الوضع المظلم
الإثنين ٠٤ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
محل باليه لبيع اللاجئين
سالي علي

لقد تم افتتاح أكبر وأهم فرع لبيع الباليه في جميع أنحاء العالم. تتضمن العروض كلفة الشحن السريع وتنزيلات بغالبية أشهر السنة. كان الافتتاح بتوقيت ٢٠١١ مع نشأة بذور المحنة السورية أو الوعكة السورية والتي مهما أردنا تسميتها ومهما كثرت حولها الألقاب والمواصفات سنبقى عاجزين عن تسمية هجرتنا عن وطننا.

هناك يتم عرض أجساد السوريين مع ملابسهم وأحذيتهم، تتم المساومة على أسعارهم وكيفية استخدامهم، تحوم الصفقات حول شهاداتهم وكفاءاتهم العلمية وخبراتهم المحلية ويتزايد الشراء ضمن فترات العروض والتنزيلات.

الباليه تلك هي معرض اللاجئين السورين حيث تتم المساومة عليهم من قبل كل دول العالم بعد أن سقطت الهوية وضاعت الإنسانية و لم يبق سوى الجسد.

من شدة فضولي دخلت إحدى أهم البالات والتي تستقطب العدد الأكبر من عقل وجسد الشباب السوري، استطلعت المكان بدقة المحققين ولفتني في بداية بحثي جسد شابٍ يرتدي قميصاً أزرقاً مبللاً مع سترة الوقاية ذات اللون الأورانجي وحقيبة ظهرٍ صغيرة مبللة أيضاً، طلبت المساعدة من عميلة التسويق لتخبرني عنه فبدأت تشرح لي عنه:

"اسمه ميشيل حجار، طالب هندسة عمارة سنة رابعة، من أوائل دفعته في جامعة دمشق، وهو من مواليد حلب، عمره اثنان وعشرون عاماً، وصل عن طريق البحر بعد غرق المركب الذي كان يحمله لسواحل اليونان، قميصه من القطن الفاخر وحقيبته من الجلد الطبيعي، لقد حددنا سعره مسبقاً ونرجو الاطلاع عليه عند موظفة الاستقبال هي المسؤولة عن الأمور المالية".

ولكن أين بنطاله؟

لم يأتِ معه، أغلب الاعتقاد بأنه غرق ولم يعد.

تابعت طريقي ووقفت بجانب جسد امرأة حامل تلبس عباءةً سوداء دون حذاء وتضع على وجهها وشاحاً أسوداً ممزقاً، مكتوب على ورقة معلوماتها بأنها مصنوعة من الحرير الدمشقي، سألت عنها أيضاً وأجابتني الموظفة بأنها "صفية محمد، تعمل في الزراعة، هي من مواليد ريف دمشق، أم لطفلين وزوجها مفقود، حامل في شهرها السابع ولم يأتها الطلق بعد".

على اليمين رأيت شاشة إلكترونية ممتازة الدقة تعرض صوراً لجميع الأجساد المتواجدة في الباليه وعملية تحويلهم من مصدرهم الأول إلى حالتهم الآنية كما تتضمن عرض السعر مع تحديد الهوية ومدة الكفالة.

لم أستطع احتمال المشهد أكثر وكيفَ أقفُ بضعفٍ أمام معرضٍ لأبناء بلدي حيث تباع أجسادهم وتتم المفاضلة على جودتهم وخبراتهم.. فكيف للصمت هنا أن يصرخ؟

خرجت من المكان دون أن أسجل حالة شراء واحدة  لكني عدت بعد أقل من ساعة وضعت الشموع على الأرض أمام واجهة الباليه ورسمت حدود خريطة بلادي على هيئة جسد واحد "إنه وطننا الأول والأخير الذي نولد وندفن فيه".

لقد أصبح السوري لاجئاً بكل دول العالم، الجميع يسترخص قيمته، يتفحص ثقوبه، يعلل وجوده، يتناوله بقلة اهتمام، ليصنع منه بنهاية الاستخدام منشفة حمام.

ليفانت - سالي علي

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!