
معركة التبشير الايراني في اللاذقية

خاص ليفانت - أليمار لاذقاني


التمدد الشيعي الناعم قبل الثورة السورية


التمدد الشيعي لم يكن وليد الحرب في سوريا كما يعتقد الكثير، بل كان من قبل اندلاع الثورة السورية عام 2011، وكان لهذا التمدد المدروس ظروفه وأهدافه التي أنشئ عليها والتي لا تخفي إيران سعيها ودعمها لنشر التشيع وتصدير ثورتها في البلدان العربية عامة  لبسط سيطرتها الفكرية والعقدية حتى تجعل الأرض خصبة لها وممهّدة لبسط سيطرتها السياسية والاقتصادية لاحقاً على البلاد


فقد قامت في سوريا بعد استلام الوريث بشار حكم البلاد بتوطيد العلاقات أكثر مما كانت عليه بزمن أبيه الذي كان مائلاً لإظهار علمانية حكمه عكس ابنه الذي تقرّب أكثر من إيران وحزب الله لإضفاء قبول علني بالتبعية المذهبية الإيرانية على سوريا، فقامت إيران بتجنيد المستثمرين والأموال لهذا الغرض بعدما وجدت فرصة لها لا تعوض من فتح دمشق ابوابها دون رادع، بل وبتسهيلات لتلك المؤسسات ورجال الأعمال الإيرانيين اللذين باشروا بتوظيف شخصيات سورية تضعها في واجهة تلك الجمعيات "الخيرية" كجمعية جعفر الصادق وجمعية مرتضى لصاحبها جميل الأسد وجمعية البستان والتي وضعت رامي مخلوف قريب لرئيس السوري واجهة ورئيس لها.


العاطفة والفقر والعلويون مهّدوا للتشيع في اللاذقية


عمدت إيران في نشر فكرها على الحاضنة العلوية في اللاذقية، حاولت إيران البدء بالمشتركات واجتمعت مع رؤوس الطائفة وبعدها بدئت الزيارات المتبادلة بين الطرفين تصل إيران بالساحل والتي كان عرابها جميل الأسد شقيق حافظ الأسد، والذي بنى عشرات الحسينيات في مدينة اللاذقية وحدها في مناطق العلويين، وبعد موت جميل استلم رامي مخلوف حركة التشيع وأشرف بنفسه على زيارات لرجال دين علويين لمراقد قمّ وغيرها في إيران، ونتج عن هذا افتتاح "مجمع الرسول الاعظم" في اللاذقية عام 2006 كأول مسجد للمذهب الشيعي في المدينة ثم ما لبث أن تحول لمجمع تدريسي به مدارس وجامعة تتبع له والبدء بالانتشار فكرياً بين الطائفة العلوية، وبعد قيام الثورة السورية اتخذت إيران من شعارات طائفية وتاريخية بالانتقام من "الامويين" طابعاً لتجنيد العلويين في صفوف ميليشياتها مع التأكيد على ربط الوجود الإيراني الشيعي في سوريا بالوجود العلوي، وأن هذه الحرب هي حرب مشتركة مصيرية للطرفين، وظهر تأثير هذا على أسماء كتائب تتبع للدفاع الوطني في اللاذقية ككتائب الإمام علي وأسود الحسين التي يقودها حسن الاسد ضد ثورة السوريين.


الفقر والحاجة والعاطفة


ولم يقتصر الأمر على العلويين بل كانوا أيضاً السنّة مستهدفون والتي تعد الطائفة الأكبر في الساحل عموماً واللاذقية خصوصاً، وكان الفقر واستغلال ضعاف النفوس, العامل الأكبر لنشر التشيع بين أبناء الطائفة السنّية والتي جنّدت إيران أموالاً شهرية يتقاضاها كل من ينتقل للمذهب الشيعي، إضافة إلى كثير من الاغراءات كالمنازل والمكانة الاجتماعية والتسهيلات الوظيفية كما يروي الناشط من مدينة اللاذقية " ا. س " لليفانت عن تلك الحقبة، فيقول "لقد كنا نمشي في شوارع المدينة وكنا نلاحظ تغير ما بدء يطرأ على المدينة سواء بسماعنا الأغاني الشيعية تخرج بصوت عالي من بيوت أحيائنا أو حتى بانتشارها بين هواتفنا أنذاك وخاصة بعد حرب تموز ٢٠٠٦ بين حزب الله اللبناني وإسرائيل، فقط ساد جوّ عام من العاطفة التي بدئت بنشوة انتصار لشعب يعمه اليأس والدونية، فكانت مشاعر الناس تميل إلى قوي يلملم لها جراحها ويعيد لها شخصيتها وكانت لشخصية حسن نصر الله المنتصر على إسرائيل عاملاً مهماً، إضافة إلى الفقر الشديد التي كانت تعانيه مدينتنا ونسبة بطالة عالية بين الشباب والأسر" ويتابع الناشط: "لقد كان لي صديق اسمه بسام قرطيش من حي الرمل الجنوبي  السنّي تحولت أسرته كلها إلى المذهب الشيعي ما عداه هو نتيجة الفقر ولقد بدأ أهله نتيجة تمرده بحرب عليه أودت به خارج المنزل وخارج حياتهم وبدء بمعركة فكرية واجتماعية معهم انتهت به مقتولاً في معركة في ريف اللاذقية عام ٢٠١٢ بعد قيام الثورة السورية، بعيداً عن أهله والذين كانوا بجانب قاتله في الطرف الاخر" وهكذا عمدت إيران على تفكيك الأسر لزرع الولاء المطلق لها على حساب الأسرة نفسها.


ومع بداية الثورة السورية في مدينة اللاذقية حدثت صدمة كبيرة لإيران بسبب وقوف الطائفة السنّية في وجه التمدد الشيعي والتي كانت من أحد مطالب الثائرين في المدينة، وبدأ التشيّع يتقلص لحين خروج جميع الثائرين على النظام من المدينة، ما لبث أن عاد التشيّع وبقوة مستغلين الحالة الشديدة من الفقر نتيجة انهيار اقتصاد البلاد وسوء الخدمات وانقطاع أدنى مقومات العيش والعمل، وبذلك بدأت إيران بالاستفادة من المنتسبين الجدد لزجهم في أتون الحرب المشتعلة وتقليل خسائرها من الإيرانيين واللبنانيين المقاتلين في سوريا.



التشيّع المجتمعي عن طريق التعليم


لم يقتصر دور إيران التشيعي على المال والعاطفة بل بدأت بترسيخه عن طريق التعليم، وذلك بافتتاح عدد كبير من الحسينيات والمدارس وحتى الجامعات، مستغلة سطوتها في اللاذقية من خلال جامع الرسول الاعظم في حي شريتح في اللاذقية، والذي ضمت مؤسسة من خلاله تعنى بأمور " الشهداء " قتلى الحرب الدائرة بين النظام والثوار وذلك من خلال التكفل بتعليم الأبناء ضمن المؤسسة تعليم ديني وتربوي شيعي أو حتى بإرسالهم لإيران لتعلم ضمن الحوزات والمدارس هناك حتى تكسب الجيل الثاني من المتشيعين الموالين لحماية مصالحها في حال خروجها كدولة من سوريا وإبقاء المنتمين لها في البلاد كما فعلت في لبنان.


وإضافة إلى التعليم يتم تلقين الأطفال أسس المذهب الشيعي وحتى تعليمهم أمور عسكرية تحت مظلة "كشاف الرسول الأعظم" لتدريبهم وذرع فكرة الدفاع عن المذهب وفداءه.


وأيضا انتشار للمدارس الجعفرية في المدينة بترخيص كامل من الحكومة ووزارة التربية ومباركة من الأوقاف وتعمد تلك المدارس إضافة لتعليمها المنهاج الرسمي تعليمهم "العقائد الجعفرية" والتي تحوي بمجملها تعليم المذهب الشيعي وإضفاء التبعية نحو الإمامة  والولاء للمرشد في إيران.


ويتحدث "خالد . ت" ١٧ عام من مدينة اللاذقية لليفانت "أنا طالب أرى بعض من زملائي قد توجهوا إلى المدارس الجعفرية لما بها من مغريات التي تتكفل الطالب بجميع متطلبات دراسته حتى منهم الجامعية وإرسالهم بمنح للدارسة خارج البلاد في ظل استغلال لحاجة الطلاب في المدينة، للعلم وتوقف الكثير عن إكمال تعليمه نتيجة الفقر والحاجة وفي البداية كان الأهالي قد رفضوا فكرة أبناءهم للدارسة في تلك المدارس ثم ماعادوا وقبلوا بالأمر الواقع نتيجة عدم امكانيتهم لدفع تكاليف الجامعات والتعليم ولكن دون رغبتهم في تحول ابنهم للطائفة الشيعية".


ولم يقتصر الأمر على العلوم الدينية بل وعلى الثقافية فقد كان لانتشار معاهد تعليم اللغة الفارسية أثره البارز في نشر الثقافة الإيرانية بشكل تام وخاصة حين أصدر النظام السوري قراراً بالموافقة على إحداث قسم لتعليم اللغة الفارسية في المعهد العالي للغات بجامعة تشرين، "والتي تم تغيير اسمها بمرسوم من الأسد نفسه" حسب ما نقلت وكالة سانا الرسمية التابعة للنظام السوري.


وتظهر آثار النفوذ الإيراني أيضاً على جامعة تشرين ومن ذلك قيام رئيس الجامعة بتخصيص مبنيين في الحرم الجامعي لإيران لغرض إنشاء كلية شيعية ضمن الجامعة.




تركيبة السكان في سوريا عموماً وفي الساحل خصوصاً في خطر كبير, خطر يبدو أنه أصبح سرطان سيصعب استئصاله بوجود نظام فاشل جلّ همّه البقاء على رأس السلطة تاركاً مصير شعبه لدول معادية تفتك به يومياً.


كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!