-
مسلسل انتهاكات حقوق الإنسان في تركيا 2021.. محاصرة الديمقراطية
تقرير
أصبح نقد الرئيس في تركيا جنحةً تستوجب سجناً لمدة تتراوح بين سنة إلى 4 سنوات بموجب القانون المستحدث، حيث يصبح الخيط بين النقد والقدح والذم رفيعاً جداً في تركيا في عهد حكم حزب العدالة والتنمية. تحتل تركيا المرتبة 153 من 180 في مؤشر حرية الصِّحافة لعام 2021 لمنظمة مراسلون بلا حدود. وصنفتها منظمة فريدوم هاوس بأنها بلد غير حر. لاحظ "المخطط التصويري"
لا تتوقف المنظمات غير الحكومية عن الإدانة باستمرار لانتهاكات حرية الصِّحافة في تركيا، ولاسيما منذ محاولة الانقلاب المزعوم في 2016 وما تلا الحدث من اعتقال لعشرات الصحافيين وإغلاق لعدة وسائل إعلام عُدّت معادية. يجري تقويض نشاطات نقاد الحكومة والمعارضين السياسيين بشدة، والتدخل بالقضاء وتهديد استقلاله، وتفريغ المؤسسات الديمقراطية.
أمسِ الأربعاء قال رئيس الدولة أنه يجب "معاقبة" الصحافية التلفزيونية التركية سديف كاباش المتهمة بإهانته بعد أن أوقفت رسمياً بعد مثولها أمام المحكمة ووضعت في الحبس الاحتياطي في سجن بكركوي في إسطنبول. رأى اتحاد الصحافيين في تركيا أن "اعتقال سديف كاباش بتهمة "إهانة الرئيس" اعتداء خطر على حرية التعبير".
تركي آخر يرى فيه أردوغان خطر على البلاد أمضى بضعة سنوات معتقلا. لقد احتفى به الغرب ولا سيما في ألمانيا وفرنسا، وفاز بجوائز أدبية حين كان خلف القضبان. ما يزال أحمد ألتان في وضع صعب في وطنه. يواجه الكاتب التركي تهديداً بمزيدِ من الملاحقة القضائية. كان يحسب وقته بعدد الكتب التي تركها لكتابتها كما يقول. الصحفي والكاتب بعمر 71 عاما، أُخلّي سبيله مؤخراً بعد قرابة خمس سنوات في السجن بتهمة باطلة؛ التورط في انقلاب 2016 المزعوم.
ألتان فرد من آلاف الأتراك المعتقلين بذات التهمة، التورط في انقلاب 2016 المزعوم على سلطة العدالة والتنمية بزعامة رجب طيب أردوغان في مقام الرئاسة ذي الصَّلاحِيَة الموسعة جداً بعد النجاح في 2018 بتحويل نظام الحكم من برلماني إلى رئاسي.
هناك رجل الأعمال والسياسي والناشط عثمان كافالا الذي يخوض معركة حرية في المحكمة حيث يواجه حكماً بالسجن مدى الحياة بسبب مزاعم تهديده لاستقرار تركيا ومنذ أيام كان أمام المحكمة.
يمر على اعتقاله أربع سنوات من دون محاكمة، على الرغم من إطلاق مجلس أوروبا تحذيراً لأنقرة. لقد رفضت السلطات التركية حتى الآن الإفراج عنه على الرغم من حكم صدر عام 2019 عن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان يقضي بــالإفراج الفوري عنه.
اسم مشهور آخر، صلاح الدين ديمرطاش السياسي الكردي المعارض، المسجون بتهم تتعلق بدعم منظمة إرهابية (بي كي كي) (وتهديد أمن البلاد). ما يزال مسجوناً منذ عام 2016 وتضامنت معه منظمات حقوقية عالمية وطالبت بإطلاق سراحه دون نتيجة، وانسحب الأمر على زوجته المهدّدة بالسجن بسبب حكم مدة عامين ونصف في سجن تركي بسبب "خطأ مطبعي في تقرير طبي عن الإجهاض".
عُدّ الإجراء "اضطهاد سياسي مروع" حيث أصدرت محكمة في ديار بكر أحكاماً بالسجن 30 شهراً على باشاق ديمرطاش التي تعمل كمعلمة، وطبيبها بذريعة تقديم تقرير طبي مزور".
لقد أُخلي سبيل النائب عن حزب الشعوب الديمقراطي عمر فاروق غيرغيرلي أوغلو من السجن وأُعيد إلى منصبه في البرلمان في يوليو بعد أن أدانته المحكمة الدستورية بسبب منشور على وسائل التواصل الاجتماعي أدى إلى طرده من البرلمان في مارس.
في 15 فبراير 2021، أدانت محكمة في إسطنبول إرين كسكين، الرئيس المشارك لهيئة حقوق الإنسان بتهمة "الانتماء إلى منظمة إرهابية"، وبسبب دورها كرئيسة تحرير مشاركة لصحيفة أوزغور غوندم المؤيدة للأكراد. وفي 19 مارس 2021، اعتقل الرئيس المشارك لـ كسكين، أوزترك تركدوغان لفترة وجيزة وما يزال قيد التحقيق بتهمة "العضوية في منظمة إرهابية "مع حظر السفر.
لم يتغير شيء نحو الأفضل في تركيا عندما يتعلق الأمر بتجاوزات الحكومة الرئاسية الاستبدادية المركزية برئاسة أردوغان لحقوق الإنسان، عما كان الوضع عليه في عام 2020 أو قبله. النهج القمعي ما يزال مستمراً بحجج تهديد الأمن القومي أو التعامل مع منظمات إرهابية وهلمجرا.
بعد الانقلاب المزعوم في 2016 شدد حزب العدالة والتنمية بزعامة الرئيس الحالي قبضته على الدولة، فنجح بجعل نظام الحكم رئاسياً وسرّح عشرات الآلاف من العسكر والموظفين الحكوميين وأساتذة الجامعات بحجج مختلفة تبدأ عند دعم الانقلاب ولا تنتهي عند العضوية أو دعم منظمة يعدّها حزبا العدالة والتنمية والحركة القومية بزعامة دولت بهجلي منظمات إرهابية.
أقليات.. مرأة.. رقابة
تشهد تركيا انتكاسة في سجل حقوق الإنسان لم تشهدها منذ عقود حَسَبَ منظمات دولية، ليست منظمة حقوق الإنسان في تقاريرها الوحيدة التي تصدرها بحق تجاوزات السلطات التركية في هذا الصدد. قامت الحكومة التركية بمنع احتجاجات تدعم المثليين وحقوقهم ولم يُتّخذ إجراءات تجاه تصريحات شخصيات حكومية عنصرية ورافضة لهذه الشريحة المجتمعية.
استخدمت سلطات المقاطعات في تركيا بشكل انتقائي كوفيد-19 كذريعة للحظر السلمي لتقويض احتجاجات الطلاب والعمال وأحزاب المعارضة السياسية والنساء ونشطاء حقوق المثليات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهُوِيَّة الجنسانية (LGBT). " تقرير هيومان رايتس"
انسحبت تركيا من اتفاقية مجلس أوروبا للوقاية ومكافحة العنف ضد المرأة والعنف الأسري المعروفة باتفاقية إسطنبول في الأول من تموز 2021 ما يمكن اعتباره انعكاس سيء بشدة لحقوق المرأة.
بررت السلطات التركية أن هذه الاتفاقية تقوض الروابط الأسرية وتروج المثلية الجنسية. لكن النضال النسوي ما يزال مستمراً على الرغْم من الصعوبات بسبب جائحة كورونا، كما صرّحت جَنان جولو رئيسة اتحاد الجمعيات النسائية التركية لوكالة أ ف ب في 7/2021 مؤكّدة "سنواصل كفاحنا... تركيا تضر نفسها بهذا القرار".
يجري تحجيم حرية التعبير وعرقلة إنشاء الجمعيات والتجمعات السياسية ومنظمات المجتمع المدني، وللإعلام نصيب وازن. معظم المنابر الإخبارية الخاصة مملوكة لشركات وشخصيات لديها علاقات وثيقة بالسلطات التركية المختلفة.
بينما وسائل الإعلام المستقلة في تركيا تنشط بشكل أساسي عبر منصات الإنترنت، بيد أن محتواها يخضع إلى الإزالة المنتظمة أو المقاضاة بسبب التغطية الإخبارية الناقدة لشخصيات حكومية، أو أفراد من عائلة الرئيس أردوغان حيث تمثل هذه التغطيات جريمة بموجب قانون مكافحة الإرهاب التركي.
هناك 58 من الصحفيين والعاملين في مجال الإعلام في السجن يقضون عقوبات بالسجن بتهم متعلقة بالإرهاب بسبب عملهم الصحفي المستقل أو لإعلام خاص أو شراكاتهم وعملهم مع وسائل الإعلام الأجنبية.
في نوفمبر 2021، قُيدت التغطية وحرية الإعلام، وأوقفت المحكمة الإدارية العليا في تركيا تنفيذ وزارة الداخلية تعميم أبريل الذي يمنع المواطنين أو الصحفيين من تسجيل مقاطع فيديو تظهر الشرطة أو قوات الأمن
بعد انتقادات شديدة على وسائل التواصل الاجتماعي لرد فعل السلطات على حرائق الغابات في منطقة الغابات المتوسطية التركية. أشارت الحكومة إلى خطط لمزيد من تشديد القيود على وسائل التواصل الاجتماعي بحجة تقديم "معلومات مضللة" عبر وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام في جريمة يعاقب عليها بالسجن ما بين اثنين إلى خمسة سنين.
لم يُجرَ أي تعديل قانوني حتى وقت كتابة هذا التقرير. نعم هناك الآلاف من الناس يواجهون كل عام الاعتقال والملاحقة القضائية بسبب بوستاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، بتهم التشهير أو إهانة الرئيس أو نشر الإرهاب.
امتثلت منصات التواصل الاجتماعي الرئيسة مثل يوتيوب وفيسبوك وتوتير مع تعديل قانوني لعام 2020 يجبرهم على إنشاء مكاتب في تركيا. هذا الإجراء أثار المخاوف بقدرة تلك الشركات على رفض التدخل الحكومي فيما يتعلق برقابة المحتوى، ما قد يضطرهم في المستقبل إلى زيادة امتثالهم للحكومة والرقابة من أجل تجنب الغرامات الباهظة والعقوبات الأخرى.
لقد عين أردوغان رئيساً غير منتخب لجامعة بوغازيتشي المرموقة من المحسوبين عليه ما أشعل احتجاجات قوبلت بقمع ومحاكمات عنيفة من قبل الشرطة ضد عشرات الطلاب المتظاهرين.
قبلت المحكمة الدستورية لائحة اتهام قدمتها محكمة من طرف رئيس الادعاء العام للنقض بإغلاق حزب الشعوب الديمقراطي نهائياً وفرض منع لمدة خمس سنوات من ممارسة النشاط السياسي ضد 451 سياسي ومسؤول حزبي. والقضية ما تزال القضية جارية حتى وقت كتابة هذا التقرير.
العمال
طالت الانتهاكات العمال أيضا، لقد بلغ عدد العاملين في تركيا بشكل عام، وفق الحد الأدنى للأجور، نحو سبعة ملايين موظف، وقُدّرت قيمة الحد الأدنى لأجور العاملين في العام الحالي بألفين ليرة تركية. بينما بلغ الحد الأدنى من الراتب للمواطن التركي في 2019 مبلغ 2.020 ليرة تركية غير متضمنة التأمين الصحي والضمان الاجتماعي.
تذكر هيومن رايتس ووتش في تقريرها لعام 2018 - 2019 نقلا عن وزارة العدل التركية، لقد بلغ عدد السجناء أو المدانين بجرائم إرهابية حتى يونيو/حزيران (48,924) من العدد الإجمالي للسجناء (246,426). من بين الملاحقين والمدانين صحفيون، موظفون عموميون، معلمون، سياسيون، وكذلك عناصر شرطة وعسكريون.
وذكر التقرير أنواع الانتهاكات بحق العمال في تركيا التي بلغت أعلى مستوياتها منذ ثماني سنوات، كالحق في الإضراب، تكوين النقابات والانضمام إليها، الأنشطة النقابية والحريات المدنية، والحق في حرية التعبير والتجمع.
لقد أُدرجت تركيا ضمن الدول التي "ليس لديها ضمان لحقوق العمال"، إلى جانب أفغانستان والجزائر والبحرين وبنغلاديش وبيلاروسيا والبرازيل والصين وكولومبيا وغيرها الكثير.
لقد صادق أكبر اتحادٍ لنقابات العمال الأتراك على المعلومات التي وردت في تقرير “الاتحاد الدولي لنقابات العمال” (ituc) الذي صنّف تركيا ضمن “أسوأ 10 دول تُنتهك فيها حقوق العمال في العالم” عام 2021.
أضافت وزارة الخارجية الأمريكية تركيا إلى قائمتها في 2021 ضمن قائمة البلدان المتورطة بالاتجار بالبشر، في استخدام الجنود الأطفال فيما يتعلق بدعمها لجماعات سورية معارضة مسلحة تنشط في الشمال السوري المحتل.
تبرر تركيا الاحتلال العسكري في كانون الثاني 2018 وتشرين الأول 2019 على مناطق شمال شرق سوريا وعفرين كجزء من جهد لمحاربة المنتمين إلى حزب العمال الكردستاني كما تدعي وترتكب الانتهاكات في الشمال السوري من خلال الميليشيات التابعة لها، كاحتلال الأراضي ونقل ملكيتها بشكل غير قانوني لمواطنين سوريين آخرين وافدين على المنطقة مهجرين من مناطق سورية أخرى ولاسيما ريف دمشق وحلب وحمص والرقة ودير الزور.
ملاحقات وخطف
واصلت السلطات التركية سعيها لضرب حركة فتح الله غولن ومؤيديه، كثير منهم مدرسون، حول العالم. لقد لاحقت لاعب كرة السلة الشهير أنس كانتر الذي يلعب في فريق نيويورك نيكس الأمريكي الشهير بتهمة الارتباط بجماعة غولن التي يزعم أردوغان أنها وراء محاولة الانقلاب عام 2016.
حاولت الالتفاف السلطات التركية مراراً الالتفاف على الانتربول طالبة تسليم معارضين لنظام الحكم من خلال قوائم البطاقات الحمراء للإنتربول. نجحت مع بعض البلدان التي امتثلت لطلباتها وتجاوزت الإجراءات القانونية والمراجعة القضائية وتورطت بالتواطؤ في عمليات الاختطاف والاختفاء القسري وغير القانوني.
حالتان من هذا القبيل في عام 2021 هما اختطاف في 31 مايو والتسليم إلى تركيا من قيرغيزستان لأورهان إيناندي، مدير المدارس في قيرغيزستان؛ وإعلان تركيا أنها نقلت صلاح الدين غولن، وهو مواطن تركي ومسجل حق اللجوء في كينيا.
اقرأ المزيد: الكاتب التركي أحمد ألتان: اختار السجن بدلاً من المنفى
وردت أنباء عن تزايد مزاعم التعذيب وسوء المعاملة في حجز الشرطة والسجون. وعلى مدى السنوات الخمس الماضية. قلة من هذه الادعاءات أدت إلى محاكمة قوات الأمن، واستمرت ثقافة الإفلات من العقاب المتفشية.
في حكمين في مايو 2021، وجدت المحكمة الدستورية انتهاكات بشأن سوء المعاملة وأمرت بإجراء تحقيقات جديدة في الشكاوى التي قدمها وكلاء النيابة في عام 2016. أحدهم يتعلق بـشكوى من التعذيب والاغتصاب في حجز الشرطة قدمها المعلم أ. أ. في بلدة أفيون، والثانية شكوى من قبل مدرس إي بي في أنطاليا يزعم أن الشرطة عذبته في الحجز مما تطلب منه الخضوع لعملية جراحية طارئة.
لا يبدو أن الأمور ستتغير في العام الجديد، بل يجري إعفاءات لعناصر من تنظيم داعش، بينما يعتقل المواطنون بسبب منشورات لهم على وسائل التواصل الاجتماعي. تسجل كل فترة ممارسات عنصرية بحق لاجئين سوريين مقيمين. يستمر مسلسل الرقابة وتشديد الخناق على الناس. الموقف الأوروبي والأمريكي ما يزال ثابتاً بخصوص مف حقوق الإنسان في تركيا.
جو بايدن الرئيس الأمريكي وفي أكثر من مناسبة أشار لملف الانتهاكات ولاسيما بحق الصحفيين. ويواجه الرئيس الحالي ضغوطات اقتصادية وسياسية مع صعود صوت المعارضة مدعوما بالشارع فيما يرجح مختصون بالشأن التركي أن معركة أردوغان لبقاء في السلطة أصبحت صعبة بالتزامن مع مطالبات المعارضة العودة للنظام البرلماني بعد تجربة النظام الرئاسي المستبد مع أردوغان.
إعداد وتحرير: وائل سليمان
ليفانت نيوز_ خاص
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!