-
ما بين المصالحة والتصعيد ضد الكرد.. قواسم تركية روسية مشتركة
بعد سنوات طويلة من الصراع بين حكومة دمشق وفصائل المعارضة السورية التي تبنتها تركيا بشدة وفرضت نفسها وصية عليها، وتخللتها تصريحات مسؤولين أتراك كبار وصغار ضد "النظام السوري"، تعود أنقرة اليوم إلى ما قبل 2011، الأمر الذي كشف حقيقتها أمام المعارضة وأثارت غضباً لدى شريحة واسعة من حاضنتها الشعبية المنتشرة في شمال وشمال غرب سوريا.
هذا التلميح للمصالحة بين الحكومة والمعارضة هو نفسه خطوة تطبيع العلاقة بينها وبين دمشق، فتأتي بالتزامن مع تصعيد تركي كبير في مناطق شمال شرق سوريا، ما يثير التساؤل عن فحوى الخطة التركية التي قد تكون بداية النهاية لعقد من الزمن في كونها لاعباً بالشأن السوري.
ولعل أكثر ما اتضح في المواقف التركية وتراجعها التدريجي على مدار السنوات الماضية عن مناطق المعارضة في الداخل السوري لصالح قوات الحكومة السورية، وقضمها لأخرى في الشمال، هو أنها استخدمت المعارضة كورقة للمساومة مع النظام وروسيا لتحقيق مصالح لها، ولا سيما ما يتعلق بالشأن الكردي.
تلك المساومات المتتالية على مدار السنوات الماضية، بدءاً من الغوطة وصولاً إلى إدلب، كانت بالأصل نوعاً من المصالحة المبدئية، ما يعني أن ما صرح به جاويش أوغلو مؤخراً ليس بالأمر الجديد، وكان حري بالمعارضة إدراك الموقف التركي منذ سنوات.
لكن يبدو أن قيادات المعارضة غضت الطرف عن ذلك، بل وحاولت حجبها عن حاضنتها الشعبية، باستخدام جوقات إعلامها، إلا أن الأمور خرجت عن السيطرة ووصلت الرسالة من أنقرة إلى القاعدة الشعبية مباشرة.
حاولت قيادات معارضة وهي غارقة في مصالح مالية وسياسية مع تركيا، البحث عن ثغرات "شرعية" في الموقف التركي وتجميل الصورة، على أنه الطبيعي أن تجري الأمور على هذا النحو. وبغض النظر عما دفعت تركيا بالتلويح إلى المصالحة مع دمشق في هذا الوقت بالذات، بين من يروها ضغطاً روسياً في إطار "أستانا" ومن يعدها خطة تركية لكسب تنازلات جديدة من الغرب، فقد صعدت تركيا من الهجمات المسيرة والمدفعية خلال الآونة الأخيرة على طول الحدود الشمالية.
جرت العادة أن تركيا تتريث لفترة للقيام بعملياتها العسكرية المتتالية كالتي حصلت في عفرين ورأس العين (سري كانيه) وبلدات شمال وشمال شرقي حلب الحدودية، فتهدد ثم تجهز لعملية عبر تصريحات متكررة لتصل إلى مرحلة تحديد موعد العملية ثم إطلاقها بعد كسب ضوء أخضر غير مباشر من الدول المؤثرة.
لكن على خلاف ما سبق، قامت تركيا بالخطوات الأولية كالتهديد والتجهيز، لكنها لم تصل إلى مرحلة تحديد موعد، بل واصلت التصعيد العسكري المتفرق غير المنتظم بطريقة تكشف أنها لم تحصل على موافقة من الدول المتداخلة في الشأن السوري لشن عمليتها المزعومة.
وعدم التوغل بعملية مباشرة وضعت الرئيس التركي وفريقه الحكومي في وضع حرج وهم مقبلون على انتخابات، ويتعرضون لضغوط داخلية فيما يخص ملف اللاجئين السوريين فضلاً عن الأزمة الاقتصادية الخانقة. لذا في الوقت الحالي تستخدم تركيا ورقتها التي قد تمثل الحلقة الأخيرة في الملف السوري على جبهتين.
ما يهم أنقرة هو لا وجود أثر لإدارة ذاتية في شمال شرق سوريا، فرغم سنوات الخصام الشديدة مع دمشق، تبقى تركيا تفضلها (النظام) بقوة عن منطقة ذاتية الإدارة على حدودها، وهو ما تعبتره إخلالاً بأمنها القومي.
وهذه تعد إحدى أبرز نقاط المصالحة التي تلمح لها تركيا بمباركة روسية، حيث تحاول من خلال هجماتها المتكررة على شمال وشرق سوريا خلق حالة عدم استقرار شعبي يدب في نفسه القلق بالدرجة الأولى، وبالتالي التسبب بموجة جديدة من النزوح.
بين ذلك وذاك، يزداد الثقل على كاهل الجهات الإدارية والعسكرية المتمثلة بالإدارة الذاتية وقسد، ودفعها للانسحاب المعنوي وتسليم زمام الأمور إلى دمشق، وبالتالي خلق حالة من الشرخ بينها وبين الحاضنة الشعبية المتنوعة الأعراق، فتكون هذه الخطوة تصب لصالح الطرفين (دمشق وأنقرة) معاً.
وعند الإشارة إلى الدور الروسي في الخطة، فإن لها مصلحة دولية في ذلك، وهي وسيلة للضغط على الحلف الغربي الذي يركز اهتمامه في مناطق شمال وشرق سوريا ويفرض عقوبات على "النظام"، لأن أي خطوة غربية فعلية من شأنها منع تركيا من فرض نفوذها ، تمثل خللاً في العلاقات الغربية التركية وهذا ما يحاول الغرب تفاديه.
بالنتيجة، إن نجاح الخطة التركية مرتهن بإمكانية مواصلة خطوات التطبيع مع دمشق واستمرار التصعيد العسكري في الشمال.
ليفانت - هوزان زبير
قد تحب أيضا
كاريكاتير
من وحي الساحات في سوريا
- December 19, 2024
من وحي الساحات في سوريا
ليفانت-خاص
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!